• ٢٠ تشرين ثاني/نوفمبر ٢٠٢٤ | ١٨ جمادى الأولى ١٤٤٦ هـ
البلاغ

نورانية العلم

عمار كاظم

نورانية العلم

الإسلام دين العلم والتعليم، فأوّل آيةٍ حملها جبريل (عليه السلام) للنبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم): (اقْرَأْ) ثُمّ تلتها قوله تعالى: (ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ) (القلم/ 1) فهاتان الآيتان عظّمتا شأن القراءة والكتابة، وأقسم الله سبحانه بالقلم وهو أداة التدوين والكتابة والحفظ، وبالقراءة والكتابة تُكتسب العلوم المختلفة وتزدهر الحضارات وينتشر العلم بين الناس. وللترغيب بطلب العلم دلل الإسلام على الأجر الكبير لطالب العلم ومن ذلك ما ورد عن الإمام الصادق (عليه السلام) أنّه قال: «لو علم الناس ما في العلم لطلبوه ولو بسفك المهج وخوض اللجج». ورد في القرآن الكريم آيات كثيرة حول فرض العمل ومدح العلماء منها قول الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم: (هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ) (الزمر/ 9)، فلا يمكن المقارنة بين العالم والجاهل، والفارق بينهما كبير فقد ورد في بعض الأحاديث عن الإمام الصادق (عليه السلام): (قوله: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) «فضل العالم على العابد كفضل القمر على سائر النجوم ليلة البدر»)، قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): «طلب العلم فريضة على كلّ مسلم».

كان الإمام عليّ (عليه السلام) يريد للناس أن يأخذوا بأسباب العلم، لأنّ الجهل يجعل الإنسان يرى الحقّ باطلاً والباطل حقّاً، لأنّك عندما تكون صاحب علم وواعياً فلن يستطيع أحد أن يغشك بالباطل على أنّه الحقّ، لذلك كان (عليه السلام) يتحدّث فيجعل قيمة الناس ـ رجالاً أو نساءً ـ بقدر ما يعلمون ويحسنون، وقد روى الرُّواة عنه هذه الكلمة الرائعة: «قيمة كلّ امرئ ما يحسنه»، فالإنسان لا يقدّر بالمال، لأنّ المال هو شيء منسوب إليه، ولكنّه يقدّر بعقله وأخلاقه، لأنّ هذه الأمور هي التي تشكّل كيانه، ولذلك قال (علیه السلام): «الناس ثلاثة، عالم رباني، ومتعلّم على سبيل نجاة، وهمج رعاع أتباع كلّ ناعق يميلون مع كلّ ريح، لم يستضيئوا بنور العلم ولم يلجأوا إلى ركن وثيق»، فالإنسان إمّا أن يكون عالماً ربانياً ارتفع به علمه إلى أن وصل إلى المعرفة بالله بشكل عظيم جدّاً، أو متعلّم يطلب العلم من أجل أن ينجو بعلمه في دنياه وآخرته، لأنّ العلم يقوده إلى النجاة، وهناك فريق ثالث، وهم الهمج الرعاع الذين لا يملكون علماً يجعلهم يفرّقون بين صوت الحقّ وصوت الباطل، يميلون مع كلّ ريح، يؤيدون أو يرفضون لأنّ الناس أيدت أو رفضت، وقد خلق الله للإنسان عقلاً وإرادة وطاقة، وأراد للإنسان أن يؤيد أو يرفض من خلال العقل، لأنّه لابدّ للإنسان أن يركّز حياته على أساس الفكرة التي يقتنع بها، فإذا لم يكن عالماً فعليه أن يتعلّم، والمسؤولية مشتركة بين الجاهل والمتعلّم، ولم يأخذ الله على الجاهل لما لم يتعلّم إلّا بعد أن أخذ على العالم لما لم يُعلِّم، وقد جاء في الحديث عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): «إذا ظهرت البُدع فعلى العالم أن يظهر علمه، وإن لم يفعل فعليه لعنه الله».

لذلك، كانت رسالة الإمام عليّ (علیه السلام) أن يكون المجتمع الإسلامي مجتمعاً متعلّماً مثقفاً واعياً،. إنّ العلم الحقيقي هو ذلك العلم الذي يوصلنا إلى الله تعالى وإنّ ما يلاقيه الفرد في سبيل ذلك من تحديات وضغوط وصعوبات هو أمر هيّن مقابل ما يحصل عليه من أرباح مهمة ثمينة. فتجعل من هذا الإنسان إنساناً سوياً بمعنى الكلمة، إنساناً يباهي به الله ملائكته لأنّه يعلم، أوليس الله سبحانه قد أسجد الملائكة لآدم بعد أن علّمه الأسماء. وعندما اعترضوا قال إني أعلم عن هذا الإنسان ما لا تعلمون فما الذي رفع آدم وجعل الملائكة تسجد له غير العلم والمعرفة الحقيقية؟ وهي معرفة الله وعبادته الحقة ولا تأتي العبادة الحقة إلّا عن طريق المعرفة الحقيقية لهذا الكائن، قال الإمام عليّ (عليه السلام): «تعلّموا العلم فإنّ تعلّمه حسنة، ومدارسته تسبيح، والبحث عنه جهاد، وتعليمه لمن لا يعلمه صدقة، وهو أنيس في الوحشة، وصاحب في الوحدة وسلاح على الأعداء».

ارسال التعليق

Top