• ١٦ نيسان/أبريل ٢٠٢٤ | ٧ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

الدعاء عمود الدين

عمار كاظم

الدعاء عمود الدين

قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): «الدعاء سلاح المؤمن وعمود الدين ونور السماوات والأرض»، الدعاء إقبال العبد على الله، والإقبال على الله هو روح العبادة، والعبادة هي الغاية من خلق الإنسان. إنّ القرآن الكريم صريح وواضح في أنّ العبادة هي الغاية من خلق الإنسان، يقول تعالى: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإنْسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ) (الذّاريات/ 56)، وهذه هي الحقيقة الأُولى، وهي ذات أهميّة كبيرة في هذا الدين. وقيمة العبادة أنّها تشدّ الإنسان إلى الله وتربطه به تعالى. ولذلك، فإنّ قصد التقرُّب إلى الله في العبادة أمر جوهري في تحقيقها. ومن دونه لا تكون العبادة، فالعبادة في حقيقتها حركة إلى الله، وإقبال على الله، وقصد لوجه الله، وابتغاء لمرضاته، وهذه الحقيقة الثانية. إنّ كلّ دعاء يدعو به المسلم ربّه يحفظ عند الله تعالى فلا يضيع منه شيء، فالدعاء إمّا أن يُستجاب فيُعطى السائل حاجته من الله تعالى، وإمّا أن يكف الله بهذه الدعوة شرّاً أو مصيبة عن السائل، وإمّا أن يدخّر الله سبحانه وتعالى الحاجة لسائلها إلى يوم القيامة، وهذه الأمور الثلاث جميعها خيراً للمسلم فالله يختار منها ما فيه خير للسائل، فالله عزّوجلّ أرحم من العبد بنفسه ويعلم ما هو خير له وما هو شرّ له ونحن ندعو بما نريد وما نحب دون أن نعلم أي هذه الدعوات خير لنا، لكن الله سبحانه وتعالى يعلم الخير فيختار لنا الأفضل. لذلك لابدّ للمؤمن الداعي أن يكون قلبه مُفعماً بالإخلاص متوجهاً إلى ربّه بكلّ ثقة واطمئنان، وأن لا يجعل الملل والضجر يتسلل إلى نفسه جرّاء تأخّر الإجابة فلعلّ الخير، والمصلحة في عدم الإجابة، أو تأخيرها أو لعلّ الله سبحانه يحبّ أن يسمع دعاءه ومناجاته كما ورد هذا المعنى في كثير من الأحاديث النبوية. فينبغي حينئذٍ للإنسان المؤمن أن يسأل الله تعالى ما فيه خير الدنيا والآخرة، سواءً أكان في الاستجابة أم في عدمها. وقد ورد في الدعاء عن الإمام زين العابدين (عليه السلام) أنّه قال: «فإن أبطئ عنّي عتبت بجهلي عليك ولعلّ الذي أبطئ عنّي هو خيرٌ لي لعلمك بعاقبة الأمور».

والدعاء ـ بعد ذلك كلّه ـ عبادة تهزّ أعماق الإنسان بالشعور بوجود الله وحضوره في كلّ ملتقى للإنسان، في ما يهمّه من أمور الحياة، وفي ما يثيره من شؤون الآخرة. وهي عبادة لا تُفرَض عليه كلماتها وأجواؤها من خارج ذاته، من خلال تعليمات مفروضة، بل هي مشاعره وأفكاره وحاجاته وآلامه وآماله وكلماته المنطلقة من ذاته، في أسلوبٍ عفويّ محبّب، في جوٍّ حميمٍ يفقد معه الشعور بالفواصل التي تفصله عن الله، بما تمثّله علاقة العبد بالسيِّد، أو علاقة المخلوق بخالقه؛ بل هو الجوّ الذي يحسّ فيه بالانفتاح والامتداد في أجواء المطلق. وتلك هي السعادة، كلّ السعادة، والروحيّة الفيّاضة بالنور والعطر والحياة. الدعاء عبادة تهزّ أعماق الإنسان بالشعور بوجود الله وحضوره في كلّ ملتقى للإنسان، في ما يهمّه من أمور الحياة، وفي ما يثيره من شؤون الآخرة.. إنّها عبادة الإنسان التي تتحرّك معها حياته كلّها بين يدي الله، في شعور بالمحبّة الذاتية الخالصة التي لا يعرف روعتها إلّا المخلصون من عباد الله. وقد ورد عن النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم): «الدعاء مخّ العبادة»، وعنه أيضاً: «الدعاء هو العبادة».

ويمكن أن يكون الدعاء حديث الإنسان إلى ربّه، وعلاقة المخلوق مع خالقه، وهذا الحديث قد يحدث مع الربّ بالدعاء – وهو ما أُشير إليه – أو بغيره، مثل الصلاة فهي حديث مع الله سبحانه، ومثل قراءة القرآن وهي اتصال بالله أيضاً. وإنّما الذي يحدد الدعاء عن غيره، أنّ الدعاء هو الحديث الذي معه بثّ الإنسان لله لواعجه وأحاسيسه ومشاعره وما كمن في ضميره وخاطره من صور التقرب منه والاتصال به، مشفوعة بمدائح قد يكتفي بها العبد عن إظهار حاجته، وهو تفريغ للمشاعر أمام الله وإظهار للذل والمسكنة عنده، فـ(كلّ ما سوى الله فقير محتاج إليه)، وأنّ الدعاء يحتمل المدحة والثناء له سبحانه والشكر الموجب لزيادة النعم، قال أمير المؤمنين (عليه السلام): «إنّ النعمة موصولة بالشكر، والشكر متعلق بالمزيد، وهما مقرونان في قرن، فلن ينقطع المزيد من الله عزّوجلّ حتى ينقطع الشكر من العبد».

ارسال التعليق

Top