• ١٨ نيسان/أبريل ٢٠٢٤ | ٩ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

شهر رمضان.. تعاليم ووصايا أخلاقية

عمار كاظم

شهر رمضان.. تعاليم ووصايا أخلاقية

حُسن الخُلق.. جواز على الصّراط:

في حديث النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) الذي استقبل به شهر رمضان، تحدث عن قضية مهمة في كلّ ما ينبغي للمسلم أن يلتزمه وأن يتصف به وأن يُخضع حياته له، ولا سيما في هذا الشهر الذي أراد الله تعالى له أن يكون منطلقاً لبقية شهور السنة، بحيث يركّز الإنسان فيه قيمة أخلاقية وروحية ليمتد إلى بقية شهور السنة، لأنّ الله جعل هذا الشهر انفتاحاً على ما يتلوه من الشهور، فقال (صلى الله عليه وآله وسلم): «أيّها الناس، من حسّن منكم في هذا الشهر خُلقه، كان له جوازاً على الصراط يوم تزلّ فيه الأقدام».

نحن نعرف أنّ هناك في يوم القيامة صراطاً يسير الناس عليه، فمن كان قريباً من الله تعالى، فسوف تثبت قدمه على هذا الصراط، ومن كان بعيداً عن الله، زلّت قدمه ووقع في النار. والنبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) يريد أن يؤكد أن حُسن الخُلق يجعل الإنسان ثابت القدم، وذلك كناية عن أن الصراط يسير به إلى الجنّة.

وقد تحدّث النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) عن أنّ الأساس في الشريعة الإسلامية هو تأكيد مكارم الأخلاق: «إنما بُعثت لأتمم مكارم الأخلاق»، فقد أرسل الله رسله بكل المنهج الأخلاقي الذي يتصل بسلوك الإنسان في نفسه ومع أهله ومع الناس جميعاً، وكانت الرسالات تنطلق في هذا الاتجاه، فكانت كلّ رسالةٍ تضيف جزءاً مهمّاً من المفردات إلى هذا المنهج، حتى اكتمل ذلك برسالة نبيّنا محمّد (صلى الله عليه وآله وسلم).

تربية النفس على مكارم الأخلاق:

وقد أراد النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) في بعض كلامه، أن يثير مسألةً في المنهج الأخلاقي في الإسلام، وهي أنّ الأخلاق ليست منطلقة من عملية تبادل؛ أن أصلك لأنّك وصلتني؛ أن أعطيك لأنّك أعطيتني؛ أن أعفو عنك لأنّك عفوت عني؛ فالأخلاق ليست عملية تبادلية، ولكنّها تنطلق من عمق شخصيتك. وهذا ما جاء عن النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم): «ألا أدلّكم على خير أخلاق الدُّنيا والآخرة؟ أن تصل من قطعك، وتعطي من حرمك، وتعفو عمّن ظلمك»، بمعنى أن تنطلق الأخلاق من داخل شخصيتك بمبادرة من ذاتك، لتكون الإنسان المعطاء حتى لمن حرمك، والإنسان الوصول حتى لمن قطعك، والإنسان العفوّ حتى لمن ظلمك. وقد عُبِّر عن ذلك في دعاء مكارم الأخلاق، وهي من أدعية الصحيفة السجادية للإمام زين العابدين (عليه السلام)، يقول: «وسدِّدني لأن أعارض من غشّني بالنصح، وأجزي من هجرني بالبرّ، وأثيب من حرمني بالبذل، وأكافي من قطعني بالصلة، وأخالف من اغتابني إلى حسن الذكر، وأن أشكر الحسنة وأغضي عن السيئة».

وقد ورد في حسن الأخلاق، أنّ الإنسان قد يكون له عمل بسيط، ولكن له خُلق حُسن، فيبلغ بخُلقه الحُسن درجة الصائم القائم. وورد عن الخُلق الحُسن، أنّه يذيب الخطيئة كما تذيب الشمس الجليد. لذلك، لابدّ من أن نربي أنفسنا على مكارم الأخلاق، ولا سيما في شهر رمضان، لا كما يفكّر بعض الناس، أن الصوم الذي يُسبِّب له الجوع والعطش، يبرر له الغضب على زوجته وأولاده وعمّاله. فدور الصوم هو أن يقوّي لك إرادتك على أن تجاهد نفسك، وأن يجعلك إنساناً يلتزم الطاعة، ويبتعد عن المعصية، وينفتح على الناس بكل الخير. فعلى الإنسان أن يحسّن في هذا الشهر خُلقه في أهله وفي مجالات عمله، ومع الناس الذين يعاشرهم ويعاشرونه، ويخالطهم ويخالطونه.

وهناك نقطة ثانية، وهي أنّه قد يكون هناك أناس ممّن يعيشون تحت سلطة شخص يحتاجون إليه ويعيشون الضعف أمامه. وما يتلاءم مع الخط الإسلامي الأخلاقي في هذا المجال، هو أن يخفِّف عنهم هذا الشّخص في شهر رمضان بعضاً من المسؤوليات التي يحمّلهم إيّاها، خصوصاً أن صومهم يجعلهم يواجهون بعض المشقات في تحمّل المسؤوليات. في هذا المجال، يقول النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم): «ومن خفّف في هذا الشهر عمّا ملكت يمينه ـ وهو كناية عمّن هم تحت سلطته ومسؤوليته ـ خفّف الله عليه حسابه، ومن كفّ فيه شرّه، كفّ الله عنه غضبه يوم يلقاه»، فإذا كنت لا تستطيع أن تعطي الناس من خيرك، فعلى الأقل كفّ عنهم شرّك، ولا سيما في طريقتك في الكلام أو في التعامل، فلا يصدر منك تجاههم أيّ سوء مما يصدر من الأشرار في السبّ والضرب وما إلى ذلك.

حفظ كرامة اليتيم:

ويتابع النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم): «ومن أكرم فيه يتيماً أكرمه الله يوم يلقاه»؛ باعتبار أن النظرة الإسلامية إلى اليتيم، هي أنّه أمانة الله في المجتمع، فاليتيم الذي فقد أباه الذي يقوم بشؤونه، أو فقد والديه، سيعيش الضياع، لأنّه لا يجد أحداً يرعاه في طعامه وشرابه وكسوته وتعليمه ورعايته. لذلك فإنّ الله يريد من المجتمع كلّه أن يتحمّل مسؤولية اليتيم ليكرمه. وكلمة إكرام اليتيم لها معنى، وهو أنّك عندما تريد أن تعين اليتيم، فإنّك تعينه مع حفظ كرامته وعزته؛ أن لا يشعر أمامك بأنّك تصله أو تقدّم إليه شيئاً يذلّه، بل لابدّ من أن تشعره بالكرامة والإنسانية.

وفي ضوء هذا، علينا أن نعمل على رعاية الأيتام في بيوتهم، وفي المبرات التي تكفل لهم كلّ حياتهم، من غذاء وشراب وكسوة وتعليم، لأنّ ذلك هو الذي يرتفع باليتيم إلى مستوى الكرامة، ويحوّله إلى إنسان صالح يمكن أن يحقق ذاته في المجتمع، وأن يخدم مجتمعه بطريقة وبأخرى. فلابدّ لنا من أن نعمل على أساس الاهتمام بهم، لنحصل على الجائزة الكبرى، وهي أن يكرمنا الله يوم نلقاه. وإكرام الله هو الذي لابدّ من أن يتنافس فيه المتنافسون، لأنّه يمثل رحمته وعفوه.

ويكمل النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم): «ومن وصل فيه رحمه ـ فالله أراد للناس أن يعيشوا هذا الجو الاجتماعي العائلي من خلال وصل الرحم، لأنّ الله أمرنا بذلك ـ وصله الله برحمته يوم يلقاه، ومن قطع رحمه قطع الله عنه رحمته يوم يلقاه». وصلة الرحم تختلف بحسب طبيعة الأساليب والوسائل ـ ومن تطوّع فيه بصلاة كتب الله له براءةً من النار، ومن أدّى فيه فرضاً كان له ثواب من أدّى سبعين فريضة فيما سواه من الشهور، ومن أكثر فيه من الصلاة عليّ ثقّل الله ميزانه يوم تخفّ فيه الموازين، ومن تلا فيه آيةً من القرآن ـ تلاوة تدبّر ووعي ـ كان له مثل أجر من ختم القرآن في غيره من الشهور. أيّها الناس، إن أبواب الجنان في هذا الشهر مفتّحة، فاسألوا ربكم أن لا يغلقها عليكم ـ بمعاصيكم وسيئاتكم وشروركم ـ وأبواب النيران مغلقة، فاسألوا ربّكم أن لا يفتحها عليكم، والشياطين مغلولة، فاسألوا ربكم أن لا يسلّطها عليكم».

ارسال التعليق

Top