نعيش اللحظات الأخيرة والأيام المباركة من شهر المغفرة والرحمة والعتق من النار، فينظر الله إلى تنافسكم فيه، ويباهي بكم ملائكته، عسى أن تنالوا خير ليلة القدر.
والسؤال الذي يخالج النفوس في نهاية شهر رمضان: كيف يتغير المسلم؟ كيف تتغير المسلمة؟ لماذا يطرح هذا السؤال؟ ما السر الذي يتميز به رمضان عن غيره؟ ولماذا نطالب بالتغيير في كل عام؟ هل هذا يعني أننا مقصرون في حق الله تعالى؟ نجد الإجابة واضحة في قوله تعالى: (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ) (البقرة/ 185)، إذاً سر التغيير يتميز في هذا الشهر عن غيره كونه هداية للناس إلى الحق، ويمكن للمسلم والمسلمة أن يميزا بين الطيب والخبيث، والحق والباطل، والخير والشر، من خلال الإرشادات القرآنية والدلالات النبوية الشريفة.
ولكن هل يمكن أن يكون شهر رمضان تغييراً للإنسان من غير أن يفعل الإنسان شيئاً، والقاعدة الربانية تقول في قوله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ) (الرعد/ 11)، وقال تعالى: (ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) (الأنفال/ 53)، وعقل الإنسان يقول: إن لم تفعل شيئاً فلن يتحسن شيء، كل هذا يدعو المسلم للعمل المتواصل وتقديم التضحيات من أجل الوصول إلى الهدف المنشود.
كما أن التغيير يحتاج إلى رجال عقلاء لهم همم عالية، لا يؤثر فيها الواقع المرير، ولا يركنون إلى الحال الرديئة، ولذلك تحتاج عملية التغيير إلى نية صافية، ورغبة صادقة، ومعرفة واضحة، وتنفيذ دقيق، وعزيمة قوية، وإصرار وتصميم، وما عليك بعد ذلك إلا أن تترك الأمور لباريها سبحانه وتعالى، يغير شخصيتك، ويرتقي بها نحو المعالي والفوز بالدرجات العلا من الجنة، ومن الأمور التي ندعو إليها في هذا الشهر المبارك:
1- تجديد الإيمان بقول: "لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله"، وتحديث التوبة الصادقة، والإقلاع السريع عن جميع الذنوب والمعاصي، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأنْهَارُ يَوْمَ لا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (التحريم/ 8).
2- تصفية القلوب وتنقية الضمائر من الأحقاد والعدوات والضغائن والأحساد، فسلامة الصدر باب من أبواب الجنة، قال الله تعالى: (وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ * لا يَمَسُّهُمْ فِيهَا نَصَبٌ وَمَا هُمْ مِنْهَا بِمُخْرَجِينَ) (الحجر/ 47-48).
3- تطهير النفس من فاحش الأقوال والأفعال، لقوله (ص): "إذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب، فإن سابه أحد أو قاتله فليقل: إني صائم" (رواه البخاري ومسلم).
4- الحرص على كسب المال الحلال وتطهير الأموال من الحرام، فإن الله طيب لا يقبل إلا طيباً، وقال الله تعالى: (يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ) (البقرة/ 276).
5- تعويد النفس على الالتزام بالصلوات الخمس جماعة في بيوت الله تعالى، فعن أبي هريرة رضي الله قال: قال رسول الله (ص): "صلاة الرجل في الجماعة تضعف على صلاته في بيته وفي سوقه خمسة وعشرين ضعفاً، وذلك أنه إذا توضأ فأحسن الوضوء ثم خرج إلى المسجد لا يخرجه إلا الصلاة، لم يخط خطوة إلا رفعت له بها درجة وحطّ عنه بها خطيئة، فإذا صلى لم تزل الملائكة تصلي عليه ما دام في مصلاه؛ اللهم صلّ عليه، اللهم ارحمه، ولا يزال أحدكم في صلاة ما انتظر الصلاة" (رواه البخاري).
6- تحدي النفس في ترك العادات السيئة كشرب الدخال والسهر بالليل لغير حاجة، والنوم بالنهار، والتخلص من العادات المقززة للنفس البشرية من إلقاء القاذورات والأوساخ في الشوارع، والبصق في الطرقات، قال الله تعالى: (وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ) (الأعراف/ 157).
7- التزام الفتاة البالغة الحشمة والحجاب ولبس الجلباب، أي العباءة الواسعة الفضفاضة، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا) (الأحزاب/ 59).
8- التخلص من عادة السخرية والاستهزاء والنظر إلى الآخرين نظرة دُون واحتقار، فلا تدري لعل من تسخر منه قدً يكون خيراً منك، قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَومٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلا تَنَابَزُوا بِالألْقَابِ بِئْسَ الاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الإيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) (الحجرات/ 11).
9- العزيمة على عدم تضييع الأوقات فيما لا ينفع ولا يفيد استجابة لقوله تعالى: (أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ) (المؤمنون/ 115).
10- تربية النفس على غض البصر عن محارم الله، وعدم انتهاك حدود الله تعالى، التزاماً لقوله تعالى: (قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ * وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ) (النور/ 30-31).
ارسال التعليق