• ٢٩ آذار/مارس ٢٠٢٤ | ١٩ رمضان ١٤٤٥ هـ
البلاغ

إذا غضب الشباب

أسرة

إذا غضب الشباب
في هذا الموضوع سنحاول أن نستعرض بعض حالات الغضب اليومي أو المشهور في أوساط الشباب والفتيات لننظر إليه من زاويتين: واحدة سلبية، وأخرى إيجابية، أي أنّنا سنذكر الحالة بشكلها السلبي، ثمّ نحاول أن نطرح عليك خياراً آخر في التعامل، نأمل أن يكون هو خيارك في حالات الغضب التي تصاب بها. 1- لو أنّ أمّاً منعت ابنتها من الخروج من البيت والذهاب إلى زميلتها للدراسة معها أو الخروج في نزهة، أو إلى السوق لشراء بعض الحاجيات، أو الذهاب للمشاركة في حلقة تقيمها إحدى الصديقات، فإنّ ردّ الفعل المتوقّع من الفتاة في هذه الحالة هو الإنفجار الغاضب والعارم بوجه أمّها، ذلك أنّ حالة المنع من حالات استثارة الغضب، لأنّها توحي بتضييق الخناق وتقييد الحرِّية. وقد تظنّ الفتاة الممنوعة من الخروج أنّها غير محبوبة وأنّ أمّها قاسية معها، وقد تتهمها بالرجعية والتخلّف، وأنّها ليست كباقي الأُمّهات اللواتي يفسحن المجال لبناتهنّ في مثل هذه الأمور، مما يجرح أحاسيس الأُم الحريصة الحنون. جرِّبي إذا اعترضكِ مثلّ هذا الموقف مستقبلاً، أن تتصرّفي بالطريقة التالية: قولي لأمّكِ إذا منعتك من الخروج: أنا أقدّرُ لكِ حرصكِ، وأنا مستعدة لعدم الخروج، أو الذهاب إلى بيت صديقتي فيما لو قدّمتِ لي أسباباً وسبباً مقنعاً. إنّ من حقّكِ أن تعرفي سبب المنع، ومن واجب أمّك إيضاح السبب المانع، لأنّ المنع المجهول السبب يشعل الغضب ويصعّد اللهب، ويثير الشكوك والريب. وحاولي أن تتفهّمي الأسباب التي تسوقها أمّك، فإذا كانت مقنعة ولها ما يبرّرها، وهي دواعٍ نابعة من تقدير سليم وصائب للموقف فهي أقدر منك على تشخيص المصلحة والمعرفة بعواقب الأمور.. قدّري مشاعر الخوف الطبيعية التي تثيرها أمّك من أماكن غير أمينة، أو يحتمل أن تكون كذلك. وبإمكانك أن تقدّمي تصوراتك أيضاً.. قدّمي بين يدي أمّك الأدلّة التي تقنعها أنّك ذاهبة إلى المكان الأمين، وإذا كان بالإمكان اصطحابها إلى هناك فلا بأس.. حدّدي ساعة الخروج وساعة العودة.. أعطيها رقم هاتف صديقتك لتطمئن عليكِ إذا تأخرتِ.. قدّمي لها تقريراً عند العودة لما جرى، فهذا يساعدك في المستقبل على بناء جسور الثقة. 2- لو طلبَ منك أبوك أن تذهب إلى محلّ العمل وأنت تريد أن تمارس هوايتك في كرة القدم، فهذا التعارض بين الرغبتين: رغبة أبيك بأن تذهب إلى العمل ورغبتك باللعب، سيوقعك في مأزق ويثير غضبك لا سيما إذا كنت موطناً نفسك على اللعب، أو كنت اتفقت مع زملائك على إجراء مباراة. كيف إذن توفّق بين الرغبتين؟ أو كيف ستحلّ الإشكال أو المأزق الذي كثيراً ما يعترضك، كطلب الأُم أو الأب منك شراء شيء من السوق وأنت تريد مشاهدة برنامج تلفزيوني تحبّه وتتابعه؟ بدلاً من ردّ الفعل الغاضب، حاول أن تطرح المسألة بهذه الطريقة: اطرح على أبيك الأسئلة والخيارات التالية: هل ذهابي الآن ضروري؟ هل يمكن تأخيره ساعة أو ساعتين؟ لديّ الآن مباراة وقد اتفقت مع أصحابي على اجرائها.. ما أن أنتهي منها سأذهب على الفور إلى الدكان أو المتجر أو السوق. أو.. قل له: أنا لا أحبّ أن أخالف أوامرك يا أبتي، لكنّك لو كنتَ قلتَ لي ذلك من الصباح لكنتُ رتّبتُ أموري فلا أرتبط بموعد آخر. وعلى فرض أنّ الأمر كان ملحّاً وطارئاً وغير قابل للتأجيل، قل له: حسناً، دعني أتصل بأصدقائي لأعتذر لهم. ففي بعض المواقف التي يحصل فيها التزاحم بين أمرين يكون الحلّ بتقديم (الأهمّ) على (المهم) فحتى لو كانت الرياضة مهمّة لكن رزق العائلة وقوت يومها أهم. كما يمكن أن تطلب من أصدقائك تأجيل اللعبة أو المباراة لوقت تكون فيه متفرغاً أكثر.[1] 3- لو شددت الأُم أو الأب على أبنائهم وبناتهم الاهتمام بتكاليفهم المدرسية والمذاكرة والاستعداد للامتحانات التي على الأبواب، فقد يسبب ذلك انزعاجاً ومضايقة وغضباً، لأنّ الطالب أو الطالبة أحياناً يطلبان الاسترخاء، والأوامر الصادرة إليهما من أبويهما لتخرجهما من استرخائهما تكون في العادة ثقيلة، وإذا تكرّر الطلب نشب الغضب. لنجرّب خياراً آخر في التعامل مع الموقف نفسه: خاطب أمّك أو أباك بأدب وهدوء وعدم تشنّج: أنا قد أعددت جدولاً بمواعيد القراءة والمذاكرة وأنا ملتزم بذلك.. سأقضي وقتاً للاستراحة وسأعود إلى مذاكرتي. - لقد مللتُ من القراءة.. أشعر بالتعب.. أريد أن أستريح قليلاً لأعاود نشاطي من جديد.. التفت إلى أنّك فعلاً تريد ذلك. - لديّ متسعٌ من الوقت.. واجباتي قليلة.. ساعة واحدة تكفي.. دعوني أشاهد هذا البرنامج وسأنجز التكاليف.[2] التجربة هنا مهمّة، وهي التي تزرع الثقة، فإذا وعدت أوفِ بوعدك، فإن التزامك بما تقول وتعد يدفع والديك إلى تصديقك وتقدير موقفك والسماح لك بالتوفيق بين الدراسة وبين الهوايات والمشاهدات. كما أنّ برنامجك – في الفترة الامتحانية مثلاً – ينبغي أن يتغيّر بحيث تعطّل بعض فقراته وتؤجلها إلى ما بعد الامتحانات حيث يكون في الوقت متسع، فإذا تدبّرت أمرك قلّصت درجة الإلحاح عليك، وجنّبت نفسك ردّ الفعل الغاضب. 4- لو جرى نقاش حادّ بينك وبين صديق بحيث خرج عن أدب الحوار وأخلاقيته فإنّه يتحول إلى مناوشات كلامية جارحة، وقد تغضبه ويغضبك وربّما امتدّ الأمر إلى نزاع عنيف. ما رأيك لو تتعامل مع هذه الحالة بالطريقة التالية: أوقف الحوار مباشرة، وقل لمحاوركَ: أعتقد أنّ الحوار قد خرج عن سياقه.. أين كنّا وأين انتهينا.. بهذه الطريقة لا نستطيع الوصول إلى نتيجة إيجابية.. هذا الذي تقوله خارج عن أصل الموضوع.. أرى من المناسب تأجيل النقاش إلى وقت آخر.. أو قل له: إذا كانت حواراتنا دائماً بهذا الشكل فلا أستطيع أن أسمِّي هذا حواراً.. من الأفضل أن نحتفظ بصداقتنا بدلاً من أن ندخل في جدال وسجال لا طائل تحته. 5- لو سخر زميل لك من نقطة ضعف أو عيب فيك، أو استخفَّ بخصلة من خصالك.. بأسلوبك في الكلام أو المشي أو الحديث، فكلّ ذلك ولا شك قد يحملك على الغضب لأنّه يثير في نفسك الإحساس بالنقص وجرح المشاعر. تمهّل قليلاً ولا تتعجّل بالردّ العنيف الغاضب، وقل بلهجةٍ صارمة: هل هذا هو تعاملك مع قوله تعالى: (لا يَسْخَرْ قَومٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ) (الحجرات/ 11)؟.. أما راجعت نفسك؟.. هل أنت خالٍ من العيوب.. كلّنا خطّاؤون، وخيرُ الخطّائين التوّابون.. هل تتصوّرني عاجزاً عن ردّ الإساءة بمثلها أو أشدّ منها؟ كلا، لكنني لا أريد أن أهبط إلى مستوى الاستخفاف بالآخرين.. أنت بهذه الطريقة تحاول أن تدق أسفينا بيني وبينك، ما الذي يدعوك إلى ذلك؟ هل تريد لعلاقتنا أن تفسد وتموت؟ ماذا لو نبّهتني إلى أخطائي وعيوبي بأسلوب آخر أكثر أدباً؟ أليس من حقي عليك أن تنصحني برفق، وأن تنقدني بلطفك، وأن تسدّدني بحبّ؟! 6- لو اتهمك شخص بتهمة باطلة فإنّه سيشعل نار الغضب في داخلك لأنّك تشعر أنّه يلصق بك التهمة زوراً وبهتاناً وأنت بريء منها. وقد تنفجر بوجهه، وقد تسيء إليه بكلمة كردّ فعل لاتهامه. لكنّك لو تدبّرت الأمر جيداً لرأيت أن لا داعي لذلك.. اسأل نفسك: - هل أنا حقيقة كما يقول، أو يقال عنِّي؟ - بالطبع لا، لِمَ إذن هذا التشنج والانفعال؟ - هل هو ثأر لذاتي أم للحقيقة المزوّرة أو الزيّفة؟ - أنا من جهتي مطمئن إلى سيرتي ومسيرتي، ولذا فأنا أردّد مع ذلك الأديب: "يقولون.. ماذا يقولون؟.. دعهم يقولون". - هل أتركه وشأنه؟ ربّما تمادى في غيّه واتهمني بغيرها. اذهب إلى متهمك، وقل له: أما تخاف الله في تهمة – تعلم جيِّداً – أنني بريء منها براءة الذئب من دم يوسف؟ ما هي أدلّتك على اتهامي؟ ألا تخشى أن يردّ الله الكيد إلى نحرك فيسلّط عليك مَن يتهمك؟ إنّ إطلاق التهم سهل ولكن ما هو الدليل والإثبات؟ أنا أدعو الله بك بالمغفرة، وقد لا تجد شخصاً تتهمه فيسامحك، بل قد يتعامل معك بالطريقة ذاتها.. نصيحتي لك أن تترك هذا الأسلوب في اتهام الناس فـ"كما تدين تدان".. أنا أعلم بما في نفسي، لكنّ اتهامك عدوان على الحقيقة، وتشويه لصورتي بين الناس.. أرأيت أيّ خطأ ارتكبت؟ بهذا تكون قد هوّنت كثيراً من جيشان الغضب في نفسك، واعطيت للمتَّهِم درساً لا ينساه، ونصيحة غالية.. لو كان من المنتصحين. 7- لو خضت مباراة وديّة، أو على كأس أو جائزة معيّنة، وخرجت منها خاسراً. فقد تعبّر عن أليم خسارتك بغضب مفضوح، خاصة إذا اعتبرت أنّ الخسارة هزيمة شخصية. وقد تحاول أن تنتقم بخسارتك بأن تنتصر على الفائز بالكلمات العنيفة الحادّة والجارحة والمقلّلة من أثر فوزه. وقد تنتهي بعض المباريات بمباراة أخرى من اللكم والضرب والرشق بكل ما تطاله الأيدي وما تقذفُ به الألسن. لا شكّ أن طعمَ الهزيمة مرّ حتى ولو كان في مباراة وديّة، فالإنسان بطبيعته لا يحب الهزائم، بل يحرص على تسجيل الانتصارات، لكنّ الانتصار لا يأتي اعتباطاً، بل له ضريبته أو ثمنه، أي أنّه يحتاج إلى إعداد كبير، يحتاج إلى استعداد ميداني بما تتطلب اللعبة من فنون ومهارات ولياقات واستعداد نفسي وبما تحمله من هدوء الثقة وروحية المثابرة والصبر على الهزائم الصغيرة، وإشعار الخصم أو الندّ أنّك أكثر اتزاناً وضبطاً للأعصاب. بعد دراسة المسألة بعناية[3]، إطرح على نفسك الأسئلة التالية: ما فائدة هذا الغضب الذي يزيد في خسارتي وافتضاحي؟ لقد خسرتُ في الميدان وها أنا أخسرُ سمعتي بين الإخوان والأقران. لو كنتُ بذلت جهداً أكبر، وقاومت وضبطت أعصابي، لربّما تغيرت النتيجة.. إنّها جولة واحدة وليست الجولة الوحيدة.. وهذا هو تأريخ النزالات والمباريات والمعارك، فمرّة تُهزم ومرّة تنتصر.. المهم أن لا تُقعدك الهزيمة عن إعادة الكرّة والمحاولة والتصميم على الفوز مستقبلاً.
[1]- هذه المواقف تحتاج إلى تفهّم والدي (أبويّ أموميّ) أيضاً، فكما أنّ الكبير يُحرج أحياناً فكذلك الشاب والفتاة والصغير، فلابدّ من تفهم مواقفهم واستيعابها. [2]- نؤكد مرّة أخرى – في هذه المواقف وما يماثلها – على ضرورة أن يتفهّم الطرف الثاني – أباً كان أو أمّاً – الأعذار والمبررات التي يقدمها أبناؤهم وبناتهم، وأن لا يمارسوا عليهم ضغطاً فوق العادة لإخراجهم عن طورهم، فإن تكذيبهم أو الإصرار على منعهم من أخذ قسط من الراحة، سيأتي بنتائج سلبية أحدها الغضب. كما ان على الشباب أن يقسّموا أوقاتهم وينظموها بما لا يفتح الباب للضغط المثير للغضب. [3]- هناك سؤال مهم يطرح نفسه، وهو هل بإمكاني أن أتدبّر المسألة بهدوء أعصاب وقد ضغطت الخسارةُ على أعصابي وغاظتني كثيراً؟ إنّ الطريقة التي ذكرناها طريقة وقائية، أي هي لون من ألوان الثقافة ولنصطلح عليها بـ(ثقافة الخسارة أو الهزيمة) فقبل أن تخوض أيّة مباراة ضع احتمال الخسارة، ولقّن نفسك بما طرحناه عليك حتى لا تفسح للغضب أن يسيطر عليك.

ارسال التعليق

Top