• ١٩ نيسان/أبريل ٢٠٢٤ | ١٠ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

أخلاق النهضة الحسينية

عمار كاظم

أخلاق النهضة الحسينية

جاءت الرسالة الإسلامية الخاتمة لهداية الإنسان، وتحريره من جميع ألوان الإنحراف من فكره وسلوكه، وتحريره من ضلال الأوهام ومن عبادة الآلهة المصطنعة، وتحريره من الانسياق وراء الشهوات والمطامع، وتهذيب نفسه من بواعث الأنانية والحقد والعدوان، وتحرير سلوكه من الرذيلة والانحطاط. وقد اختصر رسول الله (ص) الهدف الأساسي من البعثة بقوله المشهور: "إنّما بُعثت لأُتمم مكارم الأخلاق". وقد واصل الأوصياء والأئمة من أهل البيت (ع) هذه المهمة لتترجم في الواقع في أعمال وممارسات وعلاقات، ولهذا كانت الأخلاق هي المحور الأساسي في حركاتهم، وقد جَسَّدَ الإمام الحسين (ع) في نهضته المباركة المفاهيم والقيم الأخلاقية الصالحة، وضرب لنا وأصحابه وأهل بيته أروع الأمثلة في درجات التكامل الخلقي. فرفض الإمام الحسين (ع) اللجوء إلى الكعبة لكي لا تستباح حرمتها، وكان يقول لمن طلب منه الإلتجاء إليها: "إنّ أبي حدّثني أنّ لها كبشاً به تستحل حرمتها فما أحبّ أن أكون أنا ذلك الكبش". وقال لعبدالله بن الزبير: "يا ابن الزبير، لأن أدفن بشاطئ الفرات أحبّ إليَّ من أن أدفن بفناء الكعبة". الوفاء بالعهود والمواثيق من الأخلاق الفاضلة في جميع الأديان إلهية كانت أم وضعية، وقد جسّدت النهضة الحسينية هذه القيم الأخلاقية في أشدّ المواقف خطورة. فبعد إتفاق الإمام الحسين (ع) مع الحر بن يزيد الرياحي على أن يسايره فلا يعود إلى المدينة ولايدخل الكوفة طلب منه الطرماح بن عدي أن ينزل قبيلة طي ليلتحق به عشرون ألف طائي، فقال له الإمام (ع): "أنّه كان بيننا وبين هؤلاء القوم قول لسنا نقدر معه على الإنصراف". أنّ أتباع الحق يقاتلون من أجل هداية الأعداء إلى المنهج الربّاني لتحكيمه في التصوُّر وفي السلوك وفي واقع الحياة، وهم لا يقاتلون إنتقاماً لذواتهم وإنما حبّاً للخير ونصراً للحق، ولذا نجدهم رحماء شفوقين حتى مع أعدائهم ليعودوا إلى رشدهم ويلتحقوا بركب الحق والخير، وقد جسّد الإمام الحسين (ع) وأصحابه أروع ملاحم الإنسانية والرحمة والعطف، ففي طريقه إلى كربلاء التقى بأحد ألوية جيش ابن زياد وكان ألف مقاتل مع خيولهم وكانوا عطاشى، فأمر أتباعه بسقي الجيش، وقال لهم: "اسقوا القوم وارووهم من الماء ورشفوا الخيل ترشيفاً"، وقد سقى الإمام الحسين (ع) بنفسه ابن طعان المحاربي. كما أنكر أتباع الإمام الحسين (ع) ذواتهم وذابوا في القيادة التي جسّدت المنهج الإلهي في واقعها المعايش، فلم يُبقوا لذواتهم أيّ شيء سوى الفوز بالسعادة الأبدية.  في كلِّ نهضة هنالك قيادة وطليعة وقاعدة ترتبط بروابط مشتركة من أهداف وبرامج ومواقف، والقيادة دائماً هي القدوة التي تعكس أخلاقها على أتباعها، وفي النهضة الحسينية تجسّدت الأخلاق الفاضلة في العلاقات والروابط حيث الإخاء والمحبّة والتعاون والود والإحترام بين القائد وأتباعه وبين الأتباع أنفسهم، فالأتباع ارتبطوا بالقيم والمثل، ثمّ ارتبطوا بالقائد الذي جَسَّدها في فكره وعاطفته وسلوكه، فالأتباع تلقّون الأوامر بقبول ورضى وطمأنينة. ويخاطب الإمام أتباعه قائلاً: "قوموا يا كرام". ونتيجة لهذا الترابط الروحي بين القائد والأتباع، رفض الأتباع أن يتركوا الإمام الحسين (ع) لوحده بعد أن سمح لهم بالتفرُّق عنه، فهذا مسلم بن عوسجة يخاطب الإمام (ع) قائلاً: "أما والله لو علمت أنِّي أُقتل ثمّ أحيي ثمّ أحرق ثمّ أحيي ثمّ أذرّى يفعل ذلك بي سبعين مرّة، ما فارقتك حتى ألقى حمامي دونك". وبعد الشهادة، كان الإمام (ع) يقف على جسد جون وهو عبد أسود ويدعو له: "أللهمّ بيِّض وجهه وطيِّب ريحه".

ارسال التعليق

Top