أشرق الكون بمولد قمر بني هاشم، أبي الفضل العبّاس (عليه السلام) في الرابع من شهر شعبان سنة 26هـ في المدينة المنوّرة. لقد امتاز (عليه السلام) في ولادته على سائر الناس بما يمتاز به العظماء من أولياء الله في ولادتهم ، حيث كانت ولادته محفوفة بالإرهاصات، ومشحونة بالقرائن والمقدّمات الدالّة على عظم منزلة المولود عند الله تعالى، ومقامه الشامخ لديه.
يقول الإمام الصادق (عليه السلام) عن العبّاس (عليه السلام) في كلمات مختصرة، ولكنّها تُعطي عناصر الشخصية التي تفسّر كلّ ما قام به العبّاس (عليه السلام): «كان عمّنا العبّاس نافذ البصيرة»، فلقد كان يتمتع ببصيرة في عقله يبصر بها الحقّ، وبصيرة في قلبه يبصر بها مواطن الإحساس والشعور والعاطفة، فيما يحبّه الله ويرضاه من الجانب العاطفي للإنسان، وكان يملك البصيرة في حركته في الحياة عندما يواجه الخطّ المستقيم والخطّ المنحرف.
كان «نافذ البصيرة، صلب الإيمان»، فلم يكن إيمانه الإيمان الذي يمكن أن يهتزّ أمام التحدّيات، سواء كانت تحدّيات الترغيب أو الترهيب.
وجاهد مع الإمام أبي عبدالله الحسين (عليه السلام) وأبلى بلاءً حسناً ومضى شهيداً، ونحن نقرأ في الزيارة: «السلام على العبد الصالح المطيع لله ولرسوله ولأمير المؤمنين وللحسن والحسين، فنِعمَ الأخ المواسي»، كما أنّنا نلتقي مع حركة (العبّاس) في قتاله في هذين البيتين اللذين قد يكونان رجزاً له، وقد يكونان لسان حاله عندما قطعت يمينه:
والله إن قطعتُم يميني*******إنّي أحامي أبداً عن ديني
فالإمام الحسين (علیه السلام) يقول: «خرجت لطلب الإصلاح في أُمّة جدّي»، في خطّ الدعوة، والعبّاس (عليه السلام) هنا يطلقها دفاعاً عن خطّ الدعوة أيضاً، فعندما وصلت الأُمور حدّاً، أنّ الدِّين يواجه التحدّيات التي تريد إسقاطه، وقف العبّاس (عليه السلام) محامياً وذابّاً ومُدافعاً: «إنّي أُحامي أبداً عن ديني»، ليبيّن أنّ هذه الحركة إنّما كانت حركة إصلاح في أُمّة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وحمايةً للدين، «وعن إمامٍ صادق اليقين»، ولم يقُل عن أخي، لأنّ القضية في وعي العبّاس وفي وجدانه، لم تكن قضية أخوّة يدافع عنها، ولكنّها كانت قضية قيادة يدافع عن حركتها وعن رسالتها في حركة التحدّيات التي واجهها.
وعن إمامٍ صادقِ اليقينِ********نجلِ النّبيِّ الطّاهرِ الأمينِ
إنّ الإنسانية بكلّ إجلال واحترام لتحيّي هذه الروح العظيمة التي تألّقت في دنيا الفضيلة والإسلام وهي تلقي على الأجيال أروع الدروس عن الكرامة الإنسانية. إنّ هذا الإيثار الذي تجاوز حدود الزمان والمكان كان من أبرز الذاتيات في خلق سيِّدنا أبي الفضل العبّاس (عليه السلام)، فلم تمكّنه عواطفه المترعة بالولاء والحنان أن يشرب من الماء قبله، فأي إيثار أنبل أو أصدق من هذا الإيثار.
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق