• ٢٦ كانون أول/ديسمبر ٢٠٢٤ | ٢٤ جمادى الثانية ١٤٤٦ هـ
البلاغ

حكاية حب!

حكاية حب!

قد تنتهي أقوى العلاقات الإنسانية، وأجملها وأطولها، لكن علاقة المرء الممتعة بالكتاب تبقى وتدوم، كحكاية حب كبير!وقد لا نقترب من شغف المشاهير، من الفلاسفة والمفكرين في فعل القراءة، مهما ادعينا ذلك.فقط.. لو تدرك الأجيال المعاصرة تلك المتعة ولو قليلا!
في رسالته إلى الآنسة شانتيبي، كتب غوستاف فلوبير«اقرئي كي تحيي».ويقول ايتالو كالفينو «القراءة تعني الاقتراب من شيء هو قيد الصيرورة».
أما آلبرتو مانغويل فإنه يرى«أن القراءة ضرورية للحياة كالتنفس»، و«أن تعلم القراءة بصوت مرتفع، أو القراءة بصمت، هي القدرة على تخزين كنوز خاصة من المفردات في الذاكرة، وهذه مقدرات مدهشة، حصلنا عليها إلى حد بعيد بطريقة لايمكن تفسيرها».
أما بالنسبة إلى ليف شتراوس فانه يرى أن «النظم التي نتعلم القراءة بواسطتها، تقرر المساحات الحرة، والحدود التي تتفتح فيها مقدراتنا على القراءة. والقراءة في كل مجتمع متعلم، نوع من المبادرة في مباشرة العمل، ومرحلة انتقال حافلة بالطقوس والمواصلة البدائية، إلى ماهو ارفع وأسمى».
في المجتمع اليهودي قديما، كان المعلم يجلس الطفل على حضنه، ويعرض عليه لوحا من الإردواز يحتوي على الأبجدية العبرية، وكان المعلم يتلو كل كلمة على الطفل، أو آية من آيات الكتاب المقدس، وكان الطفل يكررها بعده، ثم كان الطفل يلعق هذا اللوح المطلي بالشهد، وكأنه يريد إدخال هذه الكلمات إلى جوفه.
ويشهد تاريخ آثار الفن المسيحي على أهمية القراءة عن الكتابة، وهناك العديد من الصور التي تظهر مريم العذراء وولدها ممسكة بكتاب يقرأ فيه يسوع الطفل، ولا توجد صورة يظهر فيها المسيح، أو أمه وهما يتعلمان الكتابة، كما أورد آلبرتو مانغويل.
إضافة إلى ما فرضه الملك الأسباني الفونسو الحكيم على المعلمين، وهو نقل معارفهم إلى الطلبة بصورة جيدة، بقراءة الكتب عليهم، وعليهم ـ أي المعلمين ـ مواصلة القراءة حتى نهاية الكتاب، ولا يجب إرسال من ينوب عنهم لإتمام القراءة تحت أي ظرف، إلا إذا أرادوا أن يشرّفوه بهذه المهمة، حتى لو ألمت بالمعلم وعكة صحية حالت دون استكمال القراءة، عليه أن يتم القراءة.
ويعلق سقراط بأن «الكتب الموجودة على رفوفي لا تعرفني إلى أن افتحها، ومع هذا فإنني مقتنع بأنها تخاطبني بالاسم، إنها تنتظر تعليقاتنا وآراءنا. إن أفلاطون يحسب لي حسابا كقارئ، تماما كما يفعله أي كتاب آخر، حتى تلك الكتب التي لن أقرأها على الإطلاق».
الدلائل على ضرورة القراءة وأهميتها ليس لها حصر، ولا يود المرء الاستشهاد بحواضر العرب الثقافية على مر العصور، وكنوزهم من مخطوطات ابن الهيثم وابن رشد والطبري وإلى آخرين غيرهم، ولكأن مهارتهم في الكتابة فاقت مهارات القراءة لديهم، فهي لم تخلف المعرفة لهذه الأمة، بقدر ما جلبت الحسد وربما الأحقاد.
وتبقى حكاية الأمير الفارسي، الذي كان يصطحب مكتبته المؤلفة من 117000 كتاب على ظهر قافلة من الجمال مصنفة بحسب الأحرف الأبجدية، كأبدع علاقة مع القراءة وأخلصها، إنما هل تراها كذلك، مقارنة بشغف القراءة لدى آلبرتو مانغويل عبر تاريخ القراءة؟! لعلها. وإذن فلتكن فاكهة الختام.
وكل عيد وأنتم تتمتعون بما تحبون.

ارسال التعليق

Top