• ٢٠ تشرين ثاني/نوفمبر ٢٠٢٤ | ١٨ جمادى الأولى ١٤٤٦ هـ
البلاغ

المدارس الإسلامية في الغرب

المدارس الإسلامية في الغرب

 

المدارس الإسلامية في الغرب.. طموحات وصعوبات

أصبح المسلمون في الغرب قوة لا يُستهان بها؛ حيث تتزايد أعدادهم باستمرار، وهو ما يُقلق الدول الأوربية كثيراً.. ولعل أهم قضية تؤرّق المسلمين في المجتمعات الأوروبية هي المحافظة على هويتهم الإسلامية، والحرص على تميّز أبنائهم عن أقرانهم الغربيين؛ ولذلك اشتدت رغبة غالبية المسلمين بالدول الغربية في التعليم الإسلامي، وارتداء الحجاب، وارتياد المراكز والمساجد الإسلامية؛ سعياً منهم لحفظ الهوية، والبعد عن التقاليد الغربية السلبية.

ولاشك أنّ المجتمع الأوروبي الذي يعيش فيه المسلمون له تأثير على مستوى المعتقد الديني والثقافة والأخلاق والمفاهيم، ولذلك يحاول كثير منهم تخفيف حدة تأثير هذه المجتمعات الدينية والثقافية؛ من خلال إقامة المدارس الإسلامية التي تُعنى بتربية النشء وتعليمهم أساسيات الدين، وتغرس في نفوسهم أصول التربية الإسلامية والأخلاق الكريمة المستمدة من القرآن الكريم وصحيح السنة المطهرة، وتسعى هذه المجتمعات إلى ربط أبنائها بثقافتهم الأُم، وقد أشارت دراسة حديثة إلى أن تنامي تيار تشجيع التمايز العرقي في المجتمعات الغربية؛ واهتمام الآباء المسلمين بحفظ أبنائهم ساعد في انتشار المدارس الإسلامية في الغرب عامة وفي أمريكا الشمالية بصفة خاصة؛ لدرجة أنك تجد في مدينة مثل "شيكاغو" وحدها 42 مدرسة إسلامية. صورتان: وللمدارس الإسلامية في أوروبا صورتان: الأولى هي مدرسة إسلامية خالصة تهتم باللغة العربية والعلوم الشرعية إضافة إلى العلوم المدنية التي يدرسها البلد الأوروبي المقامة فيه، وهذا النوع موجود بكثافة في معظم الدول الأوروبية، خصوصاً الدول الإسكندنافية (السويد، والنرويج، والدنمارك)، إضافة إلى بريطانيا، وفرنسا، وألمانيا، وإيطاليا.. فيما يوجد النوع الثاني من المدارس في هولندا، وبلجيكا، والنمسا، وهي الدول التي تقوم بتدريس اللغة العربية والعلوم الإسلامية في مدارسها العامة؛ إذ تسمح لمواطنيها المسلمين بإنشاء مدارس خاصة بهم علاوة على مدارس إسلامية يقتصر نشاطها على تعليم اللغة العربية والعلوم الإسلامية ويتوجه إليها الطلبة العرب والمسلمين في أوقات الفراغ، أو أيام العطلة لتحصيل اللغة العربية وحفظ القرآن الكريم. وقد استفاد مسلمو أوروبا من القوانين الغربية التي تحترم حرِّية المعتقد، وهو ما أتاح للمسلمين فتح مدارس دينية خاصة بهم، تضطلع بمهمة تعليم الدين الإسلامي واللغة العربية لأبناء الجالية العربية والإسلامية، ولا تتدخل السلطات السياسية في شؤون هذه المدارس خصوصاً في الدول الإسكندنافية، بل إنها تقدم دعماً كبيراً لهذه المدارس الإسلامية، وتتيح للطالب الحق في الانتقال إلى أيّة مدرسة عامة أو العكس كي تتيح له الوصول إلى الجامعة هناك لو حصل على الشهادات المؤهلة للانضمام من مدرسته الإسلامية. ويلجأ الكثير من المدارس الإسلامية في الغرب إلى الجمع بين التعليم الإسلامي وتعليم المواد المقررة في الغرب ليتسنى للطالب المسلم أن يلتحق بأيّة جامعة غربية وتكون لديه أُسس إسلامية صحيحة.   - صعوبات عديدة: غير أن إنشاء المدارس الإسلامية في الغرب تواجهه العديد من الصعوبات التي يمكن تلخيصها في الآتي: -                 يرى الكثير في الغرب أن "انتشار المراكز والمدارس الإسلامية يمثل خطراً كامناً يهدد المجتمعات الغربية، ويمثل فيروساً داخلياً ينخر في بنيانها الذي يقوم على ثوابت وأُسس لا تتوافق مع النظرية الإسلامية، بل هما نقيضان من الدرجة الأولى؛ ولذلك لابدّ من التصدي لأي تمثيل للمد الإسلامي داخل المجتمعات الغربية وتقزيمه. -                 وضع المسلمين السياسي والتعليمي في البلاد الغربية لا يزال في بدايته، ويفتقر إلى الكثير؛ فلا يوجد لهم تمثيل سياسي في المحافل السياسية بصورة تبين ثقل هذا المجتمع.. وتفتقر المدارس الإسلامية إلى الأساسيات المهمة مثل تأهيل المعلمين، والاعتماد على مناهج تعليمية مبنية على أسس نفسية واجتماعية تتناسب والتركيبة السكانية لمسلمي الغرب؛ مما أفقد هذه المدارس الثقة عند كثير من أولياء الأمور المسلمين. -                 هناك مشكلات فنية تهدد استمرار المدارس الإسلامية، ويأتي على رأس هذه المشكلات افتقار معظم المدارس لاشتراطات المبنى التربوي، فمعظمها مقامة في كنف جمعية أو مركز إسلامي، وقد تسبب هذا في تعرض هذه المدارس لانتقادات شديدة؛ بل إن بعض البلديات الأوروبية أعطت بعض المدارس مهلة زمنية لمعالجة مشكلة المبنى، وهددت باحتمال تعرضها للإغلاق إذ لم تصل لحل هذه المشكلة. -                 تفتقد المدارس الإسلامية في أوروبا الكوادر اللازمة للقيام بالتدريس؛ نظراً للاعتياد على الإمام أو الشيخ في المسجد لتعليم العلوم الشرعية أو استقدام أساتذة ومعلمين من العالَميْن العربي والإسلامي، ولا يدرك هؤلاء طبعاً عقلية المسلم الأوروبي، ولا تفكير الجيل الجديد.. وتحاول المدارس الإسلامية حالياً توفير كوادر محلية من خلال تدريس الإسلام في بعض الجامعات، كما هي الحال في ألمانيا.   وفي النهاية، لابدّ من إيضاح أن مستقبل المدارس الإسلامية في الغرب مليء بتحديات كثيرة تتطلب جهوداً مضاعفة من التربويين والدعاة والجمعيات الإسلامية لينهضوا بها من عثراتها، وخاصة أن أمامها طريقاً طويلاً لتحقيق أهدافهم التي يسعون إليها.

ارسال التعليق

Top