أسرة
من الواضح أنّ رسالة الأنبياء الكبرى ودعوتهم الجامعة هي (الدِّين). فهم جميعاً بُعِثوا ليبشّروا به ديناً واحداً هو دين الإسلام، دين الخضوع والاستسلام لأمر الله، دين الهداية والإنقاذ للبشرية مع تفاوت في درجات التبليغ، واختلاف في منهج التعبّد والبناء الاجتماعي. ومع هذا التفاوت في الرسالات والدعوات الإلهيّة، فإنّ معالمهما الرئيسة جميعاً تتركّز في الرسالة الشاملة لهذا الدين، رسالة محمّد (ص).
فهي جميعاً قبس من أنوار هذا الدين، وتشكيلة عقائدية، وتشريعية من مادّة هذا المنهاج الكبير، وهي جميعاً تُسلَك كخطوات تمهيدية، ومبادئ تحضيرية لإعداد البشرية من أجل حمل رسالة هذا الدين، والإيمان بدعوته.
لذا كان طبيعيّاً أن يوجّه الأنبياء – أصحاب الرسالات الكبرى، كموسى وعيسى (ع) – أتباعهم إلى انتظار هذا الدين العظيم، لاعتناق دعوته، والتصديق برسالته، والإيمان بنبيِّه محمد (ص). فقد أشارت الكتب الإلهيّة المقدّسة – التوراة والإنجيل – إلى مجيء هذا النبي العظيم، موجِّهة أتباعها إلى انتظار الدِّين، والانضواء تحت دعوته، والتصديق برسالته.
كان اليهود ينتظرون بعثة نبي، يبعثه الله مُنقِذاً وهادياً للبشرية، ويعرفونه في كتبهم وتباشير مستقبلهم.
وكانوا يصرّحون بذلك وينتظرون بعثته لينتصروا به على العرب من الأوس والخزرج.
وقد سجّل القرآن هذه الحقيقة وذكّر اليهود بها فخاطبهم بقوله:
(وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ) (البقرة/ 89).
ولقد حدثت أحداث ووقائع تاريخية مشهورة في التاريخ اليهودي من قبل مجيء محمد (ص)، دلّت على المعنى ذاته الذي أشارت إليه الآية الكريمة من بعد البعثة.
فقد ورد عن ابن عباس في تفسير هذه الآية قوله:
"كانت اليهود يستفتحون أي يستنصرون على الأوسع والخزرج برسول الله (ص) قبل مبعثه، فلّما بعثه الله من العرب ولم يكن من بني إسرائيل، كفروا به وجحدوا ما كانوا يقولون فيه، فقال لهم معاذ بن جبل، وبشر بن البراء بن معرور: يا معشر اليهود! اتّقوا الله وأسلموا فقد كنتم تستفتحون علينا بمحمّد، ونحن أهل الشرك وتصفونه وتذكرون أنّه مبعوث، فقال سلام بن مشكم، أخو بني النضير: ما جاءنا بشيء نعرفه، وما هو بالذي كنّا نذكر لكم، فأنزل الله تعالى هذه الآية".
ارسال التعليق