يُخطئُ مَن يتصوَّر أنّ تقسيم الوقت تقسيم آلي ميكانيكي نضع لكلِّ عمل وقتاً مساوياً لغيره، إذ لا يعني أنّ تقسيم الزمن اليوميّ إلى أربع ساعات، أي إلى أوقات أو حصص زمنية متكافئة، وإنّما يعني إعطاء كلّ ذي حقٍّ من الأعمال حقّه، فلا يستغرق الإنسان في العبادة الشعائرية المجرَّدة، فيكون كذلك الذي يوصف بــ(حمامة المسجد) الذي يلازمه ويرابط فيه، ويتّكل على غيره في معيشته، ولا كذلك الذي ينتهي من كسب العيش في فترة النهار ليعمل في المساء أيضاً كي يزيد دخله وأرباحه، ذلك أنّ هذا التغليب لجانب على حساب الجوانب الأُخرى يعني الشطط والتطرُّف، وطغيان قيمة وقت على قيمة وقت آخر، والحال إنّ مسؤولية الاعتدال والتوازن الوقتي مطلوبة في كلّ الأعمال التي يزاولها الإنسان، ومعنى (ساعة) - كما أكّدنا مراراً - ليس الستّين دقيقة، بل الوقت الزمنيّ المخصَّص لأداء عمل، فقد يحتل عمل عشر ساعات، ويحتل آخر ساعة، ويحتل ثالث بعضَ ساعة، إذ المهم ليس التقسيم بالتساوي وإنّما التقسيم بالعدل، بحيث يُعطى لكلِّ عمل ما يستحقّه من وقت من غير إجحاف بحقوق الأعمال الأُخرى.
وانطلاقاً من هذا، فإنّ الساعة التي وصفها الإمام عليّ (ع) في تقسيمه للوقت بأربع ساعات، وهي: «ساعة الملذّات في غير محرَّم»، وإن كانت ساعة لهو بريء، واستمتاع بالطبيعة، وممارسة للهوايات، وجلسات السمر العائلية، أو السَّفَرات، أو مشاهدة التلفاز لوقت معيَّن، أو تصفُّح الحاسوب ضمن وقت معقول، أو ممارسة الرياضة، أو أي شيء تقوم به ولا يلحق بك ضرراً من جهة، ويكسبك نفعاً من جهة حتى ولو لم يكن في الصلب من أعمالك العبادية والعملية، هذه الساعة (أو الوقت المعطى لهذا الاهتمام أو ذاك) هي ساعةُ عمل ونشاط وعبادة أيضاً، خاصّة وأنّ وصفه (ع) لها بالقول: «وفي هذه الساعة تقدرون على تلك الساعات» يعطيها أهميّة تجديد الحيوية، ورفع حالة السأم والملل والرتابة، وقوله (ع) هذا يوافق قوله: «إنّ القلوب تملّ كما تملّ الأبدان فاهدوا إليها طرائف الحِكَم»، والطريف الجديد الذي يطرد الملل.
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق