◄ثمّة مفهوم خاطئ شائع سمعته يتكرَّر مراراً وتكراراً، وهو أنّ التفكير الإيجابي يعتمد على قُدرَةِ المرء على «خداع العقل» ليَفترِضَ شيئاً أفضل من حالته التي عليها ويُصَدِّقه. لمن لديهم هذا الاعتقاد، يبدو أنّ التفكير الإيجابي لديكم مُجرَّد هُراء. مَن يرغب في إضاعة وقته بأن يستخدم حديث النفس ليغسلَ مُخّه؟
إذا كان التفكير الإيجابي ليس أكثر من مُجرّدِ حيلة لوضع عِصَابة – رباط – على عينيك؛ لن أشعرَ بالضَّجَرِ حيال ذلك. لكن هناك ما يفوق ذلك وأفضل منه. لذلك، أودُّ أن أُشاطركم بعض الحقائق بشأن قيمة توجيه أفكارك عمداً، وأفضل طريقة للقيام بذلك بنجاح.
ما هو التفكير الإيجابي وماذا يعني؟
التفكير الإيجابي يعني اختيار الأفكار التي تُشعِرُك بالسعادةِ والتفاؤل والارتياح بدلاً من السماحِ لعوامل خارجية بالسيطرة على معايير أفكارنا.
ما الذي لا يَعنِيه التفكير الإيجابي؟
تُعَرَّف عملية غسيل المخ بأنّها «تلقين قسري – إجباري – لحثِّ شخص ما على التخلِّي عن معتقداتٍ، أو مواقف سياسية، أو اجتماعية، أو عقيدته الدينية، وقبول أفكار متضادّة صارمة».
وخلافاً لغسيل المخ، فإنّ وجود نظرة إيجابية لا ينبغي أبداً أن تُشعِرَك وكأنّك تجبر نفسك على تصديق الأكاذيب، أو تتخلَّ عن الأفكار التي تهمّك. الغرضُ من التفكير الإيجابي ليس إلهاءك عن الحقيقة، وإنّما لإعادة تركيز انتباهك على الحقائق الجميلة التي غالباً ما تستخفّ بها، أو لا تُقدِّرها.
كيف تُطبِّق التفكير الإيجابي عملياً؟
تمتلؤ حياتنا بمجموعة متنوّعة من التجاربِ، والظروف، والبشر، والحوائج. بعض الأفكار تعمل على إرضائنا وإغمارنا بسعادة داخلية، بينما تضعنها الأفكار الأُخرى في حلقةٍ مُفرغة من السلبية.
قد تتساءلون: كيف يُمكِننا تطبيق التفكير الإيجابي عندما نواجه ما هو سلبي ولا يُمكِن إنكاره. هناك خياران أساسيان: إمّا أن تتطلَّع إلى أمرٍ آخر، أو أن تنظر للأمر نفسه ولكن بشكلٍ مُختَلِف.
1- تطلَّعْ إلى أُمورٍ أُخرى كلّما استطعت ذلك
التطلُّع إلى مكانٍ أو أمرٍ آخر يعني أنّك تحيل انتباهك من موضوعٍ مُثير للقلق إلى أمر يُشعِرك بالتحسُّنِ وأنّك في حالةٍ أفضل. هناك أوقات يظل هذا الخيار هو الأفضل. لنضرِبَ مثالاً على ذلك:
كنت بين مجموعة من الناس – معارف/غرباء/أصدقاء/… إلخ – الذين يناقشون مواضيع سياسية ساخنة. النقاش ساخن للغاية، والجميع يدافعُ عن وجهات نظرهم التي تتعلَّق بالإجهاض، والطلاب المُبتَعَثِين، ووساطة العمل، والمثليين، والوزراء،... إلخ.
سترتفع حدَّة التوتر، وربما تبدأ كلمات/ألفاظ قبيحة في الظهور. بدأت تشعر أنّك غاضباً للغاية، وتحبطك بعض التعليقات المُشِينة، والخوض في الأُمور الشخصية، ووجهات النظرِ التي لا معنى لها.
في مثل هذه الحالة، يُمكِنك ببساطة أن تُقرِّرَ ألّا تكون جزءاً من هذا النقاش – الجدال –. بالتأكيد سيتّهِمَك البعض منهم – إن لم يكُن جميعهم – إذا مضيت بعيداً عنهم ببضع خطوات أنّك في غاية السلبية وتجريم فِعلك. وماذا بعد؟! وماذا في ذلك! أيهما أكثر أهميّة لديك؟ أن تفعل ما يرى الآخرون أنّه يتوجَّب عليك فعله أم تقوم بما تراه أفضل بالنسبة لك؟
بيت القصيد: إن لم تستطع تغيير موضوع النقاش؛ فقط اترك الغرفة أو المكان الذي يدور فيه ذلك وابحث عن شيءٍ آخر لتقوم به. وانتبه إلى أنّ الخلافات السياسية غالباً ما تعطي تأثيراً غير طيِّباً؛ ممّا تزيد من احتمال عدم القدرة على تغيير أراء الآخرين.
2- عندما لا تتمكن من الابتعاد.. انظر إلى الأمر نفسه بصورةٍ مختلفة
على الرغم أنّه ليس من المُمكِن أن نتجنَّبَ التجارب غير السارّة طيلة الوقت، إلّا أنّه يُمكِننا إحالة وعينا إلى جانبٍ مختلف لتلك التجارب. وبعبارةٍ أُخرى، يمكننا أن ننظر إليها بشكلٍ مختلف.
لست بحاجة للنظرِ إلى الغيوم لمجرَّد أنّه يوم مُمطر. يمكنك التركيز على ما كان عليه الطقس يوم أمس، أو يوم زواجك، أو في أي وقت آخر شعرت فيه أنّه كان رائعاً. بل حتى يُمكِنك النظر إلى فوائد المطر وجميع المستفيدين من ذلك. بالتأكيد لابدّ أن المزارعين، والزهور، والحشائش، والأشجار، وغيرهم، سُعداء بإرواء عطشهم/ زرعهم.
إذا فقدت حاسة السمع، بإمكانك أن تضيِّعَ حياتك في ضنى واضمحلال بشعورك بالحزن على تلك الأصوات التي حُرِمتَ من فرصةِ سماعها. أو يُمكِنك أن تَحمِدَ الله تعالى وتشكره على بقيَّةِ الحواس التي منحك إيّاها، وزيادة إدراكك لما يُمكِنك بذله في تلك الحياة باستخدامك لتلك الحواس.. لا الأفكار الإيجابية ولا السلبية يُمكِنها أن تسترجع إليك سَمعَك، لكن نوع واحد من التفكير يمكنه أن يقودك إلى حياة هانئة، في حين يشجّعك ما هو دون ذلك إلى التعاسة التي لا تنتهي.
من أمثلة التفكير الإيجابي في الحياة اليومية:
يصل مهارات التفكير الايجابي إلى أقصى درجات التأثير عندما تختار الأفكار التي يتقبّلها عقلك بسهولة وعقلانية. فإذا رأيت أن فُقدان السمع مثالاً غير حاضراً – شفى الله تعالى جميع مرضى المسلمين –؛ فماذا عن مثال أكثر واقعية لاستخدام التفكير الإيجابي في حياتك اليومية؟
لنفترض أنّ سيارتك تعطَّلت. فمن غير المُحتمَل أن أي تفكير سيُغيِّر حقيقة أنّ السيارة لا تعمل. لذلك – انتبهوا يا أصحاب فكرة خداع العقل! – فإنّ محاولة أن تتصوّر أنّ السيارة تعمل بصورةٍ طبيعية فكرة غير مُثمِرَة بالمرّة؛ طالما أنّك لا تملك قوّة المارد السحرية – ابتسامة –.
لذا، عند استخدامك مفتاح السيارة لتدويرها ولاحظت أنّ السيارة لا تعمل، يمكنك أن تغضب، وتقلق، وتحزن، وذلك كلّما فكّرت في أنّ سيارتك مُعطَّلَة. بإمكانك أن تتذمّرَ على المال الذي ستتكبّده، والوقت الذي ستستغرقه، والضرر الناجم جراء ذلك. يمكنك المضي قُدماً على هذا المنوال لتحصل على ما يكفي من التوتر لرفع ضغط دمك ويصل الأمر إلى إصابتك بجلطة. لا يُمكِن لأيّ من تلك الأفكار أن تُغيِّر الوضع، لكنّها كفيلة بأن تُشعرك بقدرٍ مُفرع من الاضطراب.
وبشكلٍ آخر، يُمكِنك أن تختار التفكير في الميكانيكي الماهر الذي سيقوم بإصلاح سيارتك. يمكنك التفكير في الوسيلة أو السبيل لإرسال السيارة أو للإتيان بالميكانيكي لعملية الإصلاح، وإلى أن يتم ذلك، تذكَّر مواقف سارّة حدثت لك مع سيارتك، مثل هذا الهواء العليل الذي تستنشقه أثناء القيادة كلّ صباح أو مساء، وذلك المشهد المضحك الذي رأيته على الطريق، وتعليق أحد أبنائك/أصدقاءك/عائلتك على شيء داخل سيارتك جعلك في غاية الضحك والسعادة. لا شيء من ذلك يُغيِّر حقيقة أنّ السيارة لا تعمل، لكن على الأقل اخترت طريقة التفكير التي تمنحك فُرَصاً غير متوقَّعَة من التصرُّف السليم في هذا الموقف، بدلاً من فرصة الحصول على مرضٍ جديد من أمراض الدم!
الخاتمة
كما ترى، فإنّ التفكير الإيجابي ليس بأن تخدعَ نفسك. إنّه تغيير نظرتك إلى جانبٍ مختلف للواقع من حولك. ولمن يسألني «كيف تتغلب على مشاكلك؟» – والحديث عن نفسي – فإنّي أُطبِّق التفكير الإيجابي – وأشياء أُخرى – غالباً في كلّ أُموري. لاحظ أنّني قلت «غالباً»؛ لأن لابدّ من لحظات تزلّ فيها قدمي مثل أي شخص آخر.
والآن، ماذا عنك؟ بعدما ذكرناه، هل عندما ستواجه أمراً يزعجك، هل ستجد راحة في توجيه أفكارك إلى نظرةٍ أكثر إيجابية؟ وإن لم يكن كذلك، فلِمَ لا تبدأ من اليوم بإعادة النظر؟►
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق