• ٢٥ نيسان/أبريل ٢٠٢٤ | ١٦ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

صفاء الأخلاق في شخصية الإمام موسى الكاظم (عليه السلام)

عمار كاظم

صفاء الأخلاق في شخصية الإمام موسى الكاظم (عليه السلام)

رسم الإمام الكاظم (عليه السلام)، انطلاقاً من الخطّ الإسلامي العام، منهجاً للإنسان في علاقته بربّه وبمجتمعه وبالحياة من حوله، فلكي ننفتح على إمامته في خطّ تعاليمه ووصاياه وروحانيته وعصمته، لنزداد من خلال معرفتنا التزاماً بخطّ أهل البيت (عليهم السلام) وبعِلمهم وأخلاقهم وفكرهم النيّر. فعن الإمام الرضا (عليه السلام) أنّ الإمام موسى بن جعفر (عليه السلام) تكلّم يوماً بين يدي أبيه فأحسن، أي تكلَّم الإمام الكاظم (عليه السلام) بمحضر أبيه (عليه السلام) ومجلسه، وربّما كان في سنّ الطفولة أو بداية الشباب، فأحسن في حديثه وكلامه، بحيث أعجب الإمام بكلامه، «فقال له: يا بنيّ، الحمد لله الذي جعلك خلفاً من الآباء، وسروراً من الأبناء، وعوضاً عن الأصدقاء»، فهو الخلف المناسب له، وهو أيضاً يملأ حياته سروراً، بما عليه من العلم والمعرفة والأخلاق الذي تسرُّ الآباء في أبنائهم، وفوق ذلك، فإنّه عوضٌ عن الأصدقاء، ما يجعله الصديق لأبيه، لما عليه من رجاحة العقل وكماله، ذلك العقل الكامل والمعصوم. وهكذا نلاحظ أنّ الإمام موسى الكاظم (عليه السلام) كان في طفولته يعيش العِلم والخُلق الرفيع كأعمق وأوعى وأصبر ما يكون العِلم، ما يوحي بأنّ سرَّ الإمامة في الإمام ينطلق ممّا يمنحه الله للإمام من مَلكاتٍ تتحرّك طفولته معها، ليشمل حركة الإمامة عندما يحين وقتها، والله أعلم حيث يجعل رسالته. وكان (عليه السلام) منذ رعايان شبابه يتفقّد فقراء أهل المدينة، يحمل إليهم في الليل الأشياء العينيّة وغيرها، فيوصلها إليهم وهم لا يعلمون مصدرها، فقد جاء في سيرته أنّه كان يطوف بيوت الفقراء في الليل، فيحمل إليهم كلّ ما يمكن حمله لهم، فيوصل إليهم ذلك ولا يعلمون من أيِّ جهةٍ هو.

وفي كلمات مضيئة تنم عن الروح الطاهرة للإمام الكاظم (عليه السلام)، حيث أنّه قال: «اجتهدوا في أن يكون زمانكم أربع ساعات»، أي لينقسم يومكم إلى أربع ساعات، والساعة في كلامه (عليه السلام) ليس المراد بها الساعة باصطلاحنا اليوم التي تعدُّ ستّين دقيقة، بل كناية عن الوقت. «ساعة لمناجاة الله»، فتجلس لربّك، لتصلّي وتناجيه في كلِّ آلامك وأحلامك، «وساعة لأمر المعاش»، لتطلب رزقك، «وساعة لمعاشرة الأخوان» تخلو فيها لأخوانك وتحدِّثهم ويحدّثونك، «وساعة تخلون فيها للذَّاتكم في غير محرَّم»، فإنّ النفس الإنسانية بما تشتمل على غرائز وطبائع، تحتاج إلى ما يلبّي لها احتياجاتها الطبيعية، ولكن في غير ما حرَّم الله تعالى، «وبهذه الساعة» التي تعطي نفسك لذّتها باللعب وباللهو، «تقدرون على الثلاث ساعات»، لأنّها تنشّط الإنسان، فليس من الطبيعي أن يعيش الإنسان في جدٍّ مستمرّ، وقد ورد «أنّ القلب إذا أكره عمي»، وورد أيضاً: «روِّحوا القلوب ساعةً فساعة»، ولذلك لـم يضيّق الإسلام على الإنسان حياته، بل أعطاه نافذةً على حاجاته النفسية والجسدية. وفي كلمةٍ أُخرى للإمام (عليه السلام)، أنّه قال لبعض ولده: «يا بنيّ، إيّاك أن يراك الله في معصيةٍ نهاك عنها»، ولقد نهاك الله عن أشياء، فاحذر أن يراك الله في مواقع المعصية، «وإيّاك أن يفقدك الله عند طاعةٍ أمرك بها»، لأنّ الله يريد لك أن تتواجد في مواقع الطاعة، «وعليك بالجدّ»، فلا تأخذ حياتك بالهزل واللامبالاة، فكن جادّاً في الحياة لأنّها مسؤولية، وعلى الإنسان أن يواجه مسؤولية الحياة بكلّ تصميم وتخطيط، ليقوم بمسؤوليته وليحقّق أهدافه، «ولا تخرج نفسك من حدِّ التقصير في عبادة الله وطاعته، فإنّ الله لا يعبد حقّ عبادته»، فمهما عبدت الله ومهما أطعته، فلا تشعر بالرِّضا عن نفسك، وانظر إلى نفسك مقصِّراً، فإنّ هناك مراتب ومراحل لعبادته لا يبلغها الإنسان إلّا بعد جهدٍ وجهد، «وإيّاك والمزاح»، يعني أن تكون مزّاحاً، تتحرّك في حياتك بالمزاح، وليس المقصود أن لا تمزح المرّة والمرّتين، بل إنّ الإمام (عليه السلام) في مقام النهي عن الاستغراق في المزاح، لأنّ بعض الناس يعيش يومه من الصباح إلى الليل بالمزاح. «فإنّه يذهب بنور إيمانك ويستخفّ بمروءتك. وإيّاك والضجر والكسل»، فلا تضجر، بل جدِّد نشاطك وإقبالك على العمل، ولا تكسل عن مسؤولياتك، «فإنّهما يمنعان حظّك من الدُّنيا والآخرة»، لأنّك إذا ضجرت، فستترك حظّك في الدُّنيا والآخرة، وإذا كسلت، فلا تؤدِّي حقّاً في الدُّنيا والآخرة.

ختاماً، إنّ أهل البيت (عليهم السلام) يمثِّلون القمّة في كلّ شيء، فهم حجج الله على عباده، وهم النور الذي نستضيء به، وهم الخطّ المستقيم الذي يهدينا إلى الله، وفي كلماتهم التي تضيء لنا مفاهيم الإسلام ومنهجه ووسائله وغاياته. فليكن أهل البيت (عليهم السلام) عقلاً يرتفع بعقولنا، وقلباً يفتح قلوبناعلى الله وعلى المحبّة، وحركةً تفتح حياتنا على الحقّ والعدل وما يؤدِّي إلى القرب من الله، وسلام الله على الإمام الكاظم (عليه السلام)، يوم وُلِد، ويوم استشهد، ويوم يُبعث حيّاً.

ارسال التعليق

Top