• ٢٠ نيسان/أبريل ٢٠٢٤ | ١١ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

لا يأس من رحمة الله لغفران الذنوب

عمار كاظم

لا يأس من رحمة الله لغفران الذنوب

(إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ) (النساء/ 48). قد يكون، فالعبد، يبحث غالباً في الذنوب، ليعرف أي ذنب هو الذي لا يُغفر، وأي ذنب يمكن أن يُغفر، ليس من أجل تجنّب الذنوب، وإنّما من أجل أن لا يهاب من (الذنب الصغير). وفي هذا نوع من التجرؤ على الله. فالذنب لا يُقاس بذاته، وإنّما بالنسبة إلى مَن يرتكب الذنب تجاهه.

فالقضية لا تدور مدار حجم المعصية أو الجريمة، بمقدار ما تدور مدار مَن اعتبرها جريمة ونهانا عن اقترافها.. وعليه، فإنّ كلّ الذنوب، تعتبر كبيرة، لأنّها تحدياً لله.. ولكن بعض الذنوب وعد الله عليها العقاب، وعدم الغفران، مثل إنكار الله، والشرك به.

وبعض الذنوب، وعد الله عليها الغفران والعفو ـ إذا تاب منها العبد ـ. وإذا راجعنا الله تعالى، نجد أنّه يجب أن يعرفه العبيد كأرحم الراحمين. وأن يعتبروا رحمته أوسع من ذنوبهم فلا يصابوا باليأس.. ولذلك فإنّه يعتبر من أكبر الذنوب: اليأس من رحمته. ويقول الله في ذلك: (وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلا الضَّالُّونَ) (الحجر/ 56).

قد يكون السبب أنّ القنوط من رحمة الله يدفع الإنسان إلى ارتكاب كافة المعاصي. فأي ذنب مهما كان كبيراً، لا يمنع الإنسان من محاولة العودة عنه؛ لأنّ مرتكبه لا يشعر بانسداد الأبواب في وجهه. بينما نجد (اليأس من رحمة الله) كسد لكلّ أبواب المحاولة، والوقوع في جريمة ارتكاب المعاصي.

فيتوغّل في الجريمة، حتى يستنفد كلّ طاقاته في امتصاص متع الدنيا، مادام يعرف نفسه محروماً من متع الآخرة. لكنّ رحمة الله أوسع من كلّ شيء.. فالله أرحم الراحمين.. إنّ كلّ الأحاديث تؤكّد على أنّ الله أرحم بعباده ـ حتى العُصاة منهم ـ من الأُم بولدها. وإذا ارتكب الطفل خطأ واحداً، أو خطأين، فهل تطرده الأُم إلى الأبد، وتحرمه من العطف والتودد؟

يقول الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم): «إنّ رجلاً قال: والله إنّ الله لا يغفر لفلان. فقال الله: مَن ذا الذي تئلا ـ حتم ـ عليَّ أن لا أغفر لفلان؟ وأضاف تعالى: إنّي قد غفرت لفلان وأحبطت عمل الثاني بقوله: لا يغفر الله لفلان». وتبلغ رحمة الله من السعة أنّه تعالى يكشف عنها لأكبر المذنبين. فيقول لموسى، عندما يرسله إلى فرعون: توعّده، وأخبره إنّي إلى العفو والمغفرة، أسرع مني إلى الغضب والعقوبة.

الوقوف بين يدي الله.. الخضوع الصادق له.. التوجّه القلبي المخلص إلى رحمته.. التواضع الحقيقي أمام عظمته.. أمور كفيلة بكنس الذنوب العظام، واستدرار رحمة الله العظيمة. وقد جاء في الحديث: «إنّ لله مَلكاً ينادي في أوقات الصلاة: يا بني آدم..  قوموا إلى نيرانكم التي أوقدتموها على أنفسكم اطفؤها بالصلاة».

إنّ الصلاة تؤكد في الإنسان معاني العبودية وتدفع به إلى الامتناع عن المعاصي بمرور الأيام.. إنّ الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر، توضأ بإخلاص. قف أمام الله ـ باتجاه القبلة ـ تذكر أنّك تواجه ربّك. فستجد بعد مرور مدة على صلواتك إنّك بدأت تقترب إلى ربّك. يقول الله تعالى: (وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ * أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ * الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) (المؤمنون/ 9-11). ومن موجبات المغفرة أيضاً إدخال السرور على أخيك المؤمن.. هذا ما يقوله الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم). فإذا كانت عندك ذنوب تريد غسلها، ففتّش عن مؤمن، واسأله فيما إذا كان طالب حاجة، اقضها له، فسرعان ما تحسّ ببرد العفو الإلهي يمس شغاف قلبك. كما قال تعالى: (إِنَّ رَحْمَةَ اللهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ) (الأعراف/ 56).

كما إنّ محبّة الناس، واستعمال الطيِّب معهم طريق آخر من طُرق غفران الذنوب.. فالله يريد للإنسان أن يعش مع أخيه الإنسان في حبّ صادق، وتودد مخلص. ولذلك فقد أكد الله على (حُسن الخُلق) كأفضل ما يوضع في ميزان العبد المؤمن يوم القيامة، وجعل غفران الذنوب في بعض الأحيان معلقاً على حُسن الخُلق. يقول الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم): «إنّ حُسن الخُلق يُذيب الخطيئة كما تُذيب الشمس الجليد». ويقول (صلى الله عليه وآله وسلم): «أكبر ما يلج به أُمّتي الجنّة، تقوى الله وحُسن الخُلق».. فما أجمل أن يقف الإنسان أمام ربه ليقول له: (يا مَن إذا سأله عبده أعطاه.. وإذا أمّل ما عنده بلغه مناه.. وإذا أقبل عليه قرّبه وأدناه).

ارسال التعليق

Top