• ٢٩ آذار/مارس ٢٠٢٤ | ١٩ رمضان ١٤٤٥ هـ
البلاغ

الإمام الرضا (عليه السلام).. علم لا ينضب

عمار كاظم

الإمام الرضا (عليه السلام).. علم لا ينضب

يقول الله تعالى في كتابه المجيد: (إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا) (الأحزاب/ 33). من أهل هذا البيت ومن أئمّتهم، الإمام علي بن موسى الرضا (عليه السلام)، الذي تصادف ذكرى ولادته في الحادي عشر من ذي القعدة، لابدّ لنا من الوقوف عند سيرته، وهو الذي قال أبوه الإمام موسى الكاظم (عليه السلام) عنه لبنيه: «وهذا أخوكم علي بن موسى عالم آل محمّد، فسلوه عن أديانكم، واحفظوا ما يقول لكم». حدّثتنا كُتب السيرة عنه فيما ورد في الأحاديث عن بعض أصحابه، وهو إبراهيم بن العباس، قال: «ما رأيت الرضا يُسأل عن شيء قطّ إلّا علمه، ولا رأيت أعلم منه بما كان في الزمان الأوّل إلى وقته وعصره، وكان المأمون يمتحنه بالسؤال عن كلِّ شيء فيجيب فيه، وكان كلامه كلّه وجوابه وتمثّله انتزاعات من القرآن ـ بمعنى أنّه كان يستوحي آيات القرآن في كلّ ما يُسأل عنه وما يجيب فيه ـ وكان يختمه في كلّ ثلاث (ثلاث ليالٍ) ويقول: لو أردت أن أختمه في أقرب من ثلاث لختمت، ولكنّي ما مررت بآية قطّ إلّا فكّرت فيها، وفي أيّ شيء أنزلت، وفي أي وقت، فلذلك صرت أختمه في كلّ ثلاث».

قال رجل للرضا (عليه السلام): والله ما على وجه الأرض أشرف منك أباً. فقال (عليه السلام): «التقوى شرّفتهم وطاعة الله أحظتهم». فقال له آخر: أنت والله خير الناس، فقال (عليه السلام) له: «لا تحلف يا هذا، خيرٌ مني مَن كان أتقى لله وأطوع له، والله ما نسخت هذه الآية: (وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقَاكُمْ) (الحجرات/ 13)». والإمام (عليه السلام) هو خير الناس لأنّه أتقى الناس، ولكنّه تحدَّث عن المبدأ، حتى يعرف الناس أنّ الموقع العظيم عند الله إنّما يناله الإنسان بالتقوى. وعلى هذا الأساس، يجب على كلّ الذين ينتسبون إلى النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) أن لا يشعروا بالعلوّ أمام الآخرين لمجرد انتسابهم إلى النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم)، إنّما يرتفع الناس عند الله ويتقرَّبون إليه سبحانه وتعالى من خلال التقوى. وورد عن أحد الصحابة أنّه قال (عليه السلام): «ما رأيت أعلم من علي بن موسى الرضا، ولا رآه عالِم إلّا شهد له بمثل شهادتي، ولقد جمع المأمون في مجالس له ذوات عدد، علماء الأديان وفقهاء الشريعة والمتكلّمين، فغلبهم عن آخرهم، حتى ما بقي منهم أحدٌ إلّا أقرّ له بالفضل وأقرّ على نفسه بالقصور». وكانت للإمام الرضا (عليه السلام) الهيبة الكبرى في نفوس كلِّ علماء عصره، وكان إذا دخل إلى المسجد والناس يسألون العلماء، قام العلماء بتوجهيهم إلى الإمام الرضا (عليه السلام) لما يملكه من العلم كلّه.

وقد عرض المأمون على الإمام (عليه السلام) ولاية العهد، إلّا أنّه امتنع عن ذلك، ولكنّ المأمون ألحّ عليه، وذلك بعد مشاكل حصلت بين المأمون وأخيه، ولم يستطع الإمام (عليه السلام) الرفض، لكنّه اشترط عليه عدّة شروط للقبول، وقد استفاد (عليه السلام) من هذا الموقع في قضاء حوائج المؤمنين، وفي دعوة الناس للرجوع إلى التراث الذي انطلق به رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وآباؤه (عليهم السلام)، وفي تصحيح ما أخطأ به الآخرون، وتقويم ما انحرفوا فيه. ولما قَبِل الإمام الرضا (عليه السلام) ولاية العهد، استنكر عليه البعض هذا الأمر، ولكنّ الإمام (عليه السلام) عالج هاتين المسألتين في هذه الرواية عن الحسن بن موسى قال: روى أصحابنا عن الرضا (عليه السلام) أنّه قال له رجل: أصلحك الله، كيف صرت إلى ما صرت إليه من المأمون؟ وكأنّه أنكر عليه ذلك، فقال له أبو الحسن الرضا (عليه السلام): «يا هذا، أيُّهما أفضل؛ النبيّ أو الوصي»؟ فقال: لا بل النبيّ، قال (عليه السلام): «فأيهما أفضل؛ مسلم أو مشرك»؟ قال: لا بل مسلم، قال: «فإنّ العزيز عزيز مصر كان مشركاً وكان يوسف نبيّاً، وإنّ المأمون مسلم، وأنا وصيّ، ويوسف سأل العزيز أن يولِّيه حيث قال: اجعلني على خزائن الأرض إنّي حفيظ عليم، وأنا أُجبرت على ذلك».

لقد كان الإمام الرضا (عليه السلام) القمّة في العلم والأخلاق والقرب من الله في عبادته وطاعته، وعلينا أن نعمل على أساس الالتزام بسيرته التي تمثّل الإسلام كلّه، كما هي سيرة آبائه وأبنائه، فأهل البيت (عليهم السلام) هم القدوة لنا في كلّ ما يريده الله منّا في توحيده وطاعته. والسلام على الإمام الرضا (عليه السلام)، يوم وُلد، ويوم انتقل إلى رحاب ربّه، ويوم يُبعث حياً.

ارسال التعليق

Top