• ٢٤ نيسان/أبريل ٢٠٢٤ | ١٥ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

عظمة السيِّدة خديجة (رضي الله عنها) ودورها الرائد

عمار كاظم

عظمة السيِّدة خديجة (رضي الله عنها) ودورها الرائد

إنّ الحديث عن أُمّ المؤمنين الكبرى خديجة بنت خويلد (رضي الله عنها) حديث عن فصل مضيئ من تاريخ هذه الأُمّة وأمجادها الخالدة.. وهو حديث عن عظمة المرأة المسلمة وقدوتها الرائدة في مسار العقيدة والتضحية والجهاد.. ولعظيم موقعها، وأهمية دورها في حياة هذه الأُمّة وإخلاصها لزوجها الرسول الهادي محمّد (صلى الله عليه وآله وسلم) وتفانيها في نصرة الدعوة بالمال والنفس والإخلاص استحقت تحية الربّ العظيم، كما استحقت ثناء النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) وعيشها في قلبه الأمين طيلة حياته المباركة، فهو لم يسأم من ذكرها، والثناء عليها، والإصحار عن حبّه لها أمام زوجاته فهي وحدها استحقت هذه الدرجة من الحب النبويّ الكريم الذي عبّر عنه (صلى الله عليه وآله وسلم) بقوله: «إنّي لأحب حبيبها».. لقد كان حبّ الرسالة والقيم المعبر عن تقدير وتكريم مكانتها عندما تقتدي بخديجة (رضي الله عنها) وإخلاصها وطهرها وتضحيتها. إنّ معرفة حياة خديجة (رضي الله عنها) توفر لنا العبرة والوعي وترسم أمامنا سلوكية المرأة القدوة. خديجة (رضي الله عنها) أوّل نساء هذه الأُمّة إيماناً وتصديقاً بنبوّة النبيّ الأعظم محمّد (صلى الله عليه وآله وسلم). وقد يقول قائل لأنّها زوجته، وليس في ذلك ما يُعاب، ولكن ذلك ليس قاعدة على طول الخطّ، فزوجة نوح وزوجة لوط كانتا تحت عبدين صالحين فخانتاهما، فليس من الضروري أن تكون الزوجة تبعاً لزوجها فيما تعتقد، فهي حرّة التفكير والاعتقاد كما هو حرّ التفكير والاعتقاد. إنّها إذاً طهارة العقل والقلب والروح والفطرة تفتّحت كلّها لاستقبال أنوار الإسلام الأولى.. إذ كان يمكن أن تتنكّر خديجة (رضي الله عنها) لما جاء به النبيّ محمّد (صلى الله عليه وآله وسلم) لأنّها عاشت الجاهلية الأولى، كما كان يمكن أن تخاطبه بما خاطبه به المشركون: سفّهت ديننا ودين آبائنا وأجدادنا، لكنّها لم تغلق نوافذ العقل والقلب والنفس والجوارح إزاء تباشير النور الذي ينير العقل فيطرد منه كلّ خرافة وكلّ أسطورة وكلّ تخلّف، وينير القلب فيُبعد عنه كلّ حقد وكلّ عداوة وكلّ بغضاء وكلّ ميل إلى فحشاء أو منكر، وينير النفس والجوارح فينطلقان في الحياة بأفق أرحب ونهج أطيب وعود أصلب. أُمّنا خديجة (رضي الله عنها) كانت حرّة التفكير لم يمارس معها النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) أيّة ضغوط حتى تسلم لربّ العالمين، بل صدّقته منذ اللحظة الأولى لأنّها على خلاف قريش التي وجدت آباءها على ملّة وإنّها على آثارهم مقتدون، والتي كانت على مدى أربعين عاماً تصف محمّداً (صلى الله عليه وآله وسلم) بالصادق الأمين، وإذا بها بين عشيّة وضُحاها تنقلب على أعقابها فتصفه بالكاذب والساحر والشاعر والكاهن والمجنون. وتساءلت خديجة (رضي الله عنها) في صفاء وهدوء عقل: إنّ صادقاً امتاز واتّسم بالصدق حتى اقترن به كظلّه، كيف يكذب في لحظة؟! ولم تشأ أن ترتكب الخطأ الجسيم الذي ارتكبوه، فكانت صدِّيقة هذه الأُمّة. وهذا هو أحد أسباب إكبارنا لهذا النموذج النسائي الأعلى الذي لا يستسلم لألفة الآباء ولا يكون إمّعة يقول أنا من الناس وأنا كواحد من الناس، وإنّما يفكِّر بعقل حرّ بمعزل عن كلّ التأثيرات الجانبية. وهذا هو أيضاً - إلى جانب أسباب أخرى كثيرة - هو سبب مودّة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) لها واحترامها والمبالغة في تعظيمها، حتى أنّه كان يشاورها في أُموره، ولِمَ لا وهي صاحبة العقل الحرّ والتفكير الحرّ. ومنذ البدء وقفت أُمّ المؤمنين خديجة (رضي الله عنها) موقفاً مشرّفاً في الدفاع عن رسالة النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) وفي التخفيف من الآلام التي كان يعانيها جرّاء عنت قومه وجهلهم وتطاولهم عليه، حيث قابلت ذلك كلّه بمزيد من الدعم والمناصرة والصبر والاحتساب. وربّما لا يكون القول في أنّ الإسلام انتصر بأموال خديجة وحدها دقيقاً، فقد تحمّلت المحن وعانت أشدّ الآلام بسبب مقاطعة النسوة القرشيّات والحصار المفروض على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) والمؤمنين برسالته، فكانت مواقفها المساندة والمعاضدة لخُطى النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم)، تُمثِّل المأوى الأمين والملجأ الحصين والصدر الحنون والساعد المعيّن في وقت عزّ فيه الناصر وانعدم المعين. إنّ دور المرأة في امتصاص آلام زوجها والتخفيف من وطأة الغربة التي يعيشها في قومه بما تزجيه من كلمات التصبير والتشجيع والتأييد يفعل فعل السحر في نفس الرجل العامل، وإذا صحّ أنّ وراء كلّ عظيم امرأة. لقد ارتأت المشيئة الإلهيّة أن يكون من نسل السيِّدة خديجة (رضي الله عنها) النسل الطاهر الذي تمثّل بالزهراء (علیها السلام) وبنيها ممّن أذهب الله عنهم الرجس أهل البيت وطهرهم تطهيراً.. وهذا ما أشار إليه الإمام الصادق (عليه السلام) عندما قال: «إنّ الله جعل السيِّدة خديجة وعاءً لأنوار الإمامة». تُوفيت أُمّ المؤمنين خديجة الكبرى (رضي الله عنها) في العاشر من شهر رمضان. اليوم حاجتنا كبيرة ونحن نستعيد ذكرى وفاة السيِّدة خديجة (رضي الله عنها)، إلى خديجات كُثر أمثالها من الرجال والنِّساء، الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله، ويصبرون من أجل الرسالة، ويسكنون الإيمان والفرح داخل بيوتهم سكناً، ويبلّغون دعوة الله، وبذلك يستحقون ما استحقت من الوسام من الله، عندما نزل جبريل (عليه السلام) على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ليبشّرها ببيت في الجنّة من قصب لا صخب فيه ولا نصب. فالسلام عليها يوم وُلِدت، ويوم بذلت وقدّمت من أجل الله ورسوله، ويوم تُبعث حيّة في البيت الذي وعدها الله.

ارسال التعليق

Top