• ١٩ نيسان/أبريل ٢٠٢٤ | ١٠ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

شهر رمضان.. بركات لا تعرف الحدود

شهر رمضان.. بركات لا تعرف الحدود

◄شهر رمضان من أفضل الشهور عند الله عزّوجلّ، تحلّ بركاته على أهل الأرض أجمعين، ومن كلّ الألوان والأطياف، مسلمين ومسيحيّين وبقية الديانات، حتى ممّن لا يؤمن بدين سماوي.

دورة تدريبية

هو شهر الامتحان لتحضيرٍ سبقه أحد عشر شهراً، وهو كنز ثمين تمتدّ آثاره لأحد عشر شهراً تالية.

هو دورة تدريبية تمتدّ إلى شهر كامل، وطيلة الليل والنهار، فهو يستقبلكم وأنتم في بيوتكم، أو مراكز أعمالكم، وأينما كنتم، لأنّكم داخل ميدان رمضان.

هذه الدورة مواضيعها متعدِّدة، وترتبط بكلّ أفراد المجتمع، ولكلّ الأعمار والأجناس، والكلّ مطلوب منه المشاركة، فهي دورة إلزامية، لما فيها من فائدة تمتدّ إلى عام كامل قادم وأكثر.

لو حلّلنا موضوعات هذه الدورة، لوجدناها مرتبطة بكلّ شؤون الدنيا والآخرة، وبكلّ أبعاد الشخصية الإنسانية... وفعلاً، هي تشكّل الغذاء الكامل لكلّ أبعاد النفس الإنسانية التي تنغمس في فضاء رمضان، لتتطهّر ممّا سبق، ولتصبح جاهزةً لتلقّي النورانية، حتى تستمرّ عاماً تالياً تعيش ببركة رحمة الله.

من بركات رمضان

لنُعدِّد بعض الموضوعات التي يستفاد منها خلال هذه الدورة الإلزامية :

أوّلاً: على الصعيد الجسدي الحركي: "صوموا تصحّوا"، فهي تدريب على تحمّل الجوع والعطش والألم والمرونة واللياقة البدنية.

وهي شفاء لأمراض جسدية شتّى، منها البدانة والسمنة المفرطة، والخلل بأعمال بعض الغدد الصمّاء والمدمنين لأُمور شتّى.. كذلك لأغلب الأمراض المعوية الداخلية التي تهدأ خلال هذا الشهر، إن التزمنا بنظام الطعام والشراب طيلة الشهر المبارك.

ثانياً: على صعيد الجانب اللساني الاجتماعي، فهو فرصة للتواصل الاجتماعي الإيجابي، حيث تهدأ النفوس، وتتهذّب الألسُن بذكر الرحمن، وتكون فرصة للتواصل الاجتماعي الإيجابي للتعاضد والتعاون مع كلّ أطياف المجتمع.

فالغنيّ في هذا الشهر يتحسّس جوع الفقير، حيث يتقاسم حبّة التمر ولقمة الخبز مع أخيه الفقير، وتتضافر كلّ الجهود لتجتمع كلّ فئات المجتمع على موائد الرحمن، لأنّ الجميع في ضيافة الله خلال شهر رمضان الكريم.

ثالثاً: الجانب النفسي الانفعالي: "صوموا تصحّوا". تهدأ النفوس، وتبرد القلوب، وتصبح جاهزةً لتعيش شهر الرحمن. من هنا، فإنّ الصيام هو علاجٌ للتوتر والقلق والخوف والحصر النفسي والاكتئاب والعصبية الزائدة والنفس الغضبية وأصحاب الغضب والعنف والعدوان.

رابعاً: الجانب المعرفي العقلي: الجسد يهدأ، والنفوس تهدأ، ومعها تهدأ النفس الغريزية، وتترك مجالاً للعقل ليحلّق. من هنا، يصبح العقل أكثر جهوزيةً للتلقّي، وأكثر قدرةً على التفكّر، وتزداد من خلال قراءة القرآن والذكر والتسبيحات والدُّعاء، وقراءة ما تيسّر من كُتُب العلم والمعرفة، ومشاهدة ومناقشة أهل العلم والمعرفة...

خامساً: الجانب الروحي: إنّه شهر الروح، يطلب من النفس أن تخفِّف الطعام والشراب إلى أدنى حدّ، هو كفاف العيش، ومن القلب أن يبرد ويهدأ، ومن اللسان أن ينشغل بذكر الله، ومن الجوارح أن تخمد شهواتها، ومن العقل أن يتفكّر.

حتى تسمو الروح

فتصبح الروح بعد الصوم في هذا الشهر جاهزةً للنهوض والحياة والتحليق ليل نهار، لتنهل من البركات الإلهيّة، ولتسبح في ملكوت الرحمة، لتغتسل وترقى وتصبح قادرةً على السموّ والتقدّم أكثر في إنسانيّتها، ولتقطف ثمار العبادة، وهي التحلّي بأخلاق الإيمان التي تسدل آثارها على كلّ أبعاد النفس الإنسانية، بحيث ترتبط كلّ جارحة، وكلّ عضو من أعضاء الجسد، بقيمةٍ تكون تجلّياً لعظمة الخالق.

فترتبط اليد بالكرم، والكفّ بالأمانة، والعين بالإخلاص وعدم الخيانة، والأذن بحسن الإصغاء والاستماع، والقدم بالشجاعة، واللسان بالصدق، والقلب بالمحبّة، والدماغ بالعقل، والعقل بالتبصّر والتفكير والتفكّر، والجوارح بالعفّة، والأنف بالرفعة والإباء والشهامة، والدم الذي يجري في العروق بالقوّة والتضحية والإيثار.

وعندما تتجلّى كلّ القيم بكلّ أنحاء الجسد، ترتقي الروح لتلامس الطهارة الكاملة التي تؤهّلها لتعزيز إنسانيّتها وانتمائها إلى الخالق، لتجسيد الطهارة أعمالاً صالحة للنفس ولكلّ البشر، ولتكون قناديل مضيئة في كلّ الأزمان.

سادساً: دورة بعلوم الإدارة العادية والإستراتيجية والتربوية والاجتماعية والأخلاقية والدينية والعسكرية، وكلّ مجالات العلم والعمل. ونعطيكم مثالاً صغيراً:

مَن أراد التدرّب على إدارة الوقت، فعليه أن يلتزم مواقيت الصلاة ليل نهار، ومواعيد الإفطار والسحور، حتى الإمساك وطلوع الفجر، ثمّ ليلة القدر.

إنّ ثمار هذه الدورة وموضوعاتها لا تُعدّ ولا تُحصى، لأنّ لكلّ مكلَّف برنامجاً أعدّه الله له ليجلي بصره وبصيرته، وهنا التنافس للمتنافسين، إذ إنّ عليهم أن لا يلتهوا بأصناف الطعام والشراب المقدَّم خلال دورة التدريب، أو بالنوم واللهو.

في حلول شهر رمضان، شهر التوبة والغفران، نسأل الله أن يجعلنا من تلامذة دورة رمضان، وأن نجاهد لنستفيد من كلّ لحظة وفي كلّ الأوقات، وأن يكون هذا الشهر خير فرصة لتلاقي القلوب.►

 

*اختصاصي ومعالج نفسي تربوي وعيادي

ارسال التعليق

Top