• ٢٠ نيسان/أبريل ٢٠٢٤ | ١١ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

القرآن ثقل الله الأكبر

القرآن ثقل الله الأكبر

القرآن أساس الدين:

قال رسول الله (ص): "إنّي تاركٌ فيكم الثقلين، ما إن تمسكتم بهما لن تضلّوا بعدي أبداً؛ كتاب الله، وعترتي أهل بيتي". إنّ الله سبحانه وتعالى أودع شريعته وحقائق دينه في كتابٍ أنزله للناس هادياً، وأمر نبيّه والأوصياء من بعده أن يفسّروا آياته ويبيّنوا تعاليمه. فهو كتاب الله وهم كلماته التامات؛ وفيه أودع إرادته الكاملة للبشرية لكلّ عصرٍ ومكان، وهم المتّصفون بالالتزام التام. ومَن أراد الوصول إليه سلك سبيله؛ ومَن اهتدى فإنّما يهتدي به، والضال هو الذي يزيغ عنه. فهذا الكتاب هو مظهر هداية الله التامة، وصراط العروج في مراتب الكمال. فإنّ كلّ آية فيه تمثّل درجةً من درجات الجنّة التي حوت كلّ كمال. ففي الحديث عن رسول الله (ص) أنّه قال: "عدد درج الجنّة عدد آيات القرآن، فإذا دخل صاحب القرآن الجنّة قيل له اقرأ وارقَ، لكلّ آيةٍ درجة فلا تكون فوق حافظ القرآن درجة". فمن ضرورات شريعة الإسلام التمسُّك بالقرآن، لأنّه مصدِّر التشريع، وحافظ العقيدة وملهم الأرواح. فمن تركه، فقد ترك دينه وأعرض عن الله. ولهذا، كان التمسُّك بالقرآن باب الدخول إلى الدين، لأنّه سند النبوّة الخاتمة والمعجزة الإلهية الخالدة، والحجّة على العالمين.

 

حقيقة القرآن الكريم:

إنّ حقيقة القرآن التي يصل إليها الأولياء هي النور الخالص والغنى الذي لا فقر بعده أبداً، والكمال الذي لا منتهى له. فعن رسول الله (ص) أنّه قال: "القرآن غنى لا غنى دونه، ولا فقر بعده".

وعن أمير المؤمنين (ع) قال: "واعلموا أنّه ليس على أحد بعد القرآن من فاقة، ولا لأحد قبل القرآن من غنى، فاستشفوه من أدوائكم، واستعينوا به على لأوائكم، فإنّ فيه شفاءٌ من أكبر الداء، وهو الكفر والنفاق والغيّ والضلال. فاسألوا الله به وتوجّهوا إليه بحبه، ولا تسألوا به خلقه..".

فهو الشافي لأمراض النفوس والمزيل لأمراض القلوب. وهو إكسير السعادة في الدارين. ومَن أراد تطهير باطنه من الأمراض والرذائل الأخلاقية، فليتمسّك به. وفيه الشفاء من أكبر الداء وهو الكفر. عن أمير المؤمنين عليّ (ع) أنّه قال: "تعلّموا القرآن فإنّه أحسن الحديث، وتفقّهوا فيه فإنّه ربيع القلوب، واستشفوا بنوره فإنّه شفاء الصدور". حتى عد قارئ القرآن عن حقٍّ ودراية ممّن أدرجت النبوّة بين جنبيه، كما في الحديث عن مولى الموحدين (ع): "مَن قرأ القرآن فكأنّما أُدرجت النبوة بين جنبيه إلّا أنّه لا يوحى إليه".

أمّا مَن أعرض عنه وجعله وراءه قاده إلى النار، ومَن استقلّ شأنه أو قدّم غيره عليه فقد استصغر عظمة الله. فعن رسول الله (ص) أنّه قال: "تعلّموا القرآن واقرأوه، واعلموا أنّه كائنٌ لكم ذكراً وذخراً، وكائنٌ عليكم وزراً. فاتّبعوا القرآن ولا يتبعنّكم. فإنّه من تبع القرآن تهجّم به على رياض الجنّة، ومَن تبعه القرآن زجّ في قفاه حتى يقذفه في جهنم".

وعليه، فإنّ القرآن المجيد كتاب الهداية إلى الغنى الذي لا فقر فيه والكمال الذي لا نقص فيه (يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ) (يونس/ 57)، وهو كتاب السفر إلى الله تعالى وباب الوصول إليه، وكتاب تهذيب النفوس والصدور وشفائها من الأمراض الخبيثة والمهلكة.. فهذا الكتاب الشريف الذي هو الكتاب الوحيد في السلوك إلى الله والكتاب الأحدي في تهذيب النفوس والآداب والسنن الإلهية، وأعظم وسيلة للربط بين الخالق والمخلوق والعروة الوثقى والحبل المتين للتمسُّك بعزّ الربوبية.

 

آداب التمسُّك بالقرآن الكريم:

إنّ للقرآن الكريم ظاهراً وباطناً كما في الحديث عن رسول الله (ص): "إنّ القرآن له ظَهْرٌ وبَطْن"، والتمسُّك بالقرآن الكريم لابدّ أن يراعي فيه الإنسان كلا البعدين الظاهري والباطني، ومن دون مراعاتهما لن تتجلّى فيه آثار القرآن النورانية.

 

آداب القرآن الظاهرية:

1- الطّهارة: وهي من الأحكام الأساسية كما قال عزّ وجلّ: (إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ * فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ * لا يَمَسُّهُ إِلا الْمُطَهَّرُونَ) (الواقعة/ 77-79).

2- تنظيفُ الفم: عن الإمام الصادق (ع) قال: "قال رسول الله (ص): نظّفوا طريق القرآن، قيل: يا رسول الله وما طريق القرآن؟ قال: أفواهكم. قيل: بماذا؟ قال: بالسّواك".

3- الاستعاذة: لابدّ قبل البدء بالقراءة من الاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم، واللجوء إلى كهفه الحصين، لأنّ الشيطان قد أقسم على القعود على الصراط المستقيم ليصد المؤمنين عنه: (فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لأقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ) (الأعراف/ 16). لذا أمرنا الله تعالى باللجوء إليه، والاستعاذة من شره: (فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ) (النحل/ 98).

4- الترتيل: قال الله تعالى: (وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلا) (المزمل/ 4). والترتيلُ هو القراءة بتأنٍّ وتمهّلٍ مصحوباً بالصوت الحسن، والقراءة الصحيحة والفصيحة الخالية من الأخطاء. والغرض من هذه القراءة أن يتدبّر القارئ معاني القرآن ومراميه، وينتفع بأحكامه وعظاته وبوعده ووعيده. فعن الإمام الصادق (ع) قال: "الترتيل أن تتمكّث به وتحسن به صوتك، وإذا مررت بآية فيها ذكر النار فتعوّذ بالله من النار، وإذا مررت بآية فيها ذكر الجنّة، فاسأل الله الجنّة". وعن رسول الله (ص) قال: "زيّنوا القرآن بأصواتكم"، وقال (ص): "إنّ حسن الصوت زينة للقرآن".

5- مكان القراءة: بالإضافة لخصوصية الأماكن المقدّسة والمساجد، ينبغي للمسلم أن يقرأ القرآن في بيته لما في ذلك من أثر هام؛ يقول الإمام عليّ (ع): "البيت الذي يقرأ فيه القرآن ويذكر الله فيه تكثر بركته وتحضره الملائكة وتهجره الشياطين ويضيء لأهل السماء كما تضيء الكواكب لأهل الأرض، وإنّ البيت الذي لا يقرأ فيه القرآن ولا يذكر الله فيه تقلّ بركته وتهجره الملائكة وتحضره الشياطين".

6- مقدار القراءة: يقول الإمام الصادق (ع): "القرآن عهد الله إلى خلقه فقد ينبغي للمرء المسلم أن ينظر في عهده وأن يقرأ منه في كلّ يوم خمسين آية". وقد ورد التأكيد على التروي في القراءة: جاء عن الإمام الصادق لما سُئل عن ختم القرآن كلُّ يومٍ فقال (ع): "لا يعجبني أن تقرأه في أقل من شهر".

7- الحزن والخشوع: من آداب قراءة القرآن وتلاوته أن يستشعر المرءُ حالة الحُزن والخشوع. روي عن رسول الله (ص) أنّه قال: "إنّ القرآن نزل بالحُزن فإذا قرأتموه فابكوا فإن لم تبكوا فتباكوا". وعن الإمام الصادق (ع) أيضاً قال: "إنّ القرآن نزل بالحُزنِ فاقرأوه بالحُزن".

8- التدبُّر: قال الله تعالى: (أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا) (محمّد/ 24). ويقول الإمام عليّ (ع): "ألا لا خير في قراءة ليس فيها تدبُّر".

 

المصدر: كتاب دروس في التربية الأخلاقية 

ارسال التعليق

Top