• ٢٠ تشرين ثاني/نوفمبر ٢٠٢٤ | ١٨ جمادى الأولى ١٤٤٦ هـ
البلاغ

الإمام محمد بن علي الجواد(ع)

عمار كاظم

الإمام محمد بن علي الجواد(ع)

من أئمة أهل البيت (عليهم السلام) الإمام محمد بن علي الجواد (عليه السلام)، ونحن إذ نتحدّث عن حياته(عليه السلام)، فلكي نتعلّم كيف نعيش الإسلام من خلال هذه الصفوة الطيّبة من أهل البيت (عليهم السلام)، وكيف نواجه حاضرنا من خلال الخطوط المضيئة في ماضينا، من أجل أن نصنع مستقبلنا جميعاً على أساس وحي الله وتعاليم رسوله(صلى الله عليه وآله وسلم) التي انطلق بها أئمة أهل البيت (عليهم السلام) الذين جسّدوا في كلماتهم وتعاليمهم وأعمالهم وسيرتهم كلَّ ما انطلق به الكتاب وما تحرّكت به السُّنّة.

انطلق الإمام الجواد(عليه السلام) يعيش مع أصحابه ومع الناس من حوله مسؤوليّة الإمامة في توجيه النّاس وفي تعويدهم على التسامح والانفتاح حتى مع الذين يختلفون معه في الرأي، لا سيما إذا كانوا من الأقرباء.. وقد كتب شخصٌ إليه وقال له: إنَّ أبي ناصب من النواصب خبيث الرأي يبغضكم ويسبُّكم ويعاديكم، وقد لقيت منه شِدّة وجهداً، فرأيك في الدعاء لي وما ترى ـ جُعلت فداك ـ أفترى أن أكاشفه أو أداريه؟ فكتب إليه الإمام الجواد(عليه السلام): «قد فهمت كتابك وما ذكرته من أمر أبيك، ولست أدع الدعاء لك إن شاء الله، والمداراة خيرٌ من المكاشفة ـ يعني ما دام أنَّه أبوك فحاول معه باللطف والحسنى ـ فلعله يميل إليك، وإلى ما أنت فيه بعد ذلك، ومع العُسر يسرٌ، فاصبر فإنَّ العاقبة للمتقين، ثبّتك الله على ولاية مَن تولّيت، نحن وأنتم في وديعة الله الذي لا تضيع ودائعه»، ويقول هذا الرجل إنَّ أباه بعد ذلك انفتح عليه وأصبح لا يخالفه في أيِّ شيء من أموره، وذلك بفضل دعاء الإمام وتوجيهه له.

وفي توجيهه (عليه السلام) لطبيعة الاستماع إلى الآخرين والانتباه جيداً إلى ما يقولون وما يطرحون من أفكار ومفاهيم ومبادىء، يقول(عليه السلام): «من أصغى إلى ناطق فقد عبده ـ فعندما تستغرق في كلام متكلّم بحيث تشدّ كل فكرك وقلبك إليه، فهذا نوع من العبادة ـ فإن كان الناطق يؤدي عن الله فقد عبد الله ـ فهو عندما يتحدث إليك عمّا قال الله ورسوله، فأنت تعبد الله بإصغائك إلى هذا الناطق، لأنك تنجذب إلى كلام الله ورسوله ـ وإن كان الناطق ينطق على لسان إبليس فقد عبد إبليس»، فيتحدث بالفتنة والجريمة والخطايا والشر، حتى يثير الناس ويوجّههم إلى ما لا يرضي الله.. لذلك، عندما تنجذبون إلى أيّ خطيب، فعليكم أن تعرفوا من يمثل هذا الخطيب؟ هل يمثّل كلام الله أو أنه يمثّل كلام الشيطان؟

وفي رواية عنه (عليه السلام) عن خصال المؤمن، يقول (عليه السلام): «المؤمن يحتاج إلى ثلاث خصال: توفيق من الله، وواعظ من نفسه ـ وذلك بأن يفيض عليه من ألطافه بما يفتح عقله، ويغني قلبه، ويأخذ به في خط الهداية، ليملك الوعي والاتزان والاستقامة، فيحاول أن يحاسب نفسه، ويفكر في ما مضى عليه من الزمان؛ هل ما مضى عليه خير أم شر؟ فإن كان خيراً فإنَّه يزداد منه، وإنْ كان شرّاً فإنَّه يُقلع عنه، ولا بدَّ لهذه المسألة من المزيد من الموضوعيّة العقلانية التي تدفعه إلى التمرّد على هواه، وإلى وعي الواقع المحيط به في حساب السلبيّات والإيجابيات على مستوى المصير ـ وقبول مَنْ ينصحه». هناك أناسٌ يأتون إليك لينصحوك في أمر دينك ودنياك، ويبيّنوا لك أخطاءك وليرشدوك إلى الصراط المستقيم، فعليك أن تقبل نصيحة مَنْ ينصحك وتعظ نفسَك بنفسك وتطلب التوفيق من الله.

حتى لا تكون عدوّاً لله

ثم يقول(عليه السلام): «لا تكن ولياً لله في العلانية وعدوّاً له في السرّ»، بحيث تكون أمام النّاس مؤمناً خيّراً تحمل «السبحة» بيدك وتسبِّح الله، ولكن إذا خلوت مع نفسك فإنك تصبح عدوّاً لله من خلال أعمالك التي لا يرضاها الله تعالى. ومن هنا، ينبغي للإنسان أن يكون الصادق في علاقته بالله، بحيث تلتقي علانيته بسرّه فلا تنفصل عنها، وذلك بالازدواجيّة بين السرّ والعلن، لأنَّ ذلك يوحي بفقدان التوازن ويؤدي به إلى خسارة المصير، لأنَّه يضع نفسه في دائرة النفاق، وهذا ما يجعله في موقع سخط الله الذي يعامل الناس على واقع أمورهم في الباطن الذي تتمثّل فيه حقيقة الشخصيّة.

وورد عنه (عليه السلام): «كفى بالمرء خيانةً أن يكون أميناً للخونة»، بحيث يدافع عنهم ويحفظ أسرارهم ويبرّر لهم خيانتهم.. فهذه من أعظم الخيانة، لأنَّه لا فرق بين من يخون وبين من يكون قوّة للخائن، لأنَّ الخيانة تتمثّل في الذهنية الخيانيّة التي تتجاوز السلوك الإنساني في نفسه إلى الامتداد في الواقع بمساعدة الخائنين.

ويعلّمنا الإمام (عليه السلام) عندما نتحرّك مع الزمن ألا ننسب الأشياء إلى الزمن، فقد جاء أحد الأشخاص إلى الإمام عندما تزوّج »أم الفضل« بنت المأمون فقال له: «يا مولاي، لقد عظمت علينا بركة هذا اليوم، فقال(عليه السلام): يا أبا هاشم، لقد عظمت بركة الله علينا فيه ـ فلا تنسب البركة إلى اليوم، فإنَّ اليوم لا يملك أن يؤخِّر أو يقدّم، ولكن إذا جاءتك البركات في أيِّ يومٍ وزمان فانسبها إلى الله تعالى، لأنَّه هو الذي يعطي ويمنع ـ فقال الرجل: نعم يا مولاي، فما نقول في اليوم؟ قال(عليه السلام): تقول فيه خيراً يصيبك»، عليك أن تتفاءل بالأيام، وليكن تفاؤلك من خلال ثقتك بالله تعالى الذي هو عند حُسن ظنِّ عبده المؤمن، فإذا ظنَّ به خيراً أعطاه الخير ثواباً منه لحسن ظنِّه به.

ارسال التعليق

Top