• ١٩ نيسان/أبريل ٢٠٢٤ | ١٠ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

حركية الإمام محمّد الباقر (عليه السلام)

عمار كاظم

حركية الإمام محمّد الباقر (عليه السلام)

قصّة أهل البيت (عليهم السلام) هي قصّة الإسلام، والإسلام ليس شيئاً يتأطَّر في التاريخ، ولكنّه ينفتح على الحياة كلّها، لأنّ الإسلام هو الرسالة التي أراد الله أن يحيينا بها، وأن يعطي الحياة لكلّ جيل بحسب ما تحتاجه الحياة في عناصرها كلّها، إنّ في الجانب الفكري أو في الجانب العملي. ولذلك، فإنّ استعادتنا لذكرى أهل البيت (عليهم السلام)، هي استعادة لحركية الإسلام في حركتهم، من خلال المفاهيم التي طرحوها، ممّا لا يختلف فيه زمان عن زمان، ولا مكان عن مكان. والإمام الباقر (عليه السلام) هو الذي استطاع أن يغني الواقع الإسلامي في العمق وفي الامتداد، ذلك أن الظروف السياسية كانت تضغط بين وقت وآخر على هذا الإمام أو ذاك، فتمنعه من أن يبلّغ رسالته كاملة غير منقوصة، بفعل الاضطهاد الجسدي، والاضطهاد المعنوي، ومصادرة الحرّيات، وما إلى ذلك، ما منع بعض الأئمّة (عليهم السلام) من أن يزيدوا في عطائهم الإسلامي، فيما يتضمّنه الإسلام من عقائد وقضايا ومفاهيم ومناهج ووسائل وأهداف، فقد كانت مشكلتهم مع أكثر من حاكم في تلك المراحل، هي أنّ هؤلاء الحاكمين كانوا يعرفون ما يملكه أئمّة أهل البيت (عليهم السلام) من غنى الفكر والروح والحركة، ممّا لو اطّلع الناس عليه، لأقبلوا عليهم كما يقبل الظامئ على الماء.

ولقد عاش الإمام الباقر (عليه السلام) في أواخر الحكم الأموي، وامتدّت حياته إلى نهايات هذا الحكم وبدايات الحكم العباسي، فكان الأمويون مشغولين عنه من أجل الحفاظ على ملكهم، كما انشغل العباسيون عن ابنه الإمام الصادق (عليه السلام)، من أجل تأسيس ملكهم. ولذلك، اندفع الإمامان الباقر والصادق (عليهما السلام) ليغنيا الساحة الإسلامية بما وهبهما الله من علم. ونحن نقرأ في تراث الإمام الباقر (عليه السلام) وتراث ولده الإمام الصادق (عليه السلام)، أنّ علمهم هو من علم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، فالله أعطى رسوله علم ما أراد أن يبلّغه ممّا يحتاجه الناس، وهم قد أخذوا من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ذلك كلّه.

أمّا كيف كان أسلوب الإمام (عليه السلام)، فهو أسلوب القرآن وأسلوب النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) وأسلوب الأئمّة (عليهم السلام)، الذي يهدف إلى تركيز المجتمع وبنائه على القاعدة الفكرية الإسلامية، بحيث لا ينحرف المجتمع عن الخطّ الإسلامي الأصيل في غلّو هنا أو عداوة هناك، حتى في المسألة التي تتّصل بأهل البيت (عليهم السلام)، حيث رأى أنّ فرصة تسلّمه للحكم لم تكن واقعية آنذاك، ولكنّه كان يرى أنّ مسؤوليته تقع في خارج الحكم، وأنّ بناء المجتمع على قاعدة ثابتة منفتحة واسعة يوازي مسؤوليته عندما يحكم. وهكذا كان الإمام عليّ (عليه السلام)، فلم يتوقّف عطاؤه عندما كان خارج الخلافة، لأنّه كان يشعر بأنّه مسؤول عن الإسلام خارج الحكم، كما هو مسؤول عنه في داخل الحكم، لأنّ عليه أن يحفظ الإسلام: «فخشيت إن لم أنصر الإسلام وأهله، أن أرى فيه ثلماً أو هدماً، تكون المصيبة به عليَّ أعظم من فوت ولايتكم هذه، التي إنّما هي متاع أيّام قلائل، يزول منها ما كان، كما يزول السراب، أو كما يتقشّع السحاب، فنهضت في تلك الأحداث، حتى زاح الباطل وزهق، واطمأنّ الدِّين وتنهنه».

وكان (عليه السلام) يؤكّد علاقة المؤمنين مع بعضهم البعض في المجتمع، بالدرجة العليا التي يصبح فيها المجتمع كالجسد الواحد، فقد سأله بعض أصحابه، وهو سعيد بن الحسن، قال: «أيجيء أحدكم إلى أخيه، فيدخل يده في كيسه، فيأخذ حاجته فلا يدفعه؟ فقلت: ما أعرف ذلك فينا. فقال أبو جعفر (عليه السلام): فلا شيء إذاً»، أي أين إيمانكم إذاً؟ وأين الوحدة الإيمانية بين المؤمنين؟! وأين الجسد الواحد الذي يمثّله المجتمع المؤمن؟! «قلت: فالهلاك إذاً. فقال: إنّ القوم لم يعطوا أحلامهم بعد»، أي لم تكتمل عقولهم بعد، ولا يزال إيمانهم غير ناضج، فهم بحاجة إلى تعميق للإيمان أكثر، وإلى وعي لمسؤولية الإيمان في العلاقة بين المؤمنين أكثر.

ارسال التعليق

Top