• ٢٨ آذار/مارس ٢٠٢٤ | ١٨ رمضان ١٤٤٥ هـ
البلاغ

التدريبات الوجدانية في حياتنا اليومية

التدريبات الوجدانية في حياتنا اليومية

◄قبل أن نستعرض التدريبات الوجدانية التي تساهم في تقوية الشخصية، علينا أن نقدم مجموعة من المبادئ التي يجب أن نضعها نصب أعيننا ونستهديها في وضع التدريبات الوجدانية واستخدامها في حياتنا اليومية والمبادئ هي:

أوّلاً: إنّ ما تحس به من وجدانات وعواطف لا يعدو أن يكون قشرة ضئيلة من الطاقة الوجدانية التي تشتمل عليه شخصياتنا. ولعلنا لا نبالغ إذا ما قلن أنّ هناك بركاناً وجدانياً مدفوناً في أعماقنا. ولا يظهر منه على سطح سلوكنا سوى شذرات قليلة.

ثانياً: إنّ الخبرات الوجدانية المدفونة في دخائلنا والتي نسيناها فلا تطفو على سطح عقلنا الواعي أكبر حجماً وأشد عنفاً من العواطف التي نحس بها والتي ندركها بشعورنا الواعي.

ثالثاً: هناك حدود تقف عندها سيطرتنا على وجداناتنا وانفعالاتنا وعواطفنا. ولعلّنا نزعم أنّنا لا نتحكم إلّا في المراحل الأولى من اشتعال الوجدان أو العاطفة أو الانفعال. ولكن ما أن يقع التفجر الوجداني العاطفي الانفعالي حتى نصير كقشة في مهيب الرياح، إذ تأخذ بنا تلك العواطف الانفعالية كلّ مأخذ ولا يكون لنا حيلة بإزائها.

رابعاً: إنّ الحياة الوجدانية – شأنها شأن أي قطاع بالشخصية – قابل للترويض والتربية والتهذيب والالجام. ولكن إذا لم يقيض للمرء تربية عواطفه، فإنّه يصير عرضة للطيش الوجداني الانفعالي وتأتي تصرفاته مشوبة بالاندفاع غير الموجه الذي يؤذيه ويؤذي مَن يتعاملون معه.

خامساً: إنّ المرء بحاجة في جميع مراحل حياته إلى التدريبات التي تصقل حياته الوجدانية وتنقي سلوكه العاطفي وذلك بسبب الإعوجاجات التي تلحق بسلوكه.

وبعد أن استغرضنا هذه المبادئ الخمسة التي تخضع لها الحياة الوجدانية للمرء، فيكون حرياً بنا أن نبدأ في تقديم ما نراه كفيلاً بصقل السلوك الوجداني العاطفي الانفعالي من تدريبات تتعلق بهذا الشأن على النحو التالي:

 

أوّلاً: تدريبات التفريغ الانفعالي:

التدريب الأوّل: هذا التدريب ينبني على أساس أنّ هناك أحزاناً بدخيلة المرء لم يتح لها أن تخرج إلى حيز الواقع السلوكي ومن ثمّ فإنّها كبتت في اللاشعور وتضغط علينا من الداخل، ولا سبيل للتخلص من ضغطها إلّا بالنبش عنها وجعلها تطفو على سطح مشاعرنا فنعبِّر عنها بعواطفنا وأعيننا بذرف الدموع والتجاوب مع الذكريات التي عمل النسيان على تغليفها دون محوها تماماً. ولتحقيق ذلك النبش عن أحزاننا إعمل ما يأتي: إجلس مع نفسك في مكان تضمن فيه خلوتك بعيداً عن أعين الرقباء. قم بتذكر أحزانك الدفينة. ربما تساعدك بعض الصور الخاصة بأحباء لك فارقوا الحياة أو سافروا بعيداً على إثارة مشاعرك. لا تمنع نفسك من الاندفاع والتفجر العاطفي. إترك دموعك تنهمر ما شاء لها أن تنهمر. إنّ الدموع الساخنة فيها شفاء لنفسك وفيها راحة لحياتك الوجدانية. حاول إجراء هذا التدريب كلّ شهر مرة على الأقل. سوف تحس بالراحة النفسية تملأ جنباتك وقد انزاحت عنك أحزانك بعد أن تفجرت الشحنات المكبوتة بداخلك.

التدريب الثاني: احضر حوالي خمسين فرخاً من الورق الفولسكاب، واجلس وحدك في مكان هادئ. وابدأ في تناول فرخاً منها بعد فرخ وقم بتقطيعه إلى ثماني قطع متساوية وذلك بتطبيق حوافه بعضها على بعض. استمر في هذه العملية البسيطة بهدوء وبطء. إنّك ستحس بالراحة النفسية بعد الانتهاء من تقطيع تلك الأفرخ وذلك لأنّك تكون قد فرّغت شحناتك الانفعالية المكبوتة في دخيلتك بهذا التقطيع الذي استغرق منك حوالي ربع ساعة. فالورق هنا يرمز إلى العقبات التي عوقت تفريغ طاقتك الوجدانية ولكنك استطعت أن تخرج تلك الطاقة المكبوتة عن طريق الرمز الممزق. على أنّك سوف تستفيد من الورق الذي قسمته إلى قطع صغيرة كمذكرات أو خلافه.

 

ثانياً: تدريبات الشجاعة والتخلص من المخاوف:

علينا قبل أن نقدّم بعض التدريبات على الشجاعة أن نعرف هذا اللفظ. إنّنا نعتقد أنّ الشجاعة هي الخلو من الخوف من الأشياء أو الأشخاص أو الكائنات أيّاً كانت التي يجب ألا نخاف منها. ونحن نميّز بين الشجاعة وبين التهور. فالمتهور لا يخاف من أشياء يجب أن يخاف منها. والجبن عكس الشجاعة والشخص الجبان قد يخاف من الفأر ومن الكلب ومن مشاهدة هيئة بعض الأشخاص كأن يخاف أحد الجبناء من مشاهدة رجل له شارب. والجبان يخاف من أشباح لا وجود لها إلّا في مخيلته الجبانة. ولكي تصير شجاعاً يجب أن تتخلص من المخاوف التي اكتسبتها في طفولتك وظللت تخاف منها حتى الوقت الحاضر وفي سنك هذه. ولكي تتخلص من تلك المخاوف عليك بممارسة التدريبات الآتية:

التدريب الأوّل: إذا كنت تشعر بالخوف من الكلاب مثلاً، فعليك بالمبادرة بشراء كلب صغير من النوع الذي يكبر ويصير مخيفاً من نظرك. قم برعاية ذلك الكلب الصغير. إنّه يكبر بينما يصغر الخوف في قلبك من جميع الكلاب. وهذا النوع من التدريب يعتبر تدريباً بطيئاً وتدريجياً، ويعتمد على مبدأ انطفاء استجابة الخوف لديك على مدى طويل.

التدريب الثاني: إذا كنت تشعر بالخوف من شخص بالذات مع أنّك تعرف بعقلك أن ليس له سلطان عليك، ولكنه استغل فيك خوفك منه وفرض سيطرته عليك، فإنّك لكي تحطم هذا الخوف الوهمي، فإنّ عليك، باستخدام طريقة الصدمة المفاجئة. انتهز أوّل فرصة تتقابل فيها مع ذلك الشخص واختلق موقفاً متوتراً وقم بمهاجمته. إنّك ستجد أنّه تحطم أمامك وأنّك بالتالي قد صرت سيد الموقف، ولن يساورك الخوف منه بعد ذلك. لا تتردد في انتهاج هذا الأسلوب الخاطف لأنّه الأسلوب الوحيد الذي يخلصك من القيود العنكبوتية التي قام بغزلها حولك فقيد حركتك واستلب حريتك.

 

ثالثاً: تدريبات الاسترخاء النفسي والعصبي:

أنتَ تعلم أنّ المخ هو الجهاز المسيطر على كيانك الجسمي. فكلما كان مخك في حالة جيدة كانت قدرتك على السيطرة على سلوكك أقوى وأنجع. ومن المفروض أنّه بعد انتهاء المواقف التي تدعو إلى توتر أعصابنا عودة تلك الأعصاب إلى ما كانت عليه من ارتخاء. ولكن الذي يحدث أنّ أعصابنا كثيراً ما تظل على حالها من التوتر بعد أن يمرّ الموقف الذي تطلب توترها. وهكذا نجد أنّه عندما يحدث موقف جديد يثير التوتر، فإنّ التوتر الجديد ينضاف إلى التوتر القديم. وهكذا دواليك بالنسبة للمواقف التالية التي تستثير التوتر. لذا فإنّ هناك حاجة إلى إعادة الأعصاب إلى حالتها الأولى من الارتخاء. وهذا يتأتى باتباع التدريبات الآتية:

التدريب الأوّل: خصص ما لا يقل عن ربع ساعة يومياً قبل النوم لإجراء تدريب الاسترخاء. استلق على ظهرك. استمع إلى موسيقى خفيفة حالمة. أبدأ بعضلات وجهك. هل حاجباك مشدودان بتوتر؟ استرخ. هل تكز على أسنانك؟ هل تعض شفتيك؟ إذا كان هذا هو حالك فوجِّه الأمر إلى عضلات وجهك بأن تسترخي.

تدرج بعد ذلك إلى ذراعيك ثمّ إلى فخذيك ثمّ إلى ساقيك حتى مشطى رجليك. تأكّد من أنّ جميع عضلاتك قد صارت في حالة استرخاء. إنّك إذا ما انتظمت على هذا التدريب، فإنّك سوف تجد أنّ حالتك المزاجية العامة في تحسن مستمر وأنّك صرت في حالة طيبة وخالياً من التوتر العصبي إلى حد بعيد.

التدريب الثاني: انتهز فرصة عدم ارتباطك بأعمال هامة وقرر أن تبعد عن البيئة التي دأبت على التواجد بها. يستحسن أن تبعد حتى عن أُسرتك وتتوجه إلى مكان بعيد غير مألوف لك. فمثلاً إذا كنت من أهل المدن توجه إلى الريف. وإذا كنت من أهل الريف توجه إلى إحدى المدن. إنّ تغيير البيئة الطبيعية والبيئة الاجتماعية معاً لمدة يوم أو يومين كفيل باستعادتك لاسترخائك العصبي والنفسي. ولكن حذار من أن تحمل همومك ومشاكلك معك إلى البيئة الجديدة التي هربت إليها لبعض الوقت.

رابعاً: تدريبات الحس الجمالي: كثير من الناس يفقدون الشعور بالجمال برغم أنّ الأشياء الجميلة كثيرة وتغلف حياتهم. قد يكون الزوج متزوجاً من زوجة في غاية الجمال ولكنّه لا يحس بجمالها. وقد يكون المرء قاطناً بمسكن يطل على النيل ولكنه لا يحس بجمال المنظر الذي يطل عليه. وقد يعزو البعض فقدان الشعور بالجمال إلى الألفة. ولكن الواقع أنّ مَن يفقد الشعور بالجمال لا يحس به إذا ما شاهد مناظر جميلة لا يألفها. إذن فالألفة ليست السبب في فقدان الشعور بالجمال. ففقدان الشعور بالجمال يشبه الصدأ الذي يغطي الآنية التي كانت لامعة ذات يوم. فلكي تستعيد شعورك بالجمال، عليك بممارسة التدريبات الآتية:

 

تدريبات على المشاركة في صنع الجمال:

لا يكفي أن تكون مستهلكاً للموضوعات الجمالية، بل يجب أن تكون ممارساً وصانعاً الجمال. حاول أن تغني فيتدعم شعورك بجمال الأغنية. حاول أن ترسم فتحس بجمال الرسم وما يقع عليه بصرك من صور جميلة ومناظر شائقة. كن إيجابياً في موقفك من الجمال، فتجد أنّ تذوقك للجمال قد صار أكمل وأدوم. اشترك مع شريكة حياتك في تذوقها للجمال في اختيار ألوان ملابسها وملابسك. ابحث عن الجمال في كيانها وابرزه وأكّد عليه فذلك يسعدك ويسعدها. تذوق الجمال في مأكلك ومشربك وملبسك وفي أوراقك وفي كلّ شيء تمتد إليه يدك ودرِّب نفسك باستمرار على تذوق الجمال وعلى خلقه في نفس الوقت.►

 

المصدر: كتاب شخصيتك بين يديك

ارسال التعليق

Top