• ٢٨ آذار/مارس ٢٠٢٤ | ١٨ رمضان ١٤٤٥ هـ
البلاغ

النيّة الصادقة.. الأساس في العمل الإنساني

عمار كاظم

النيّة الصادقة.. الأساس في العمل الإنساني

النيّة هي الأساس في توجيه العمل، وهي التي تعطي العمل عنوانه، يقول رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): «إنّما الأعمالُ بالنيّاتِ، وإنّما لكُلِّ امرِئٍ ما نَوَى»، فتعني أنّ النيّة هي التي تعطي العمل عنواناً، فمثلاً، لو ضرب إنسان يتيماً، فتارةً يضربه ضرب تشفٍّ وحقدٍ، وتارةً يضربه بنيّة التأديب. فأنت تعمل في بعض الحالات قربةً إلى الله تعالى، وتارةً تأتي بالعمل نفسه لكي يراك الناس، فذاك عمل الرياء، كالصلاة، فتارةً تنطلق بها من نيّة القربة إلى الله تعالى، وتارةً من نيّة القربة إلى الناس، فإذاً هو عمل واحد، ولكن تختلف طبيعته باختلاف النيّة. وهكذا بالنسبة لباقي الأعمال وخصوصاً العمل الإنساني الذي يسهم في نهوض المجتمع، ويسهم في تعزيز بنيانه الاجتماعي الداخلي ويزيد من تماسك أبنائه وانتمائهم له، الأمر الذي يعزّز قدرة المجتمع على مواجهة تحدّيات وصعاب الحاضر، ويمكّنه من السير بخُطى واثقة نحو المستقبل.

فالعمل الإنساني الخيِّر بالتبرع بالمال والوقت والجهد والخبرة صفة إنسانية لازمت المجتمعات البشرية عبر العصور، وزكتّها جميع الأديان السماوية والأعراف الاجتماعية، ونُسجت حولها قيم الإعجاب والشهامة والنُّبل والنقاء والإنسانية.. والعمل الإنساني من حيث هو فعل وتصرُّف، يمنح الإنسان شعوراً عميقاً بالراحة النفسية، ويملأ جوانحه بأجمل معاني الحبّ والعطاء والدفء والعلاقة الأخوية الإنسانية. عندما تحدَّث الإسلام عن العطاء، لم يرد له أن يكون عطاء الفرد، بل دعا الأُمّة المسلمة أن تكون أُمَّة الخير في تعاملها حتى مع الذين يختلفون معها: (وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) (آل عمران/104).

إنّ السعادة كلّ السعادة، عندما تزرع سعادةً في قلب مهموم أو مغموم، عندما تغني عقلاً بالمعرفة، عندما تفتح قلباً على المحبّة، عندما تساعد إنساناً وتقضي حاجة، عندما تغيّر واقعاً فاسداً، عندما تقيم عدلاً وترفع ظلماً، عندما تحوّل حياةً إلى صدقة جارية تنفع الناس، عندما تترك كتاباً يُقرأ وولداً صالحاً. ورد في الحديث عن الإمام الصادق (عليه السلام): «إنّ الله لم ينعم على عبدٍ نِعمة إلّا وقد ألزمه فيها الحجّة من الله، فمن منَّ الله عليه فجعله موسعاً عليه، فحجّته عليه ماله، ثمّ تعاهده الفقراء بفرائضه ونوافله، ومَن منَّ الله عليه فجعله قوياً في بدنه، فحجّته عليه القيام بما كلّفه، واحتمال مَن هو دونه ممّن هو أضعف، ومَن منَّ الله عليه فجعله شريفاً في قومه، جميلاً في صورته، فحجّته عليه أن لا يغمط حقوق الضُّعفاء لحال شرفه وجماله».

جاء رجل إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وقال له: دلّني على عملٍ إن أنا عملته دخلت الجنّة، قال (صلى الله عليه وآله وسلم): «أنل ممّا أنالك الله»، فقال الرجل: فإن كنت أحوج ممّن أنيله. قال: «انصر المظلوم»، قال: لا أريد الدخول بين المظلومين والظالمين، قال: «اصنع للأخرق»، قال: فإن كنت أخرق ممّن أصنع له، قال: «فأمسك لسانك إلّا عن خير»، المهمّ أن تعطي ولو كلمة طيِّبة.

من هنا، علينا أوّلاً أن نطهّر أنفُسنا ونزكّيها، ونبتعد عن أيّة خطرات ذهنيّة سيِّئة تطرؤ عليها عبر التفكير الدائم في الخير. وثانياً، أن تكون نوايانا صادقة ومخلصة في سبيل التقرُّب إلى الله تعالى وابتغاء مرضاته. ينبغي تربية أنفُسنا على كلّ ما يحميها من أيّ انحراف سلوكي عملي، أو حتى نفسي ذاتي، وأن ننظّف محتوانا الداخلي الشعوري من أيّ إحساس بالسوء والشرّ، كي نحقّق إنسانيتنا التي تسمو فوق كلّ الحسابات والاعتبارات.

ارسال التعليق

Top