• ٢٤ تشرين ثاني/نوفمبر ٢٠٢٤ | ٢٢ جمادى الأولى ١٤٤٦ هـ
البلاغ

الصبر والإمتحان

الصبر والإمتحان
◄يقول الله تعالى في محكم كتابه: 1-     (وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ) (الأنفال/ 46). 2-     (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الأمْوَالِ وَالأنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ) (البقرة/ 155). 3-     (أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ) (آل عمران/ 42).   تمهيد: الصبر يعني المقاومة والثبات أمام جميع المشاكل والحوادث، وليس كما يتصوّر بعض الناس بأنّه تحمّل الشقاء وقبول الذلّة والاستسلام للعوامل الخارجيّة. والصبرعلى ثلاثة أنحاء: الصبر على الطاعة: أي المقاومة أمام المشاكل التي تعتري طريق الطاعة. الصبر عن المعصية: أي الثبات أمام دوافع الشهوات العاتية وارتكاب المعاصي. الصبر على المصيبة: أي الصمود أمام الحوادث المرّة وعدم الانهيار وترك الجزع والفزع. فعن رسول الله (ص): "الصبر ثلاثة، صبر عند المصيبة، وصبر على الطاعة، وصبر عن المعصية"[1]. وقد أكّد القرآن الكريم على موضوع "الصبر" تأكيداً شديداً حيث ذُكر في سبعين موضعاً قرآنيّاً تقريباً، منها عشرة تختصّ بالنبيّ الأعظم (ص).   درجات الصبر: حسب ما يُفهم من الأحاديث الشريفة إنّ للصبر درجات. ويختلف الأجر والثواب عليه على ضوء مراتبه. فعن أميرالمؤمنين (ع) قال: قال رسول الله (ص): "فمن صبر على المصيبة حتى يردّها بحسن عزائها، كتب الله له ثلاثمائة درجة ما بين الدرجة إلى الدرجة كما بين السماء والأرض، ومن صبر على الطاعة كتب الله له ستمائة درجة ما بين الدرجة إلى الدرجة كما بين تخوم الأرض إلى العرش، ومن صبر عن المعصية كتب الله له تسعمائة درجة ما بين الدرجة إلى الدرجة كما بين تخوم الأرض إلى منتهى العرش"[2]. ويُفهم من هذا الحديث أنّ الصبر عن المعصية أفضل من كلِّ مراتب الصبر حيث تكون درجاته أكثر، والفاصل بين درجة وأخرى كبير جدّاً.   الإختبار الإلهي: يقول تعالى: (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الأمْوَالِ وَالأنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ) (البقرة/ 155-157). إنّ نظام الحياة نظام تكامل وتربية، وكلُّ الموجودات الحيّة تطوي مسيرة تكاملها، حتى الأشجار تُعبِّر عن قابليّاتها الكامنة بالأثمار، من هنا فإنّ كلّ البشر، حتى الأنبياء – عليهم السلام – مشمولون بقانون الاختبار الإلهيّ. لذلك فالامتحانات تشمل الجميع وإن اختلفت شدّتها، وبالتالي تختلف نتائجها أيضاً، يقول سبحانه: (أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ) (العنكبوت/ 2). ويعرض القرآن نماذج لاختبارات الأنبياء – عليهم السلام – إذ يقول: (وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ) (البقرة/ 124). ويقول في موضع آخر بشأن اختبار النبيّ سليمان (ع): (فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِنْدَهُ قَالَ هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ) (النمل/ 40). وعن لقمان: "إنّ الذهب يُجرّب بالنار، والعبد الصالح يُجرّب بالبلاء، فإذا أحبَّ الله قوماً ابتلاهم، فمن رضي فله الرضى، ومن سخط فله السخط"[3]، وعنه أيضاً: "يا بنيّ، الذهب والفضّة يُختبران بالنار، والمؤمن يُختبر بالبلاء"[4]. وإذا كان جميع الناس مبتلين فعلى الإنسان المؤمن أن يصبر على البلاء حتى ينجح في هذا الامتحان الإلهيّ.   طرق الإختبار: هناك مظاهر عديدة للاختبار الإلهيّ، والآية: (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الأمْوَالِ وَالأنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ) (البقرة/ 155)، تُشير إلى الاختبار بالخوف والجوع     والأضرار الماليّة والموت. ولا ينحصر الاختبار الإلهيّ بالأمور السلبيّة – الشرّ – بل يعمّ الأمور الإيجابيّة  – الخير – كما يقول سبحانه: (وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً) (الأنبياء/ 35) ويقول سبحانه على لسان نبيّه سليمان (ع): (هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ) (النحل/ 40). وينبغي الإشارة إلى أنّه ليس من الضروري أن يُختبر جميع الناس بجميع وسائل الاختبار، بل من الممكن أن يكون اختبار كلّ فئة بلون من الامتحان يتناسب مع الوضع الفردي والاجتماعي لتلك الفئة، فقد يُمتحن بعض الناس بوفرة المال، وبعض آخر بقلّة المال، وبعض بالكرسيّ والمنصب، وآخرون بالنساء، وغير ذلك من الامتحانات. أجارنا الله ممّا لا طاقة لنا به. هذا على المستوى الفرديّ، وأمّا على المستوى الجماعي فقد تُبتلى الأُمّة كأمّة بقائد أو بإمام، أما بعدوّ ليرى مدى نجاح الأُمّة كأمّة بهذا الامتحان؟   من عوامل النجاح في الإمتحان الإلهيّ: إذا كان الامتحان الإلهيّ عامّاً لجميع البشر، وله مظاهر وطرق، فما هو السبيل لإحراز النجاح والتوفيق في هذا الامتحان؟ وللجواب نقول: 1-     أهم عامل للنجاح هو الصبر، ولذلك يقول تعالى في الآية: (وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ). فعن الإمام علي (ع): "لا يعدم الصبور الظفر، وإن طال به الزمان"[5]. وعنه (ع): "حلاوة الظفر تمحو مرارة الصبر"[6]. ويروى عن لقمان الحكيم في وصيّته لابنه: "واصبر على ما أصابك فيه من المحن، فإنّه يورث المنح"[7]. 2-     الالتفات إلى أنّ نكبات الحياة ومشاكلها مهما كانت شديدة وقاسية فهي مؤقّتة وعابرة، وهذا الإدراك يجعل كلّ المشاكل والصعاب عَرَضاً عابراً وسحابة صيف. وهذا ما يؤكِّده القرآن الكريم: (فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا * إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا) (الشرح/ 4-5). 3-     قوّة الإيمان بالله تعالى والعلم بأنّا إليه راجعون، وأنّه يُثيبنا على صبرنا وثباتنا. ومن هنا تقول الآية: (وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ)؛ فـ(إنّا لله) إقرار بالإيمان بالله، (راجعون) إقرار بالرجوع إلى الله يوم القيامة ليُثيبنا على صبرنا. فالإيمان بالله واليوم الآخر دعمٌ قويٌّ للنجاح في الاختبار. 4-     الالتفات إلى أنّ الله سبحانه عالم بكلِّ مجريات الأمور، عامل آخر في التثبيت وزيادة المقاومة. فمثلاً: المتسابقون في ساحة اللعب يشعرون بالارتياح حينما يعلمون أنّهم في معرض أنظار أصدقائهم من الجمهور والمتفرِّجين، ويندفعون بقوّة أكثر وحماسة أشدّ في تحمُّل الصعاب. إذا كان تأثير وجود الأصدقاء كذلك، فما بالك بتأثير استشعار رؤية الله سبحانه لما يجري على الإنسان وهو في ساحة الجهاد والمحنة والاختبار؟ ما أعظم القوّة التي يمنحها هذا الاستشعار لمواصلة طريق الجهاد وتحمُّل مشاق المحنة! حين واجه النبيُّ نوح (ع) أعظم المصائب والضغوط من قومه وهو يصنع الفلك، جاءه نداء التثبيت الإلهيّ ليقول له: (وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا) (هود/ 37). وعبارة "بأعيننا" كان لها وقع عظيم في نفس هذا النبيِّ الكريم، فاستقام وواصل عمله حتى المرحلة النهائيّة دون الالتفات إلى تقريع الكفّار واستهزائهم. وقد ورد عن سيد الشهداء الإمام الحسين بن عليّ – عليهم السلام – أنّه قال عند تفاقم الخطب أمامه في كربلاء، واستشهد أصحابه وأهل بيته: "هوّن عليّ ما نزل بي أنّه بعين الله"[8]. 5-     التدقيق في تأريخ الأسلاف، وإمعان النظر في مواقفهم من الاختبارات الإلهيّة، عامل مؤثِّر في إعداد الإنسان لاجتياز الامتحان الإلهيّ بنجاح. لو عرف الإنسان بأنّ ما أُصيب به ليس حالة شاذّة، وإنّما هو قانون عامٌ شامل لكلِّ الأفراد والجماعات، لهان الخطب عليه، ولتفهّم الحالة بوعي، ولاجتاز المرحلة بمقاومة وثبات. ولذلك يُثبّت الله سبحانه قلب نبيّه والمؤمنين باستعراض تأريخ الماضين، وما واجهه الأنبياء – عليهم السلام – والفئات المؤمنة من محن ومصائب خلال مراحل دعوتهم، يقول سبحانه: (فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلا تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إِلا سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ بَلاغٌ فَهَلْ يُهْلَكُ إِلا الْقَوْمُ الْفَاسِقُونَ) (الأحقاف/ 35). ويقول تعالى: (وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَى مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا) (الأنعام/ 34). وهنا نُعطي بعض النماذج – التاريخيّة – التي تُمثِّل الصبر والإرادة والعزيمة والمقاومة، عسى أن تكون لنا قدوة نقتدي بها في حياتنا.   نماذج صابرة: أ‌-      الصبر على المصيبة: هذا النوع من الصبر يُمثِّله صبر النبيّ أيّوب (ع) على المرض وفقد المال والأولاد، وصبر النبيّ يعقوب (ع) على فراق ولده النبيّ يوسف (ع). ب‌-   الصبر عن المعصية: لقد خلّد لنا القرآن تجربة مهمّة في هذا المجال، مرّ بها النبيُّ يوسف (ع) حيث صبر عن معصية الله المشرّعة أمامه حيث دعته إليها امرأة العزيز، مع ملاحظة الأسباب التي تقوى معها دواعي الموافقة. إنّ الشباب المؤمن بحاجة – وخاصّة في هذه الأيّام – التي تنتشر فيها دواعي الفساد إلى الاقتداء بالنبيِّ يوسف العظيم (ع)، بإرادته وصبره وجهاده لنفسه فإنّه نعم القدوة والأسوة. (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ) (العنكبوت/ 69). ت‌-   الصبر على الطاعة: مثاله صبر النبيّ إبراهيم (ع) وابنه النبيّ إسماعيل (ع) وهذا نموذج رفيع من نماذج الصبر، حيث يُقدّم الإنسان ابنه لله فإنّ ذلك يحتاج إلى صبر وإرادة عظيمين. وأبرز مثال على ذلك صبر الإمام الحسين (ع) على تنفيذ أمر الله تعالى بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فقدّم نفسه وأولاده وأرحامه وأصحابه، قرباناً لله سبحانه وطاعة لأمره. ولن ننسى رسول الله (ص) الذي كان قمّة الصبر، وهو أسوتنا وقدوتنا: يقول تعالى: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا) (الأحزاب/ 21). إنّ تاريخ الإسلام عامر بالنماذج الصابرة، ولو أردنا أنْ نُفصِّل لطال بنا المقام، ولكن أحببنا أن نُشير إلى هذه النماذج لتكون قدوةً لنا ونبراساً نهتدي به، فإنّ في العيش مع هكذا نماذج قوّة للإنسان وتسلية لقلبه. قد تُحدّث الإنسان نفسه وتوسوس له أنّ هذه النماذج لأنبياء وأئمّة معصومين، وبطبيعة الحال سيصبرون على كلّ مصيبة وأمّا نحن فلا طاقة لنا بذلك. لكن نقول: يوجد في التأريخ من النماذج الصابرة غير المعصومة الكثير، وفي الحاضر نماذج مهمّة في الصبر كما في المقاومين المجاهدين، الذين نسمع عن قصص بعضهم في السجون وفي الحروب ما يُحيِّر ويُدهش العقول.   قصة صابرة غير معصومة: رُوِيَ: أنّ أمَّ عقيل كانت امرأة في البادية، فنزل عليها ضيفان وكان ولدها عقيل مع الإبل فأُخبرت بأنّه ازدحمت عليه الإبل فرمت به في البئر فهلك، فقالت المرأة للناعي، انزل واقض ذمام القوم، ودفعت إليه كبشاً فذبحه وأصلحه وقرّب إلى القوم الطعام، فجعلوا يأكلون ويتعجّبون من صبرها (قال الراوي) فلمّا فرغنا خرجت إلينا وقالت يا قوم هل فيكم من يُحسن من كتاب الله شيئاً؟ فقلت: نعم. قالت: فاقرأ عليّ آيات أتعزّى بها عن ولدي، فقرأت: (وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ)، فقالت: السلام عليكم، ثمّ صفّت قدميها وصلّت ركعات ثمّ قالت: اللّهمّ إنّي فعلت ما أمرتني فانجز لي ما وعدتني. ولو بقي أحد لأحد. قال فقلت في نفسي لبقي ابني لحاجتي إليه. فقالت لبقي محمّد (ص) لأُمّته، فخرجت"[9].   في نتائج الصبر: .. فيا أيّها العزيز إنّ الموضوع خطير، والطريق محفوف بالمخاطر، فابذل من كلّ وجودك الجهد واجعل الصبر والثبات من طبيعتك، أمام حوادث الأيّام، وانهض أمام النكبات والرزايا، ولقّن النفس بأنّ الجزع والفزع مضافاً إلى أنّهما عيبان فادحان، لا جدوى من ورائهما للقضاء على المصائب والبليّات، ولا فائدة من الشكوى على القضاء الإلهيّ وعلى إرادة الحقّ عزّ وجلّ أمام المخلوق الضعيف الذي لا حول له ولا قوّة. كما أُشير إلى ذلك في الحديث الشريف المنقول في الكافي: "محمّد بن يعقوب بإسنادِهِ عن سماعة بن مِهْرَانَ، عَن أبي الحسنِ (ع) قالَ: قال لِيَّ: ما حَبَسَكَ عن الحجِّ؟ قال: قُلْتُ: جُعِلْتُ فداك، وقع عليَّ دَيْنٌ كثيرٌ وذَهَبَ ما لِي، ودَيْنِي الذي قَدّ لزمَنِي هو أعظَمُ من ذهاب ما لي، فلوْلا أنّ رجلاً من أصحابنا أخرَجَنِي ما قدَرْتُ أن أخرُجَ، فقال لي: إنْ تَصْبِرْ تُغْتَبَط وإلّا تَصْبِرْ يُنْفِذِ اللهُ مَقاديرَهُ راضِياً كُنتَ أم كارِهاً"[10]. فاعلم بأنّ الجزع والفزع لا يُجديان، بل لهما أضرار مخيفة ومهالك تنسف الإيمان. وأمّا الصبر والجلادة فلهما الثواب الجزيل والأجر الجميل والصورة البهيّة البرزخيّة الشريفة كما ورد في ذيل الحديث الشريف الذي نحن بصدد شرحه حيث يقول: "وكذلك الصَّبْرُ يُعقبُ خَيْراً فاصْبِرُوا ووَطِِّنُوا أنفُسَكُمْ على الصَّبْرِ تُؤجَرّوا"[11]. فعاقبة الصبر إلى الخير في هذه الدنيا كما يُستفاد من التمثيل بالنبيّ يوسف (ع) – في الحديث المذكور – يبعث على الأجر والثواب في يوم الآخرة. وفي الحديث الشريف المنقول في الكافي بسنده إلى أبي حمزة الثمالي – رحمه الله – قال: "مَنِ ابْتُلِيَ من المؤمنين ببلاءٍ فَصَبَرَ عليه كان لهُ مِثْلُ أجْرِ ألْفِ شَهيدٍ"[12]. ووردت أحاديث كثيرة في هذا المضمار.. وأمّا أنّ للصبر صورة بهيّة برزخيّة، فمضافاً إلى أنّها تتطابق مع بعض الأدلّة نجد الأحاديث الشريفة أيضاً تتحدّث عنها. كما في الكافي الشريف عن الإمام الصادق (ع) قال: "إذا دَخَلَ المؤمنُ في قَبْرِهِ كانت الصَّلاةُ عن يَمِينِهِ والزكاةُ عَنْ يَسَاره والبِرُّ مُطلٌّ عليه ويَتَنَحَّى الصَّبْرُ ناحِيةً، فإذا دَخَلَ عَلَيْهِ المَلَكانَ اللَّذانِ يَلِيَانِ مُسَاءَلَتُهُ قال الصَّبْرُ للصَّلاةِ والزَّكاةِ والبِرِّ: دُونَكُمْ صاحِبَكُمْ فإنْ عَجَزْتُمْ مِنُهُ فَأنَا دُونَهُ"[13].►   المصدر: كتاب سلسلة الدروس الثقافية/ 31
[1]- أصول الكافي، الكليني، ج2، ص91. [2]- أصول الكافي، ج2، كتاب الإيمان والكفر، باب الصبر، ص91، ح15. [3]- حكمة لقمان، محمد الريشهري، ص81. [4]- م. ن، ص81. [5]- نهج البلاغة، الحكمة: 153. [6]- ميزان الحكمة محمّد الري شهري، ج2، ص1559. [7]- حكم لقمان، محمد الري شهري، ص36. [8]- بحار الأنوار، ج45، ص46. [9]- سفينة البحار، ج2، ص7، مادة "صبر". [10]- أصول الكافي، ج2، كتاب الإيمان والكفر، باب الصبر، ص690، ح10. [11]- م. ن. ص89، ح6. [12]- م. ن. ص92، ح17. [13]- أصول الكافي، ج2، كتاب الإيمان والكفر، باب الصبر. ص90، ح8.

ارسال التعليق

Top