• ٢٦ كانون أول/ديسمبر ٢٠٢٤ | ٢٤ جمادى الثانية ١٤٤٦ هـ
البلاغ

تحية الإسلام في القرآن الكريم

تحية الإسلام في القرآن الكريم

(وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَسِيبًا) (النساء/ 86).

السلام عليكم، أو سلام عليكم، هي تحية الإسلام، وتتضمن إعطاء الأمان للإنسان لنفسه وعرضه وماله، والإنسان يعمل ويسعى ليحصل على الأمان لنفسه وعرضه وماله، فإذا ما حصل على ذلك فقد حصل على ما يبتغيه ويرتضيه.

اتخذ الإسلام كلمة التوحيد شعاراً لعقيدته، وجعل السلام وتحيته المختصة به للإشارة إلى أن منهاجه في الحياة هو نشر السلام ومقاومة العدوان.

بالإضافة إلى أن معنى الإسلام التسليم للعدل والإحسان، والخير والأمان، وفوق ذلك كله فإنّ السلام من أسماء الله تعالى: (هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ) (الحشر/ 23).

والأمم والأقوام على اختلافها في الحضارة والتوحش والتقدم والتأخر، لا تخلو في مجتمعاتهم من تحية يتعارفونها عند الملاقاة، مثل الإشارة بالرأس واليد ورفع القلانس وغير ذلك، وهي مختلفة باختلاف العوامل المختلفة العاملة في مجتمعاتهم.

وإذا تأملت هذه التحيات الدائرة بين الأُمم على اختلافها وعلى اختلافهم. وجدتها حاكية مشيرة إلى نوع من الخضوع والهوان والتذلل يبديه الداني للعالي، والوضيع للشريف، والمطيع لمطاعه، والعبد لمولاه، وبالجملة تكشف عن رسم الاستعباد الذي لم يزل رائجاً بين الأُمم في أعصار الهمجية فما دونها، وإن اختلفت ألوانه، ولذلك ترى أنّ هذه التحية تبدأ من المطيع وتنتهي إلى المطاع، وتشرع من الداني الوضيع وتختتم في العالي الشريف.

والإسلام – كما نعلم – أكبر همه إمحاء الوثنية وكلّ رسم من الرسوم ينتهي إليها، ويتولد منها، ولذلك أخذ لهذا الشأن طريقة سوية وسنة مقابلة لسنة الوثنية ورسم الاستعباد، وهو إلقاء السلام الذي هو بنحو أمن المسلم عليه من التعدي، ودحض حريته، الفطرية الإنسانية الموهوبة له، فإن أوّل ما يحتاج إليه الاجتماع التعاوني بين الأفراد هو أن يأمن بعضهم في نفسه وعرضه وماله، وكلّ أمر يؤول إلى أحد هذه الثلاثة.

وهذا هو السلام الذي سن الله تعالى إلقاءه عند كلّ تلاق من متلاقيين قال تعالى: (فَإِذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتًا فَسَلِّمُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُبَارَكَةً طَيِّبَةً) (النّور/ 61).

وقال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) (النّور/ 27). وقد أدب الله رسوله (ص) بالتسليم للمؤمنين وهو سيدهم فقال: (وَإِذَا جَاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِنَا فَقُلْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ) (الأنعام/ 54)، وأمره بالتسليم لغيرهم في قوله: (فَاصْفَحْ عَنْهُمْ وَقُلْ سَلامٌ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ) (الزخرف/ 89).

والتحية بإلقاء السلام كانت معمولاً بها عند عرب الجاهلية، على ما شهد به المأثور عنهم من شعر ونحوه، وفي لسان العرب: وكان العرب في الجاهلية يحييون بأن يقول أحدهم لصاحبه: أنعم صباحاً، وأبيت اللعن، ويقولون سلام عليكم، فكأنّه علامة المسالمة، وأنّه لا حرب هنالك، ثمّ جاء الله بالإسلام فقصروا على السّلام وأمروا بإفشائه.

إلا أنّ الله سبحانه يحكيه في قصص إبراهيم عنه (ع) كثيراً، ولا يخلو ذلك من شهادة على أنّه كان من بقايا دين إبراهيم الحنيف عند العرب كالحج ونحوه قال تعالى حكاية عنه فيما يحاور أباه: (قَالَ سَلامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي) (مريم/ 47)، وقال تعالى: (وَلَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى قَالُوا سَلامًا قَالَ سَلامٌ) (هود/ 69)، والقصة واقعة في غير مورد من القرآن الكريم.

ولقد أخذه الله سبحانه تحية لنفسه، واستعمله في موارد من كلامه. قال تعالى: (سَلامٌ عَلَى نُوحٍ فِي الْعَالَمِينَ) (الصافات/ 79)، وقال: (سَلامٌ عَلَى إِبْرَاهِيمَ) (الصافات/ 109)، وقال: (سَلامٌ عَلَى مُوسَى وَهَارُونَ) (الصافات/ 120)، وقال: (سَلامٌ عَلَى إِلْ يَاسِينَ) (الصافات/ 130)، وقال: (وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ) (الصافات/ 181).

وذكر تعالى أنّه تحية ملائكته المكرمين وقال: (الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلامٌ عَلَيْكُمُ) (النحل/ 32)، وقال: (وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ * سَلامٌ عَلَيْكُمْ) (الرعد/ 23-24)، وذكر أيضاً أنّه تحية أهل الجنة قال: (وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلامٌ) (يونس/ 10)، وقال تعالى: (لا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلا تَأْثِيمًا * إِلا قِيلا سَلامًا سَلامًا) (الواقعة/ 25-26).

وأيضاً نقف أمام اللمسات الكامنة في آية التحية هذه، فهي المحاولة الدائمة لتوثيق علاقات المودة والقربى بين أفراد الجماعة المسلمة، وإفشاء السلام، والرد على التحية بأحسن منها، ومن خير الوسائل لإنشاء هذه العلاقات وتوثيقها، وقد سئل رسول الله (ص): أي العمل خير؟ قال: وتطعم الطعام وتقرأ السلام على من عرفت ومن لم تعرف، هذا في إفشاء السلام بين الجماعة المسلمة.

والعناية بالسلام تبدو قيمته بين المتصلين، وهي ظاهرة يدركها كل من يلاحظ آثار مثل هذا التقليد في المجتمعات ويتدبر نتائجها القيمة.

وتبدو قيمة السلام أيضاً عند الملاحظة لآثار هذا التقليد في صفاء القلوب وتعارف غير المتعارفين وتوثيق الصلة بين المتصلين من خلال السلام، وهي ظاهرة يدركها كل من يلاحظ آثار مثل هذا التقليد في المجتمعات ويتدبر نتائجها العجيبة.

وابتداء السلام تطوع – مستحب – ورده فرض، وقد يكون السلام واجباً عينياً عندما يكون المسلَّم عليه واحداً، وقد يكون السلام كفائياً عندما يكون المسلم عليه أكثر من واحد.

والسلام يتضمن أنّ المسلَّم عليه: دمه وماله وعرضه في أمان من المسلِّم، وهذا ما يبتغيه الإنسان ويعمل للحصول عليه للحفاظ على دمه، وماله، وعرضه.

والسلام من أسمائه سبحانه، قال تعالى: (هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ * هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ * هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الأسْمَاءُ الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) (الحشر/ 22-24).

وجاء في الحديث عنه (ص): "لن تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا، ولن تؤمنوا حتى تحابوا، أفشوا السلام بينكم".

 

المصدر: كتاب دروس من القُرآن

ارسال التعليق

Top