• ٢٩ آذار/مارس ٢٠٢٤ | ١٩ رمضان ١٤٤٥ هـ
البلاغ

مكارم أخلاق فاطمة الزهراء (ع)

عمار كاظم

مكارم أخلاق فاطمة الزهراء (ع)

كانت فاطمة (ع) كريمة الخليقة، شريفة الملكة، نبيلة النفس، جليلة الحس، سريعة الفهم، غرّاء المكارم، جريئة الصدر، رابطة الجأش، نائية عن مذاهب العجب، لا يُحدِّدها مادّي الخيلاء، ولا يثني أعطافها الزهو والكبرياء. لقد كانت ذات رحابة صدر، وسعة أناة، ووقار وسكينة، ورفق ورزانة، وعفّة وصيانة. كان لا يجري لسانها بغير الحقّ، كما لا تنطق إلّا بالصدق. لا تذكر أحداً بسُوء، فلا غيبة ولا نميمة، ولا همز ولا لمز، تحفظ السر، وتفي بالوعد، وتصدق النصح، وتقبل العذر، وتتجاوز عن الإساءة، وكثيراً ما أقالت العثرة، وتلقّت الإساءة بالحلم والصفح. لقد كانت عَزوفاً عن الشرّ، ميّالة إلى الخير، أمينة، صدوقاً في قولها، صادقة في ذاتها ووفائها، وكانت في الذروة العالية من العفاف. لا يميل بها هواها، لأنّها من أهل بيت الرسالة، الذين أذهب الله عنهم الرِّجس وطهَّرهم تطهيراً. وكانت إذا كلَّمَت إنساناً، أو خطبت في الرجال، يكون بينها وبينهم ستر، يحجبها عنهم عفّةً وصيانةً. وكانت قانعة بحالها، موقنة بأنّ الحرص يُفرِّق القلب ويُشتِّت الأمر، مستمسكة بما قاله لها أبوها: "يا فاطمة اصبري على مرارة الدنيا، لتفوزي بنعيم الأبد". فكانت راضية بالعسير من العيش، صابرة على شظف الحياة، قانعة باليسير من الحلال، راضيةً مرضيّة، لا تطمح إلى ما لغيرها، ولا تستشرف ببصرها إلى ما ليس من حقّها، وما كانت تتنزّل إلى سؤال غير الله تعالى، فهي غنيّة بنفسها كما قال أبوها (ص): "إنّما الغنى غنى النفس". إنّها السيِّدة (البتول) التي انقطعت إلى الله تعالى عن دُنياها، وعزفت عن زخارفها وغرورها، وعرفت آفاتها، وصبرت على أداء مسؤولياتها، وهي تعاني شظف العيش، ولسانها رطب بذكر مولاها. لقد كان همُّ الزهراء (ع) الآخرة، فلم تحفل بمباهج الدنيا، وهي ترى إعراض أبيها (ص) عن الدنيا وما فيها من متع ولذائذ وشهوات. وعُرِف عنها عظيم صبرها على البلاء، وكبير شكرها عند الرخاء، ورضاها بواقع القضاء حتى روت عن أبيها (ص): "إنّ الله إذا أحبَّ عبداً ابتلاه، فإن صبر اجتباه، وإن رضي اصطفاه". لمست الزهراء (ع) من أبيها حبّه ومودّته وحنانه وشفقته، فكانت نِعم البرّة به (ص): أخلصت له في حبّها وولائها ووفائها له، فآثرته على نفسها. وكانت تتولّى تدبير بيت أبيها (ص)، وتقوم بإدارته، فتنجز ما يصلحه، وتبعث فيه الهدوء والراحة له. كما كانت تُسارع إلى كلّ ما يرضي أباها رسول الله (ص): تسكب له الماء ليغتسل، وتُهيِّئ له طعامه، وتغسل ثيابه، فضلاً عن اشتراكها مع النساء في حمل الطعام والشراب، وسقاية الجرحى ومداواتهم. وفي غزوة أُحُد، داوَتْ جراح أبيها حينما رأت أنّ الدم لا ينقطع، إذ أخذت قطعة حصير، فأحرقته حتى صار رماداً، ثمّ ذرّته على الجرح، فاستمسك الدم. وجاءته في حفر الخندق بكسرة من خبز، فرفعتها إليه، فقال: "ما هذه يا فاطمة؟ قالت: من قرص اختبزته لابنيّ، جئتك منه بهذه الكسرة. فقال: يا بنيّة، أما إنّها لأوّل طعام دخل فم أبيك منذ ثلاثة أيام". وقد استطاعت الزهراء (ع) أن تملأ الفراغ العاطفي، الذي عاشه الرسول (ص) بعد فقده أبويه وزوجته الكريمة، خديجة الكبرى، في أقسى ظروف الدعوة والجهاد في سبيل الله. ومن هنا، نفهم مغزى ما تكرّر على لسانه (ص) من أنّ "فاطمة أُمُّ أبيها". كان يعاملها معاملة الأُم: يُقبِّل يدها، ويبدأ بزيارتها عند عودته إلى المدينة، كما كان يُودِّعها، وينطلق من عندها في كلّ رحلاته وغزواته، فكان يتزوَّد من هذا المنبع الصافي عاطفةً وبركةً لسفره ورحلته. كما كان يكثر التردُّد عليها، فتقابله فاطمة (ع) كما تقابل الأُم ولدها، فترعاه وتحتضنه وتُخفِّف آلامه، كما كانت تخدمه وتطيعه.

ارسال التعليق

Top