• ٢٠ تشرين ثاني/نوفمبر ٢٠٢٤ | ١٨ جمادى الأولى ١٤٤٦ هـ
البلاغ

حاصر أفكارك

حاصر أفكارك

  ◄عندما نتحدث عن تغيير السلوك والعادة، فإنّنا ندفع بالمرء نحو الارتقاء والتميز وتحديد المصير المناسب له في الحياة.

بيد أنّ كلامنا قد يضيع هباء منثوراً إذا لم يسيطر الرء على أفكاره، فيحاصر السلبي منها ويُضعفه، وينمي الإيجابي وينشطه، في كتابي قوة التفكير استطردت في هذا الأمر بكثير من التفصيل يمكنك العودة إليه أن أحببت، لكنني هنا ألفت نظرك عزيزي القارئ إلى شيء بالغ الأهمية وهو التفكير والذي من خلاله تستطيع العيش بأمان وهناء، أو في تعاسة وشقاء.

فتفكيرك قادر – وحده – على صبغ أيامك بالشكل الذي تذهب به إليه.

فبالرغم من أنّ الفكر قد يكون بسيط ولا يأخذ من الوقت أكثر من لحظات إلا أنّ له برمجة راسخة مكتسبة من سبعة مصادر مختلفة جعلوا منه قوّة راسخة ومرجع للعقل يستخدمه الإنسان داخلياً، وخارجياً، هذه المصادر السبعة هي:

 

1- الوالدين:

أوّل برمجة اكتسبتاها في حياتنا كانت من الأب والأُم. وقد قالت في ذلك الملكة إليزابيث الثانية "لقد تعلمت كما يتعلم القرد، من مشاهدة الأب والأُم وتقليدهم تماماً!!" تعلمنا من الوالدين الكلمات ومعناها وتعبيرات الوجه وتحركات الجسم ومعنى الأحاسيس والسلوكيات والقيم والاعتقادات الدينية والمبادئ والمثل العليا ولأنّها أوّل برمجة لنا في هذا العالم ومن أهم الأشخاص لنا أصبحت برمجة راسخة ومرجع أساسي في التعامل مع أنفسنا أو مع العالم الخارجي.

 

2- المحيط العائلي:

بعد الوالدين لاحظنا أنّ هناك عالم آخر هو المحيط العائلي سواء كان من الأخوة والأخوات أو من الجد والجدة أو من العم والخال ومن أولادهم. وهنا يربط العقل المعلومات التي يتلقاها من المحيط العائلي بما تبرمج به من قبل وبذلك أصبحت البرمجة أقوى من ذي قبل.

 

3- المحيط الاجتماعي:

سواء كان ذلك من الجيران أو من البقال أو سائق التاكسي أو سيارة المدرسة أو الأوتوبيس وما يقوله النّاس في المحيط الاجتماعي الذي نعيش فيه ويستمر العقل بربط المعلومات التي يتلقاها من أي مصدر خارجي إلى أساس البرمجة المخزنة في العقل اللاواعي وبذلك تزداد البرمجة قوة.

 

4- المدرسة:

أخطر ما في المدرسة أنها توقعنا تحت تأثير فئات مختلفة، ذات تأثيرات غاية في الأهمية، فهناك المدرسين والذين نعتبرهم آباء آخرين وأمهات أخريات، وهناك الأصدقاء بقواهم التأثيرية العالية، ومنهم نتعلم كلمات وتعبيرات وأخلاق وسلوكيات وفعل، ونظراً لقوى المدرسة وتأثيرها الكبير علينا، كان من السهل أن نأخذ بعض هذه السلوكيات سواء كانت سلبية أو إيجابية ونضيفها على برمجتنا السابقة لتصبح راسخة بقوة في العقل الباطن.

 

5- الأصدقاء:

العامل الأخطر والأهم في برمجتنا الذهنية بعد الوالدين، نظراً لكون الأصدقاء هم الإنجاز الشخصي الأوّل لنا في الحياة، فقد اخترناهم وفق أمزجتنا بدون تأثير من الوالدين، شاعرين بالسعادة والثقة والاستقلال والتقبل الاجتماعي.

والأصدقاء قادرين على التأثير في بعضهم البعض بسهولة ويسر، فالسلوكيات السيئة كالتدخين، والمخدرات، والكحول، أو حتى الهروب من المدرسة وغيرها من السلوكيات الخاطئة، معظم من وقعوا فيها، استمدوها من أصدقائهم.

لذا كان تأثير الأصدقاء علينا وعلى برمجتنا الذهنية أمر بالغ الأهمية والقوّة.

 

6- وسائل الإعلام:

بسبب أنّ معظم الشباب يشاهد التلفاز لفترات طويلة قد تصل إلى خمسون ساعة في الأسبوع الواحد فهو يتأثر بأحداثه سواء كان سلبياً أو إيجابياً. فلو وجد الشاب أو الشابة ممثله المفضّل أو مغنيه المفضّل يدخن، من الممكن أن يتأثر به ويدخن هو الآخر!!

وقد أكّد معهد الأبحاث النفسي والفسيولوجي في نيوزيلاند أنّ أكثر من 60% من حالات الاكتئاب يرجع السبب فيها إلى وسائل الإعلام التي تركّز على السلبيات والصعوبات والحروب والجنس وضياع القيم. ونرى الآن موجة الفضائيات والتركيز على الأخبار السلبية والأغاني الخليعة التي لا تمت إلى قيمنا بأي صلة منتشرة وتزداد انتشاراً في عالما وتؤثر في أخلاقيات شبابنا بعمق. وهذا المؤثر الخطير يضيفه النّاس على برمجتهم فتصبح أقوى وأعمق عن ذى قبل.

 

7- أنفسنا (نحن):

فبعد كلّ هذه البرمجة السابقة التي تبرمجنا بها من العالم الخارجي وأصبح عندنا قيم واعتقادات ومبادئ راسخة أصبح عندنا القدرة على إضافة سلوكيات جديدة من الممكن أن تكون سلبية أو إيجابية ويربطها العقل بالمعلومات السابقة فتصبح برمجتنا راسخة وعميقة وتكيف عصبي وعادات نقابل بها العالم الخارجي وتكون السبب في نجاحنا أو فشلنا وفي سعادتنا أو تعاستنا.

والآن..

"أفكارك التي تكونت لديك من خلال هذه المعطيات السبع، هي التي تحدِّد مصيرك في الحياة، هي التي تأخذك إما إلى دروب الخير والأمل والتفاؤل، أو تمزقك إرباً على صخور السلبية واليأس وضياع الهدف".

الأفكار هي التي تسبب لنا الإدراك والمعنى والقيم والاعتقادات والمبادئ. والفكرة هي بداية الأهداف والأحكام وهي مرجع العقل في التجارب والخبرات ومعنى الأشياء وكيفية ربط السعادة والألم في حياتنا. والفكرة قد تكون السبب في الأمراض النفسية وأيضاً الأمراض العضوية. وفكرة سعادة تسبب الإحساس بالسعادة، وفكرة ألم تسبب الإحساس بالألم، وفكرة خوف تسبب الخوف، وفكرة شجاعة تسبب الشجاعة. وقد قال سقراط عن الفكرة: "بالفكر يستطيع الإنسان أن يجعل عالمه من الورود أو من الشوك".

الفكرة ليست لها حدود ولا تتأثر بالوقت ولا المسافات ولا الأماكن. الفكرة عندها القدرة أن تظهر في الصباح أو المساء أو الظهر مهما كانت حالة الطقس أو البلد. الفكرة هي سبب سلوكياتنا وتصرفاتنا وأيضاً نتائجنا. بالفكرة قد تكون روحانياً أو لا، أن تتبنى أسلوب حياة صحية أم لا، أن تكون أب رائع أو أُمّ رائعة أو لا، أن تكون عامل أو موظف أو مدير ممتاز أو لا. أن تخطط لأهدافك وتحققها أو تدخل في دوامة الأحاسيس السلبية حتى تصاب بالإحباط. وقد قال عنها بلاتو: "أجداد كلّ سلوكياتنا هي الفكرة وبها نتقدم وبها نتأخر، وبها نسعد وبها نشقى".

فحقيقة أنت وأنا وكلّ إنسان على وجه الأرض وصلنا إلى ما وصلنا إليه اليوم بسبب أفكار الأمس وسنصل إلى ما سنصل إليه الغد بسبب أفكار اليوم. وقد قال لي أحد العلماء الذين تتلمذت على أيديهم "إبراهيم لو أردت أن تكون ناجحاً أدرس النجاح وفكِّر كالناجحين، وإن أردت أن تكون سعيداً أدرس السعادة وفكِّر كالسعداء وتذكر أنّ أفكارك من صنعك أنت فقبل أن تضع فكرة في ذهنك قيّمها وإن كانت لها فائدة إيجابية تبناها وضعها في الفعل وكن ملتزماً ومرناً".►

 

المصدر: كتاب سيطر على حياتك/ طريقك إلى تنظيم وقتك وتحديد أهدافك والاستمتاع بالتغيير الإيجابي

ارسال التعليق

Top