ليلة القدر ليلة يُستحبُّ إحياؤها حتى مطلع الفجر بالأعمال الخاصة والعامة الواردة وبالإكثار من الصلاة والاستغفار والدعاء لمطالب الدنيا والآخرة، والدعاء للوالدين والأقارب والإخوان المؤمنين والصلاة على النبيّ وآله، فقد ورد في الحديث عن الإمام الباقر (ع): "مَن أحيا ليلة القدر غُفرت له ذنوبه ولو كانت عدد نجوم السماء ومثاقيل الجبال ومكاييل البحار". وأمّا ما يُستحبُّ الدعاء به فقد رُوي أنّ النبيّ قيل له: "ماذا أسأل الله تعالى إذا أدركت ليلة القدر"؟ قال: "العافية".
وتعمدت النصوص إبقاء هذه الليلة مرددة بين ثلاث ليالٍ، وقد سُئل أبو جعفر (ع) في عدّة أحاديث عن ليلة القدر، أيّ الليلتين هي؟ فلم يعيّن، بل قال: "ما أيسر ليلتين فيما تطلب، أو قال ما عليك أن تفعل خيراً من ليلتين". وقد ورد في سرّ خفائها أنّه تعالى أخفى هذه الليلة لوجوه:
أحدها: أنّه تعالى أخفاها، كما أخفى سائر الأشياء، فإنّه أخفى رضاه في الطاعات، حتى يرغبوا في الكلّ، وأخفى الإجابة في الدعاء ليبالغوا في كلّ الدعوات، وأخفى الاسم الأعظم ليعظّموا كلّ الأسماء، وأخفى في الصلاة الوسطى ليحافظوا على الكلّ، وأخفى قبول التوبة ليواظب المكلّف على جميع أقسام التوبة، وأخفى وقت الموت ليخاف المكلّف، فكذا أخفى هذه الليلة ليعظِّموا جميع ليالي رمضان.
ثانيها: كأنّه تعالى يقول: لو عيّنت ليلة القدر، وأنا عالم بتجاسركم على المعصية، فربما دعتك الشهوة في تلك الليلة إلى المعصية، فوقعت في الذنب، فكانت معصيتك مع علمك أشدّ من معصيتك لا مع علمك، فلهذا السبب أخفيتها عليك. رُوي أنّه (ع) دخل المسجد فرأى نائماً، فقال: "يا عليّ نبهه ليتوضّأ، فأيقظه عليّ، ثمّ قال عليّ: يا رسول الله إنك سبّاق إلى الخيرات، فلِمَ لم تنبهه؟ قال: لأنّ ردّه عليك ليس بكفر، ففعلت ذلك لتخفَّ جنايته لو أبى". فإذا كان هذا رحمة الرسول، فقس عليه رحمة الربّ تعالى، فكأنّه تعالى يقول: إذا علمت ليلة القدر فإن أطعت فيها اكتسبت ثواب ألف شهر، وإن عصيت فيها اكتسب عقاب ألف شهر، ودفع العقاب أولى من جلب الثواب.
ثالثها: أني أخفيت هذه الليلة حتى يجتهد المكلّف في طلبها، فيكتسب ثواب الاجتهاد.
رابعها: أنّ العبد إذا لم يتيقّن ليلة القدر، فإنّه يجتهد في الطاعة في جميع ليالي رمضان، على رجاء أنّه ربما كانت هذه الليلة هي ليلة القدر، فيباهي الله تعالى بهم ملائكته، يقول: "كنتم تقولون فيهم يفسدون ويسفكون الدماء".
فضائل ليلة القدر:
- ليلة مباركة: قال تعالى: (إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ) (الدخان/ 3).
- مضاعفة الثواب: قال تعالى: (لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ) (القدر/ 3). وقد ذكرت النصوص أنّ العمل في هذه الليلة له أجر وثواب العمل في ألف شهر.
- نزول القرآن: قال تعالى: (إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ) (القدر/ 1)، ولا يخفى أنّ إنزال القرآن في هذه الليلة إنما كان دفعةً واحدة على قلب رسول الله (ص).
- ليلة التقدير والإبرام: قال تعالى: (فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ) (الدخان/ 4). ففي هذه الليلة يطلع الله ملائكته على شؤون السنة كلّها من الأعمار والأرزاق والإبتلاءات وسوى ذلك، ولا يخفى أنّ تقدير الله لا يحدث في تلك الليلة، فإنّه تعالى قدر المقادير قبل أن يخلق السماوات والأرض في الأزل، بل المراد إظهار تلك الليلة المقادير للملائكة في تلك الليلة بأن يكتبها في اللوح المحفوظ.
- نزول الملائكة: قال تعالى: (تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ) (القدر/ 4).
- ليلة سلام ورحمة: قال تعالى: (سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ) (القدر/ 5).
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق