• ٢٨ آذار/مارس ٢٠٢٤ | ١٨ رمضان ١٤٤٥ هـ
البلاغ

الإسلام (عمليٌّ) (حركيّ) وليس لِسانياً فقط

أسرة البلاغ

الإسلام (عمليٌّ) (حركيّ) وليس لِسانياً فقط

لو تَغنّى شاعرٌ بحلاوة العسل في قصائده، ولم يذق العسل في حياته، وإنّما سمع من الناس المجرَّبين يقولون إنّه (حُلو) وإنّ حلاوته لا تُقارَن بحلاوة، فإنّه يكون قد تَغنّى بـ(المسموع) دون (المُجرَّب)، وقد يُبالغُ في وصف الحلاوة العسليّة؛ لكنّه يبقى بعيداً عن الوصف الحقيقي لمتذوِّق العسل.. إنّه يُحدِّثنا عن (خَياله) لا عن (تجربته).. وعن (المسموع) لا عن (المُجرَّب)..

والمُسلمُ الذي ينطق الشهادتين كشاعر العسل الذي لم يذقه، أو رآه على الرفوف في معرض للعسل حافل بأنواعه المختلفة، ولم يُتح له أن يتعرَّف على حلاوة العسل المصفّى عن قُرب.. أمّا إذا ذاقه وسرق حلاوته في جسده، واستشعر الفرق الكبير بينها وبين حلاوات (السُّكّر الاصطناعي) فإنّه يُقرِّر مع نفسه أن لا يقرب (السُّكّر المُصنَّع) طالما أنّ قناني وأباريق العسل المصفّى في متناوله وتحت يديه!

بهذا التقريب، يمكن أن نقارن بين (مُسلم) وُلِد لأبوين مُسلمين، فرآهما يُصلّيان، ويصومان، ويُزكِّيان، ويحجّان، ويقرءان القرآن، ويرفضان المنكر، ويحبّان المعروف، وقد أخذ بعض ذلك عنهما.. وبين مُسلمٍ آخر لم يكتفِ بما تلقّاهُ من تربية إسلاميّة غير مباشرة، بل راح (يبحثُ عن الحقيقة) بنفسه، رأى جِرارَ العسل التي على الرفّ؛ لكنّه عزم يوماً ما على أن يفتح الجِرار جرّةً، جرّة، ليتذوَّق العسل، فإذا جرّةُ عسل الصلاة غير الحلاوة الطفيفة التي كان يحصل عليها وهو يؤدِّي صلاته بطريقة تقليدية، وإذا بجرّة عسل الصوم، تُعلِّمه أنّ المسألة ليست كفّاً أو امتناعاً طوعيّاً عن المفطرات، وإذا بجرّة عسل الزكاة، تعطيه درساً في الفسحة الإنسانية والاتّساع الوجداني في التكافل المجتمعي، وإذا به ينقلُ ألسنة قلبه وروحه وعقله ومشاعره من عسل مُصفّى إلى عسل مُصفّى آخر، وإذا بحياته (تَتعَسَّل) أكثر فأكثر، وإذا به يُصبح إنساناً نحليّاً عسليّاً، (مُسلماً عسليّاً) بعد أن كان يقرأ اللافتات اللاصقة على قناني العسل (عسل مُصفّى) ولا يعرف ما معنى العسل المُصفّى؟!

ارسال التعليق

Top