• ٢١ تشرين ثاني/نوفمبر ٢٠٢٤ | ١٩ جمادى الأولى ١٤٤٦ هـ
البلاغ

الوعي والانفتاح فی نهج الإمام الرّضا (ع)

عمار كاظم

الوعي والانفتاح فی نهج الإمام الرّضا (ع)

كانت حياة الإمام الثّامن من أئمَّة أهل البيت (عليهم السلام)، الإمام عليّ بن موسى الرّضا (عليه السلام)؛ مليئة بالعلم والمعرفة والحكمة والدراية. الجانب الثّقافيّ فيها، كان جانباً موسوعيّاً يتحرّك في أكثر من حقل من حقول المعرفة الإسلاميَّة، في العقيدة أو الشّريعة أو الأخلاق، أو في الواقع الّذي يعيشه النّاس. لقد استطاع الإمام (عليه السلام)، أن يملأ السّاحة الإسلاميّة علماً واسعاً عميقاً يواجه كلَّ القضايا الجديدة الَّتي طرحت في الواقع الإسلاميّ من قبل التيارات المضادّة، وهذا ما جعله يجلس مع كلّ الناس الَّذين يمثّلون مختلف التيارات الفكريّة، سواء كانوا من الملحدين أو من أهل الكتاب أو من ديانات أخرى غير الكتابيَّة.

وفي الجانب الأخلاقيّ، هناك بعض الأحاديث التي وردت عن الإمام الرضا (عليه السلام).. فعن الحسن بن الوشّاء، أنَّ الرضا (عليه السلام) قال: «من فرّج عن مؤمنٍ كربةً فرّج الله عن قلبه يوم القيامة»، من دفع عن أخيه سوءاً وأذىً وغمّاً وهمّاً، فإنَّ الله سبحانه وتعالى سوف يُدخل السرور على قلبه يوم الفزع الأكبر، لأنَّ الإنسان في ذلك اليوم يعيش الأهوال المرعبة، يقول تعالى: (يَومَ يفرُّ المرء من أخيه* وأمِّه وأبيه* وصاحبتِه وبَنِيه) (عبس/ 34ـ36)، ففي هذه الأجواء المذهلة، يفرّج الله عن قلبه، فيفتحه على السرور جزاء ما فرّج به عن كربة المؤمن في دار الدنيا. وهذا هو النهج الإسلامي الأخلاقي الذي يفتح وعي الإنسان المؤمن على كربات المؤمنين، ليحمل همومهم، وليتحرّك بجهده الإنساني في تفريجها بما يملك من الخبرة والقوة والانفتاح على الحلول الواقعيّة للمشاكل الإنسانية التي تثقل المرء وتكربه.

وفي الجانب الرسالي، يحدّد الإمام الرضا (عليه السلام) ملامح الروح الرساليّة التي ينبغي للمؤمن أن يعيشها في حياته، والتي تفتح أمام عينيه الآفاق الرحبة التي تنفتح على مسؤولياته في الدنيا والآخرة، فيقول (عليه السلام): «إنَّ الله عزَّ وجلّ أمر بثلاثة مقرون بها ثلاثة أخرى: أمر بالصلاة والزكاة ـ والزكاة تشمل كلَّ ما فرضه الله تعالى على الإنسان من حقوق مالية ـ فمن صلّى ولم يزكِّ لم تُقبل منه صلاته ـ لأنَّ الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر، وحَبسُ حقوق الله عمن أمر الله أن تُعطى له هو من المنكر والفحشاء، باعتبار أنَّها تجاوزٌ للحدود.. والصلاة مدرسةٌ تربّي الإنسان على طاعة الله في كلِّ شي‏ء ممّا أمر به، وعلى البعد عن معصيته مما نهى عنه ـ وأمر بالشكر له وللوالدين، فمن لم يشكر والديه لم يشكر الله ـ فمن لم يشكر المخلوق لم يشكر الخالق، لأنَّ الشكر يعبّر عن حالةٍ نفسيّة وجدانية في التقدير لإحسان المنعم عليه واستجابته لفضله وتفاعله النفسي والعملي معه، بقطع النظر عن طبيعته وموقعه، وبذلك يكون امتناعه عن شكر المخلوق دليلاً على أنَّه لا يعيش مبدأ الشكر في نفسه.. وأيُّ مخلوق يملك نعمةً على مخلوقٍ آخر أكثر من الوالدين؟ ـ وأمر باتقاء الله وصلة الرحم، فمن لم يَصِل رحمَه لم يتقِ الله عزَّ وجلَّ»، لأنَّ الله أمر بصلة الرحم، ما يفرض على الإنسان القيام بذلك طاعة لله، فمن لم ينفتح على الأرحام بالصلة كان منحرفاً عن خطّ التقوى بانحرافه عن خطِّ الطاعة لله في ذلك.

أمّا في جانب العدل، يقول (عليه السلام): «استعمال العدل والإحسان مُؤذِنٌ بدوام النعمة ولا حول ولا قوّة إلاّ بالله». عندما تستعمل العدل في حياتك، فتكون عادلاً مع نفسك، فلا تظلمها بالكفر والفسق والضلال، وتكون عادلاً مع أهلك فلا تظلمهم بسلطتك، وتكون عادلاً مع ربِّك فلا تشرك به شيئاً، وتكون عادلاً مع الناس فتعطي لكلِّ ذي حقٍّ حقَّه، وإنَّك عندما تُحسن إلى النّاس وتبرّهم وتتعامل معهم برفق ومحبّة، فإنَّ الله تعالى سيديم نعمته عليك، لأنَّه سبحانه وتعالى سوف يشكر لك ذلك، ومعنى شكر الله أنَّه تعالى يزيد في نعمتك ويديم هذه النعمة. وربما يؤدي العدل والإحسان إلى واقع حيّ في حياة الإنسان العادل المحسن والمجتمع العادل المحسن في دوام النعمة المتنوّعة في الفرد والمجتمع ارتباطاً للنتيجة بمقدّماتها.

ارسال التعليق

Top