• ٢٩ آذار/مارس ٢٠٢٤ | ١٩ رمضان ١٤٤٥ هـ
البلاغ

استثمار الوقت.. فلاح ونجاح

عمار كاظم

استثمار الوقت.. فلاح ونجاح

الإنسان في حقيقته وقت، أو أنّ رأس ماله هو الوقت، أو أنّ أثمن شيء يملكه هو الوقت، فهو وقت.. فالإنسان بضعة أيّام، كلّما انقضى يوم انقضى بضع منه، فهو كائن متحرك نحو هدف ثابت، فكلّ دقيقة تمضي تقرّبه إلى هذا الهدف الثابت. وقد أقسم الله جلّ جلاله بمطلق الوقت، لهذا المخلوق الأوّل رتبةً الذي هو في حقيقته وقت، فقال تعالى: (وَالْعَصْرِ * إِنَّ الإنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ) (العصر/ 1-2). ففي قول الله تعالى عن الخسارة هو مضي الوقت وحده يستهلكه، فلذلك يقسم الله عزّوجلّ أنّ الإنسان خاسر لا محالة، لأنّ وقته يتلاشى شيئاً فشيئاً. عن النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم): «بادروا إلى الأعمال الصالحة ما ينتظر أحدكم من الدنيا إلى غِنىً مُطغياً، أو فقراً مُنسياً، أو مَرَضاً مُفسداً، أو هَرَماً مقيِّداً، أو مَوتاً مُجهِزاً..».

انظر إلى صورتك قبل ثلاثين عاماً، وانظر إلى صورتك بعد ثلاثين عاماً، ستجد أنّ الفرق كبيرٌ جداً، وهذا فعلُ الوقت، فالليل والنهار يعملان فيك فاعمل فيهما. لذلك هذا الوقت أمّا أن يُستهلك، وإمّا أن يُستثمر. فاستثمار الوقت هو البطولة والذكاء والفلاح والتفوق، أمّا استهلاكه فهو ضيّق الأفق والجهل. يقول رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): «نِعمتان مغبونٌ فيهما كثيرٌ من الناس: الصحّة والفراغ».

إذا نظرنا إلى الأُمم الحالية فسنجد أيضاً أنّ العامل الأساس في تقدّمها هو أيضاً حُسن استغلالها للوقت، واحترامها له. إنّ نظرة إلى إنتاجية العامل في إحدى الأُمم والتي تبلغ ثماني دقائق في اليوم بكلّ وضوح سبب تخلف هذه الأُمم عن ركب الحضارة، في الوقت الذي تمتلك فيه كلّ إمكانيات النهوض.

إدارة الوقت هي إدارة للفكر والضمير، وهي فوق ذلك إدارة للحياة، لجميع جوانبها وأبعادها. وما أحوج أُمتنا لهذه الإدارة.. فالناجح في إدارة وقته هو الذي يستثمر وقته المتاح في الأُمور الهامة ويخطط لهذا الوقت المتاح وهو الذي يسيطر على العوامل التي قد تتسبّب في إهدار الوقت. فلا يستطيع الإنسان أن يختار استثماره أم لا يستطيع تعلّم كيفية استثماره.

إنّه العنصر الأساسي لجميع أُمور الحياة فحياتنا ليست إلّا وقت معلوم ومحدود. ألا يجب علينا إدارة هذا المحدود المعلوم الذي سوف نُسأل عنه. يقول تعالى: (وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ) (الصافات/ 24)، فالوقت متاح لنا جميعاً بنفس القدر ولكنّ المتميز والناجح هو الذي يحسن إدارته ويستفيد وبذلك ينال الفوز بالدارين.

فالإدارة الجيِّدة للوقت لها فوائد في أنّها تساعد الإنسان على بلوغ أهدافه وتحقيق أحلامه الشخصية، كما تساعده على التخفيف من الضغوط سواء في العمل أو ضغوط الحياة، وتساعده أيضاً على تحسين نوعية العمل وتحسين نوعية الحياة غير العملية، كما تساعده على قضاء وقت أكبر مع العائلة أو في الترفيه والراحة، وكذلك قضاء وقت أكبر في التطوير الذاتي، كذلك تساعده على تحقيق نتائج أفضل في العمل وزيادة سرعة إنجازه وتقليل عدد الأخطاء الممكن ارتكابها، كما تساعده على تعزيز الراحة في العمل، وتحسين إنتاجيته بشكل عام، وبالتالي، زيادة الدخل. والإنسان الراشد العاقل لا يمكن أن يفرط في وقته، وكلّ إنسان جدير بالثقة، جدير بالتكليف، جدير بالمسؤولية يقدر عن يقين أهميّة الوقت واحترامه وحُسن استثماره، إذ الوقت في واقع الحال هو الحياة، وقديماً قيل: «الوقت كالسيف إن لم تقطعه قطعك»!

ومن هذا المنطلق يكون على الإنسان أن ينظر إلى إحساسه بالتعب على أنّه ناتج عن عدم إنجازه لأعماله، وكذلك لا يكون شعوره بالضجر مترتباً عن الأعمال والمهام التي يقوم بها، أو بسبب قلة النوم والراحة - كما هو الاعتقاد الشائع لدى الكثيرين - فساعة واحدة من الراحة أو الاسترخاء كفيلة بتبديد التعب الجسدي أمّا التعب النفسي فيبقى عالقاً على الرغم من ساعات النوم الطويلة، وأهم دلالة على ذلك هي أنّ الشخص قد يستيقظ صباحاً ولديه نفس الشعور. ويختلف الوقت عن المال فإذا كان المال يُدخر ويُقايض وقد يُعوَّض إذا أُهدر، فإنّ الوقت لا سبيل لإدخاره أو مقايضته أو استرجاعه، إضافة إلى ذلك: فإنّ الوقت هو المورد الوحيد الذي نُرغم على صرفه سواءً أردنا أم لم نرد.

ارسال التعليق

Top