في أجواء ذكرى المولد:
لا نزال في ذكرى مولد رسول الله (ص) ننفتح على النبوّة في حركة الزمن كلّه من بعد رسول الله (ص) ونعيش آفاقها الواسعة التي تريد للإنسان أن يرتفع ويسمو ويصفو وينمو وينطلق من أجل أن يحوّل الحياة كلّها إلى حياة تتنفس الروح والريحان، وتعيش الحقّ والعدل والقيم التي يكتشف فيها الإنسان إنسانيته. فهي نبوّة تختصر نفسها في أنها تؤنس الإنسان وتعمّق له إحساسه بإنسانيته في عقله فيكون إنسانياً في حركة الفكر، وفي قلبه فيكون إنسانياً في حركة العاطفة، وتفتح له إنسانيته في حركته لتكون حركة في خط الوصول إلى أهدافه الكبرى في الدنيا والآخرة.
لنولد في مولده (ص):
في مولد النبيّ (ص) نريد أن نولد كأمّة حتى تتفتح على مواقعها كلّها، لتتحسس مسؤوليتها في قضاياها الحيوية، ولتكون كما أرادها الله خير أُمّة أخرجت للناس. فالمسألة لا تتصل بقومية الأُمّة ولا بعدد أفرادها لكنها تتّصل برسالتها (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ) (آل عمران/ 110).
وإذا فهمنا أنّ المعروف هو كلّ عمل يرضاه الله ويحبّه ويرفع مستوى الإنسان، والمنكر هو كلّ عمل لا يرضاه الله ولا يحبّه وينزل بمستوى الإنسان، عرفنا معنى أن تكون الأُمّة خير أُمّة أخرجت للناس، لأنّ الأُمة التي تحمل الرسالة للإنسان كلّه وللحياة كلّها ولا تحدّد حركتها في دائرة ضيقة هي أمة لابدّ أن تكون خير الأُمم.
ضلال الأمس وضلال اليوم:
لذلك جاء رسول الله (ص) إلى ذلك الواقع الغارق في الضلال ليخرجه من الظلمات إلى النور، وهذا ما ذكره الله تعالى في (سورة الجمعة) (هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأمِّيِّينَ رَسُولا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ) (الجمعة/ 2). فلقد كان الضلال آنذاك في المفاهيم، وفي العقيدة وفي العبادة وفي العلاقات، وفي المفردات الأخرى التي كان يعيشها الناس في الجاهلية.
وجاء رسول الله (ص) بعد أربعين سنة من ولادته، وبعد أن أكمل الله له عقله وقلبه وروحه ووعيه وجعله الإنسان المعصوم الذي يحمل الرسالة بعمقها وحيويتها وإنسانيتها وحكمتها وامتدادها كلّه في عقله وقلبه وروح.. جاء (ص) إلى النبوّة إنساناً تتمثل فيه معاني الإنسان كلّها، وأخذ الله سبحانه وتعالى بعدما بعثه رسولاً يعلّمه التفاصيل، فلقد ألهمه أوّلاً الخطوط العامّة وربّاه على معنى الروح في امتداده إلى الله والناس والحياة، فكان روحاً تتجسّد.
صدقة وأمانته:
وكان (ص) الصادق الأمين، وكان الناس يرون فيه الصدق كأفضل ما يكون الصدق، والأمانة كأفضل ما تكون الأمانة حتى غلب ذلك على اسمه فكانوا يقولون جاء الصادق الأمين. والسؤال الذي يطرح هنا: لماذا أراد الله له أن يكون صدقاً كلّه وأمانة كلّه؟ ماذاك إلّا لأنّ الصدق والأمانة تجمعان الرسالة كلّها. فالصدق يمثل الانفتاح على الحقّ لأنّ الكذب باطل، ومن هنا فمن يكون صادقاً لا يمكن أن يكذب على الله ولا على الناس ولا على الحياة.
ولذلك كان (ص) صادق العقل، فلا يتحرّك عقله إلّا في مواضع الصدق، وكان صادق القلب فلا ينفتح قلبه إلا على صدق العاطفة المعمّقة التي ترتكز على أساس متين. وكان صادق الموقف والكلمة، وفي ذلك كلّه كان صادق الدعوة والرسالة.
أمّا الأمانة، فأن يكون الرسول أميناً يعني أن يكون أميناً على رسالة الله وعلى مسؤوليته في الدعوة إلى الله وفي رعاية شؤون الناس وأمورهم كلّها، وأن يكون أميناً على الحياة كلّها.
وخلاصة التشريع الإسلامي هي أنّ الله أراد في كلّ حكم شرعي أن يمثل الإنسان الأمانة على نفسه فلا يبتعد بها عمّا يصلحها ولا يقترب بها مما يفسدها، وأن يكون أميناً على الناس فلا يحكم عليهم إلا بالعدل ولا يتحرّك معهم إلا بالحقّ، وأن يكون أميناً على الحياة ليرفعها وليفتح آفاقها على كلّ خير.
المعرفة في التفاصيل:
ولقد عرّفنا الله تعالى في كتابه الكريم أنّ النبي (ص) كان لا يعرف التفاصيل، كما في قوله تعالى: (وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ) (العنكبوت/ 48). فأنت – أيّها الرسول – لم تقرأ كتاباً لتكوّن ثقافتك من الكتاب، ولم تكتب كتاباً لتنقل ما تريده من هذا المصدر وذاك المرجع، بل جئت بأعظم ما قرأه الناس من كتاب، وبأوسع ما عرفوه من شريعة، ولذلك كانت معجزة النبيّ (ص) الأولى هي الإسلام والرسالة التي امتلأ بها عقله وقلبه وتحرّكت في حياته كلّها، وقد كان الأميّ لا عن جهل بل عن حكمة إلهية في ذلك.
وقال الله تعالى عنه: (مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلا الإيمَانُ). وقال عزّ وجلّ (وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ) (الشورى/ 52). في تفاصيله كلّها (وَلا الإيمانُ) بمفرداته كلّها، (وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) (الشورى/ 52).
وكان (ص) يخاطب قومه وهم الشهود على تأريخه كلّه، فيقول: (قُلْ لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَلا أَدْرَاكُمْ بِهِ) (يونس/ 16). فلقد تلوته عليكم لأنّ الله شاء ذلك بما أوحى به إليّ وقد عرفتموه لأنّ الله أراد أن يدريكم به، والشاهد هنا (فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُرًا مِنْ قَبْلِهِ) (يونس/ 16). ولم تسمعوا مني آية ولم تعرفوا مني مضمونها لأنّ الله تعالى لم يأذن بذلك ولم يكن قد عرّفني ذلك بعد. (أَفَلا تَعْقِلُونَ) (يونس/ 16).
ونستطيع – أيّها الأحبة – أن نعتبر هذه الآيات التي تلاها الرسول (ص) على الناس الذين عايشوه ولم يرتفع منهم صوت واحد يقول لقد رأيناك تقرأ، أو رأيناك تكتب، حجّة تأريخية على مضمون هذه الآيات، بالإضافة إلى حجّة ما نعتقده من أنّ القرآن كلام الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.
ولذلك سقطت كلمتهم التي ذكرها القرآن (وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ) (النحل/ 103). وقولهم في القرآن (وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الأوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلا) (الفرقان/ 5). لقد سقطت كلماتهم تلك لأنّهم كانوا يعرفون أن هذه المقولة أو تلك لا تنطلق من واقع تأريخي لأنّ تاريخ الرسول قبل البعثة كان على خلاف ما يقولون.
التدرّج تثبيت للفؤاد:
وانطلق النبيّ (ص) بالرسالة، ويمكننا أن نفهم من قوله تعالى: (هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأمِّيِّينَ رَسُولا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ) (الجمعة/ 2). أنّه (ص) كان يجمع هذه الأدوار كلّها منذ أوّل يوم بعث فيه، ولكن الله أراد أن يثبّت فؤاده بأن يواكب حركته في الدعوة والتحديات والحرب والسلم والتعليم والتقنين على حسب ما كانت تحتاجه الرسالة من كلّ هذا التدرّج الذي ينطلق من طبيعة الأمور، لأنّ بعضها يتوقف على ما يسبقه من أمور أخرى. ولهذا نزل القرآن نجوماً، ولعلّ عظمة القرآن – أيّها الأحبة – أنّه كان الكتاب الإلهي الحركي الذي واكب الحركة الإسلامية موقفاً بموقف ومنعطفاً بمنعطف ومشكلة بمشكلة.
فلقد كان المسلمون يعيشون مشكلة ما وتتفاعل فيهم المشكلة ويريدون من الرسول (ص) أن يحلّها، وكان (ص) يريد أن يركّز فيهم معنى الرسول الذي يتّبع الله في وحيه، فكان يقول: إني أنتظر أمر ربي!! وتنزل الآية التي تعالج المشكلة التي تفاعلت وراح الناس يبحثون عن حلّها حتى تتعمّق في نفوسهم.
ورأينا أيضاً كيف أنّ القرآن يلاحق المسلمين عندما يدخلون حرباً كما في (معركة بدر) وكيف يتحدث عن نقاط ضعف المسلمين، ومن هم المسلمون يومذاك؟ إنهم البدريون. (كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ * يُجَادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ بَعْدَمَا تَبَيَّنَ كَأَنَّمَا يُسَاقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنْظُرُونَ * وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ) (الأنفال/ 5-7).
الحديث عن نقاط الضعف:
وهذه هي عظمة الإسلام وعظمة القيادة الإسلاميّة، فهي لم تكن تخاف الحديث عن نقاط الضعف في مجتمعها، وبذلك استطاعت أن تجعل المجتمع ينفتح على نقاط ضعفه من أجل أن يصلح هذه النقاط، وكذلك هي عظمة المسلمين – كما علّمهم القرآن – في أن يتحدثوا عن نقاط ضعفهم ثمّ عن نقاط قوتهم، كما نستوحي ذلك من (غزوة أحد) حيث تتحدث (سورة آل عمران) في الكثير من آياتها عن الحالة التي انتصر فيها المسلمون والأخرى التي انهزموا فيها، وأشارت صراحة إلى نقاط الضعف التي عاشها المسلمون في (أحد) ووجهتهم إلى الابتعاد عن هذه النقطة وتلك. وكذا الأمر عندما نقرأ (سورة الأحزاب) حيث نجد أنها تحدثت بصراحة تامة عن هذا الزلزال الذي عاشه المسلمون (إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الأبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا * هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالا شَدِيدًا * وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلا غُرُورًا) (الأحزاب/ 10-12).
وفي المحصلة، فإنّ القرآن كان ينزل ليعطي المؤمنين الصورة عن واقعهم بما فيه من نقاط الضعف ونقاط القوّة، ليوجههم بعد ذلك كيف يستقيمون، وكيف يعدلون، وكيف ينفتحون على القوة، وما ناظر ذلك. وهذا ما يجب أن ندرسه في القرآن الكريم حتى نتعلّم من ذلك لاسيّما ونحن نعيش الأزمات تلو الأزمات والتحديات تلو التحديات، ونتحرّك في أرض سياسية واقتصادية واجتماعية وأمنية تهتزّ تحت أقدامنا. فنحن بحاجة إلى أن نكون المجتمع الذي يستهدي القرآن في الاعتراف بنقاط ضعفه بشجاعة والانفتاح على نقاط قوّته بواقعية.
محاسبة القيادات:
كما أنّ علينا – أيّها الأحبّة – أن نتعلّم كيف نحاسب القيادات على أعمالها كلّها، فالقائد لا يملك نفسه في أي موقع من مواقع القيادة سواء كانت القيادة دينية أو سياسية أو اجتماعية أو أمنية، فالقيادة مسؤولة أمام الناس الذين تقودهم بعد أن تكون مسؤولة أمام الله تعالى، ومن حقّ الناس أن يسألوها عن تصرفاتها ومواقفها كلّها، فهي – أي القيادة – ليست امتيازاً شخصياً للقائد ولا تشريفاً له ولا موقعاً اجتماعياً ينفتح به ولكنها مسؤولية أمام الناس، وعليه أن يقدّم حسابه للناس. ونتعلّم ذلك من الآيات والأحاديث التي تريدنا أن نتحدث بصراحة مع القيادة أيّة قيادة صغيرةً كانت أو كبيرة، والله تعالى يحدّثنا كيف أنّ بعض القيادات تخدع الناس في البداية فإذا وصلت إلى ما تريد من خلال التفاف الناس حولها نسيت ذلك كلّه (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ * وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْفَسَادَ * وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالإثْمِ) (البقرة/ 204-206). إنّ منطق أحدهم إذا آخذته بشيء: من أنتم حتى تقولون لي اتق الله فأنا الذي أعظ الناس فكيف تعظونني؟!
إنّ كثيراً من القادة يرى نفسه فوق أن يوعظ وأعظم من أن ينصح أو يناقش أو يحاور، لأنّه يعتبر أنّ كلمته هي الكلمة العليا التي لا كلمة فوقها (وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالإثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ) (البقرة/ 206).
خط الرسول (ص):
أيّها الأحبّة: هذا هو الخط الذي انطلق به رسول الله (ص) وعلينا كمسلمين نؤمن بالله وكتابه ورسوله أن نقرأ القرآن قراءة حركية، ولا أقصد بالحركية الحزبية وإنما أن نقرأ القرآن في حركة الواقع لأنّه كان يتحرك في شوارع مكة والمدينة وفي بدر وأحد وحنين والأحزاب، وكان يلاحق المسلمين في واقعهم بل حتى في القضايا الخاصة (قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ) (المجادلة/ 1). وكان يرصد كلّ شيء، ونحن نعرف أنّ القرآن ليس كتاباً يتحدث عن تأريخ محصور في منطقة معيّنة بل إنّه كان يتحدث عن نماذج لابدّ لنا أن ننفتح من خلالها على ما يماثلها في الواقع، لأنّ القرآن هو كتاب الحياة وليس كتاب مرحلة معينة، وهذا ما جاء عن الإمام الباقر (ع): "لو أنّ القرآن نزل في قوم وبقي فيهم لمات ولكنه يجري مجرى الليل والنهار والشمس والقمر". فكما تتجدد الليالي والأيّام وحركة الشمس والقمر في انفتاحها على الأرض والناس، كذلك يتجدّد القرآن فنستطيع أن نأخذ من نموذج أهل بدر كلّ ما يماثله في مدى التأريخ، وهكذا الأمر في درس أحد وحنين والأحزاب وسواها من غزوات النبيّ (ص) وعلاقاته ومعاملاته وقضائه وغير ذلك.
الحاجة إلى ولادة جديدة:
وكما قلت في البداية، فنحن بحاجة إلى ولادة جديدة لأنّ الإسلام مات في نفوسنا، وأصبح شيئاً تقليدياً، وأصبحنا نتحرك بفعل العادة، فنحن نعتاد الصلاة فنصلّي من دون روح، ونعتاد الصوم فنصوم من دون تقوى، ونعتاد الحج فنحجّ من دون انفتاح على معانيه، ومات القرآن فينا بحيث أصبحنا نقرأه للبركة وللثواب ولا نقرأه للوعي، والله يقول: (أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا) (محمّد/ 24).. إفتح قلبك.. والقلب في المفهوم القرآني هو المنطقة الداخلية من جسم الإنسان، هو عقلك وقلبك وإحساسك وشعورك، وعندما تقرأ القرآن افتح ذلك كلّه، ليكن عقلك مفتوحاً وقلبك مفتوحاً وإحساسك مفتوحاً ووعيك للحياة وللواقع مفتوحاً حتى تفهم القرآن، وأن لا تقرأه مجرد كلمات بل علينا أن نتدبره ونعمل به وأن نتفاءل به في حركة الحياة ووعي الواقع ومواجهة التحديات.
(الضَلال المثقّف):
أيها الأحبة: ولد النبيّ (ص) في مرحلة كان الضلال فيها يغمر الواقع كلّه، ونحن الآن نعيش في عصر ينفتح فيه الضلال المثقف والكفر المثقف والاستكبار المثقف على الواقع ليحارب الإسلام والمسلمين في ثقافتهم، لذلك نحتاج إلى إيمان مثقف وحركة مثقفة ووعي مثقف، ونحتاج إلى أن نواجه الثقافة بثقافة والقوة بقوة.
لنولد كأمّة:
أيّها الأحبّة: أصبحنا نفكّر كأفراد ولا نفكّر كأُمّة، ونعمل على أن يقول كلّ واحد منا اللّهمّ استر عليّ وعلى عيالي ومالنا والدخول بين السلاطين.. والله تعالى يقول: (وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) (آل عمران/ 104). ويقول: (وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأمُورِ) (لقمان/ 17). (إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ) (الزّمر/ 10). ونحن بحاجة إلى أن نصبر على كثير من البلاء.. أن نصبر صبر العاملين الذين يخطّطون ويحاولون أن ينفذوا الخطة على مراحل..
القوم يخططون وعلينا أن نخطّط.. والقوم يفكّرون وعلينا أن نفكّر وان نعيش كأُمّة تهتم بقضاياها كلّها.. "من سمع رجلاً ينادي يا للمسلمين فلم يجبه فليس بمسلم، ومن أصبح لا يهتم بأمور المسلمين فليس بمسلم".
أيها الأحبة: في مولد الرسول (ص) علينا أن نولد كأُمّة حتى نستطيع أن نقف بين الأُمم في العالم، وذلك هو معنى ذكرى المولد.►
المصدر: كتاب الندوة
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق