• ٢٠ نيسان/أبريل ٢٠٢٤ | ١١ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

الحسين (ع).. سيِّد الإصلاح

عمار كاظم

الحسين (ع).. سيِّد الإصلاح

الإمام الحسين (عليه السلام)، هو الإمام الذي اختصّه الله بحمل رسالته، الشخصية التاريخية التي لا يجهلها أحد، والشخصيات التاريخية بطبيعة الحال هالات خاصّة ترفعها فوق الواقع المعاش.

استشهد الإمام الحسين (عليه السلام) ورجاله الشجعان في حربٍ غير متكافئة، لقد دفعت بالإمام الحسين (عليه السلام) حقائق بأن يخوض غمار أعظم ملحمة في التاريخ البشري، ولو كان لا يرجى منها النصر العسكري، ولكنّه كان يهدف بعمله وإقدامه هذا إلى أن يهزّ ضمير الأُمّة، وأن يُعيد للإنسانية صورتها وشأنها وعزّتها وإسلاميتها، يُعيد للإنسان همّه الرسالي الكبير، بعد أن غرق حتى أُذنيه بهموم مصلحية.

لقد رأى الحسين (عليه السلام) سيِّد الإصلاح في رسالة جدّه (صلى الله عليه وآله وسلم) أن يشقّ طريقه وسط الأُمّة، وأن يبذل وجوده ووجود أصحابه وأهله وذويه، بعملٍ فدائي لاهب، وأن لا يبخل على سيرته بما يحتاج من وقود، سواء من دماء الأُمّة وآلامها، أو من قلبه ودمه، فقاوم الظالمين الطُّغاة للحفاظ على رسالة الإسلام وحياتها، من الانحراف التي كادت أن تقضي على معاني العقيدة وتجربتها الإسلامية، لو أنّ أوضاعها استمرت طليقة في حياة المسلمين.

إنّ الإمام الحسين (عليه السلام) نهض للإصلاح وإعادة أمور الدين إلى نصابها، القضية ليست موقفاً شخصياً ذاتياً وإنما هي قضية إنسانية تتعلق بالحفاظ على مصلحة الأُمّة. فكان تحريك إرادته بفدية تتوهّج بالدم، وبدم مثل دم الحسين (عليه السلام) الطاهر بالذات، مبرهناً على صدق رؤيته وبتضحيته الفريدة، فكان فعلاً كما أراد عندما وضع مفصل قناعاته موضع التنفيذ، فالحسين (عليه السلام) باستشهاده الفاجع أيقظ الإرادة المخدّرة، فكانت شوطاً لاهباً، أيقظت النفوس الغافلة، وهو بهذا قد أخرجها إلى مواقف ثابتة، فكانت المنار المشعّ في طريق الإصلاح والمصلحين.

لقد أراد الحسين (عليه السلام)، فتح العيون المغلقة على الحقيقة، وتبصرة من رانت عليهم الغفلة، ومَن أصابهم داء التحريف والانحراف، فوقعوا في مهاوي العتمة وغياهب الظلمة، فأبرز لهم الحسين (عليه السلام) حركة رائدة في سبيل الحقّ، واقعية المنطلق والغاية، فالحقّ باعثها وسبيلها ورائدها وسلاحها، وغايتها التي بلغت مداها. إنّ قيمة قيام الإمام (عليه السلام) على هذا الأساس تضاعفت كثيراً، وأخذ الدرسُ الحسيني وضعية خاصّة، لأنّ هذه الأُسس التي قامت عليها أعطت للنهضة الحسينية جدارتها، فاستحقت تلك النهضة الحياة والخلود والبقاء على مر السنين والأعوام.

لم تكن حركة الإمام الحسين (عليه السلام) مجرد حركةٍ سياسيةٍ، بالمعنى التقليدي للكلمة بل هي حركةٌ إسلاميةٌ في معنى الإسلام في الثورة، بحيث نلتقي فيها بالأبعاد الرسالية في خطوطها التفصيلية التي تحدّد لنا شرعية النهج الثوري المتحرك في نطاق التضحية حتى الاستشهاد، وفي طبيعة الظروف الموضوعية المحيطة بالحَدَث الكبير في تلك المرحلة، وفي الظروف المماثلة لها في المراحل الأخرى؛ الأمر الذي يجعلها حالةً تطبيقية للخط الإسلامي النظري في الصراعات الداخلية التي يعيشها الواقع الإسلامي بين خطّ الاستقامة وخط الانحراف، في الموقع القيادي الشرعي أو في الموقع المتمرد على الشرعية.

فلم يكن الحسين (عليه السلام) ثائراً يتمرَّد على الذل من موقع إحساسه الذاتي بالكرامة، أو التزامه العائلي بالعزّة؛ ولم يكن إنساناً متمرّداً على الواقع في المزاج التمرّدي الذي يرفض الأوضاع الخاصّة التي لا تنسجم مع مزاجه. وهذا ما يفرض علينا أن ندخل في عملية مقارنة بين ظروف المرحلة التي عاشها الإمام الحسين؛ وظروف المرحلة التي نعيشها، في طبيعتها، وفي مفرداتها، وفي خطوطها التفصيلية، وفي تحدياتها الفكرية والعملية... لنتعرّف من خلال ذلك على معنى الشرعية في حركتنا في الظروف المماثلة. وهذا هو ما نلاحظه في الكلمة الأولى التي بدأ بها الإمام الحسين حركته في ما يتحدّث به الرُّواة من سيرته أنّه خطب في أصحابه فقال: «أيها الناس إنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: مَن رأى منكم سلطاناً جائراً مستحلّاً لحرم الله، ناكثاً بعهده، مخالفاً لسنّة رسول الله، يعمل في عباد الله بالإثم والعدوان... فلم يغيِّر ما عليه بقول ولا بفعل، كان حقّاً على الله أن يدخله مدخله. وقد علمتم أنّ هؤلاء القوم قد لزموا طاعة الشيطان وتولوا عن طاعة الرحمن وأظهروا الفساد وعطلوا الحدود واستأثروا بالفيء وأحلوا حرام الله وحرموا حلاله».

ارسال التعليق

Top