• ١٨ نيسان/أبريل ٢٠٢٤ | ٩ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

حب الوطن من الإيمان

عمار كاظم

حب الوطن من الإيمان

كلمة مأثورة حكيمة، جارية على ألسنة عامة الناس وخاصتهم من عقلاء ومفكرين، وحكماء ومثقفين، وهي بالنسبة للإنسان ذات معنى كبير، ومغزى عميق. ذلك أنّها تعني أوّلاً الوطن الذي ولد فيه آباء المرء وأجداده، وينتسبون إليه وينتمون أباً عن جد، ويرتبطون بأرضه ارتباط الولاء والإخلاص والوفاء له، والتعلق به والجهاد في سبيله، والتضحية من أجله بكلّ نفيس وثمين طيلة قرون وأجيال. إنّ "حب الوطن من الإيمان"، وكانت هذه العبارة المأثورة الحكيمة كلمة صدق وحقّ في مبناها ومعناها، فهي كلمة حقّ في نطقها ومضمونها، لأنّ الوطن أرض للتوحيد والإيمان، ومجال لصالح الأعمال، فحبه هو في الحقيقة والعمق، ولأخلاقه وقيمه المثلى، وفضائله ومثله العليا. وهو حب فطري في قلب كلّ إنسان سوي، ومتجذر في أعماق نفس كلّ مؤمن غيور أبيّ، ينشأ عليه ويتربى منذ نعومة أظفاره كلّ مَن يتمتع بفطرة سليمة نقية، وينعم بسريرة طيبة، وروح صافية مستنيرة. ولعلّ المرء يجد أثراً وسنداً لهذا الحب الفطري المتأصل فيه نحو وطنه، والكامن في أعماق نفسه نحو بلد آبائه وأجداده في حياة الرسول (ص)، وحياة صحابته الكرام، حين هجرتهم إلى المدينة المنورة، وإحساسهم فيها بشيء من الشوق والحنين إلى بلدهم الأول مكّة المكرمة، فكان (ص) يدعو الله أن يحبب إليهم المدينة ويقول: "اللهم حبب إلينا المدينة كما حببت إلينا مكّة، وبارك لنا في صاعها ومدها". فالوطن هو مكان ولادتك، المكان الذي تربيت ونشأت فيه، فعشت الطفولة والشباب، وقضيت العمر فيه بين جدرانه وأشجاره وربوعه فهو بمثابة البيت الكبير، بيت العائلة، كلمة صغيرة تحمل معاني كبيرة، والوطنية هي الانتماء للوطن، والمحافظة عليه، وعدم نكران لخيره علينا والولاء له والمحافظة على أرضه ومقدراته. أهمية الوطن للإنسان عظيمة فهو المرآة التي تعكس صورتنا أمام العالم، وإليه يكون انتمائنا له، فهو الحامي لنا فهو المأوى والتراث والحضارة، فهو بمثابة القلب والوريد والشريان للحياة. كما أنّ الحب السائد بين الأفراد دون تفرقة بين عرق ولون وعقيدة هو السبيل إلى ارتقاء الوطن والمحافظة عليه من الأعداء، فبالوحدة والقلب الواحد والمودة بين أبناء الوطن تكون قوة هذا الوطن. كما إنّ الوطن هو الحضن الدافئ لكلّ إنسان فهو المكان الذي خلقنا بداخله وتفتّحت أعيُنّنا برؤية جماله وامتلأت قلوبنا بحبّه، الوطن أغلى من أيّ شيء في هذه الحياة، في الوطن الحبيب كبرنا وترعرعنا، و أدركنا أنّ الوطن ليس له سعر ولا يُباع، تثقفنا منذ أن بدأنا نتلقّى العلم على حب الوطن والحفاظ عليه، وتزيينه وتطويره، فالوطن هو كلمة صغيرة في الأحرف ولكنّها كبيرة المعاني. ويعتبر حب الوطن رمزاً وفخراً واعتزازاً؛ لذلك يجب علينا أن ندافع عنه ونحميه بكلّ قوّة، وأن نحفظه كما يحفظنا، وأن نقدّره لتوفيره الأمن لنا، فلهذا الوطن حقوق يجب على كلّ فرد أن يلتزم بها ما دام يعيش فيه، ويأكل ويشرب من خيراته، ومن هذه الحقوق: المحافظة عليه، وحمايته من كلّ شرّ، والارتقاء به إلى أعلى المراتب، والمحافظة على نظافته، وحماية ممتلكاته العامّة، وأن نفديه بأرواحنا في حال تعرّض لأيّ خطر. ومن واجب كلّ فرد على هذه الأرض أن يحافظ على الوطن ويحميه، وأن يعدّ له الجيل القوي المتين، عن طريق إعداد الشباب، وتدريبهم، وتعليمهم؛ فهم الحامي الأوّل والراعي له. وبالإضافة إلى ذلك فإنّ للوطن حقوقاً على الآباء والأمّهات؛ حيث يتوجّب عليهم أن يعلّموا أبناءهم حب الوطن، وأن يغرسوا في قلوبهم القيم والمبادئ التي عليهم اتّباعها، ويجب أن يحرصوا على بناء أولاد أقوياء أصحّاء، جاهزين لخدمة الوطن في أيّ وقت كان. والدفاع عن الوطن والتأهّب المستمر نابع من حب الوطن والتضحية من أجله بالدماء والأرواح. فلا يمكن التهاون اتجاه هذه المسؤولية، فيجب التضحية بكلّ ما نملك من أجل الوطن، فهو تاريخنا، وحاضرنا، ومستقبلنا الذي سيصنع أمجادنا، ويسطّرها على مرّ الزمان.

ارسال التعليق

Top