• ٢٦ كانون أول/ديسمبر ٢٠٢٤ | ٢٤ جمادى الثانية ١٤٤٦ هـ
البلاغ

التربية السليمة في سن المراهقة

التربية السليمة في سن المراهقة

◄في حياة الطفل مراحل مختلفة ولكل مرحلة ميزاتها ومتطلباتها، لذلك لا نستطيع أن نصدر أوامر كلية بالنسبة لتربية الأولاد إذ لابدّ من معرفة الخصائص النفسية لكل مرحلة وعلى أساس تلك المعرفة يتم التوجيه.

1-    هناك مرحلة الطفولة الأولى تبدأ من الولادة وتستمر إلى أن يصير عمر الطفل سبع سنين.

2-    ثمّ هناك مرحلة الطفولة الثانية وهي من سبع سنين إلى أن يصير عمر الطفل إثنتي عشرة سنة.

3-    ثمّ تأتي مرحلة المراهقة، وتمتد من السنة الحادية عشرة أو الثانية عشرة وتستمر إلى السن العشرين، وهذه الفترة تسمى (فترة المراهقة).

والواقع أن فترة المراهقة تعتبر أخطر وأهم فترة في حياة الإنسان، لأنّ الإنسان فيها أشبه براكب سفينة في بحر هائج متلاطم الأمواج، وهي فترة عصيبة يمر بها الإنسان والسبب أن مرحلة المراهقة مزيج من حالة الطفولة ومن حالة الشباب فهي ليست طفولة خالصة وليست رجولة تامة ناضجة، وإنما هي فترة إنتقال بين عهدي الإنسان، لذلك فهي مرحلة حائرة، فالطفل فيها لا يدري هل لا يزال طفلاً صغيراً أم أنّه أصبح رجلاً كبيراً. إنّه يحب أن يكون مع الكبار وأن يعامله الناس على أنّه إنسان كبير لكنه يجد نفسه يميل إلى الأطفال واللعب معهم.

فالجسم في هذا العمر ينمو وربما يكون الإبن أطول من أبيه، وأضخم منه، فربما أراد الأب التعامل مع ابنه على أنّه كبير لكنه يفاجأ أن ولده في بعض الحالات يتصرف كما لو كان طفلاً صغيراً.

أمام هذه الحالة كثيرة ما يخطئ الأبوان بحق أولادهم حيث أنّهم لا يعرفون كيف يتصرفون معهم خاصة وأنّ الولد في هذه الفترة يكن عنده حس مرهف جدّاً، وحالة شاعرية خيالية، أمام أي موقف صعب وحرج. فتجده في أمثال هذه المواقف يرتبك ويبكي وإذا ما واجه تقريعاً من أحد خاصة أمامة زملائه أو أمام الناس فإنّه يذوب أسى وحزناً.

بعد هذه الفترة يكون الإنسان قد كوّن نفسه، فيتبين صلاحه أو فسقه خلال هذه الفترة.

 

مميزات مرحلة المراهقة:

وهنا يبرز سؤال هام: ما هي أهم مميزات مرحلة المراهقة؟ وكيف يجب أن نتعامل مع الولد في هذه الفترة الحرجة والحساسة؟

 

أوّلاً: تغيُّرات في الجسم:

في هذه المرحلة يحدث تغير في جسم الولد، وتبرز علامات الرجولة والأنوثة، فيخشن صوت الولد ويرق صوت البنت، وينبت الشعر في وجه الولد وفي أماكن أخرى من جسمه.. والسبب لأن في جسم الإنسان مجموعة من الغدد تكون في مرحلة الطفولة خاملة وتبقى نائمة راقدة غير منتجة. وفي سن المراهقة تتحرك وتنشط وتبدأ بفرز هرمونات في داخل الدم، وهذه الهرمونات تغير من شكل الولد أو البنت، وكثيراً ما يحدث أن يختل عمل بعض الغدد الجلدية مما يسبب إنسداد المسامات فتطفح على جلد الفتى أو الفتاة بعض الحبوب والدمامل مما يؤلم المراهق نفسياً، كما أنّه من الناحية العلمية يؤدي – ظهور حب الشباب – إلى تشتت انتباه الطلاب خلال الدرس فكثيراً ما ينشغل البعض بحكها وعصرها وربما تعوَّد على ذلك.

والسؤال لماذا تطفح على الجلد مثل هذه الحبوب والدمامل؟ ثمّ ما هي الطريقة للتخلص منها؟

يظن كثير من المراهقين أن حب الشباب يظهر نتيجة لعدم تصريف الطاقة الجنسية وزيادة كبتها، هذا تصور خاطىء جدّاً لا تقره الحقائق البيولوجية، كما إن استعمال المراهم والمساحيق لا يعود بالفائدة... والعلاج المناسب لذلك يكون باتباع النصائح الهامة التالية:

1-    القيام بفحص دقيق للجهاز الهضمي خاصة الكبد والأمعاء.

2-    لابدّ من تنظيم وجبات الطعام، ثمّ محاولة الابتعاد عن التوابل والبهارات والتقليل من تناول الأطعمة السكرية والنشوية والإكثار من أكل الخضراوات والفواكه.

3-    غسل الوجه والأماكن المصابة بحب الشباب بالماء الساخن والصابون والقيام بذلك برقة وبرفق في الماء.

4-    عدم عصر البثرات أو إزالتها سواء كان ذلك بتحريكها أو قلعها بالأظافر لأن ذلك يسبب ظهور ندب وتشوه للوجه، ومحاولة تجنب هذه العادة قدر المستطاع.

5-    ممارسة الرياضة والتعرض للشمس والهواء النقي، كل ذلك يساعد على التخلص من تلك الحبوب والدمامل.

 

ثانياً: كما يحدث تغيير في جسمه أيضاً يحدث تغيير في نفسيته وروحه.

فالله - عزّ وجلّ - في هذه المرحلة من مراحل الإنسان يوقظ فيه جسمه وروحه فينمو جسدياً وروحياً وتجدر الإشارة هنا إلى أنّ الولد في هذه السن يصل إلى سن البلوغ ويكون مكلفاً شرعاً.

وعلامات البلوغ هي:

1-    أن يبلغ عمر الإنسان خمسة عشر سنة كاملة.

2-    أو أنّه يحتلم بمعنى أنّه يفرز المادة المنوية.

3-    أو ينبت الشعر على العانة (وهي منطقة تحت السرة بأربعة أصابع).

وأما بالنسبة للبنت أن يصير عمرها تسع سنوات كاملة.

الولد في هذا السن ينمو. فإما أن ينمو جسدياً وينسى الجانب الروحي وهذا غير صحيح. وأما أن يتوجه نحو الروحانيات فقط، وينسى ضرورات الجسد وحاجات الحياة ويتحول إلى إنسان متصوف، الأمر الذي يقوده إلى التزمت، وهذا أيضاً غير صحيح.

لذلك يجب مراعاة الإعتدال فوقت العبادة عبادة، ووقت الرياضة رياضة، وهذا في بقية شؤون الحياة.

 

ثالثاً: الإعجاب بالنفس:

في هذا السن تصبح عند الولد حالة من الشره والولع والإعجاب بالنفس فتراه يبحث عن مواطن الجمال، سواء جمال جسمه أو جمال ملابسه أو جمال غرفته أو حتى جمال الفتاة التي يريد الزواج منها في المستقبل وهذا شيء طبيعي.

ورد في الحديث: "إنّ الله جميل ويحبّ الجمال".

ويقول الإمام الصادق (ع): "ألبس وتجمَّل فإنّ الله جميل يحبّ الجمال وليكن من حلال".

 

رابعاً: مرحلة النضج الجنسي:

في هذا السن يكون ضغط الغريزة الجنسية على أشده تدعمها الأجواء المفتوحة ووجود تيارات وأفكار هدامة كالمجلات الهابطة والأفلام الماجنة وكل ما يثير ويهيج الشهوة، إذ يجد الشاب نفسه في بحر عميق لا يعرف غوره! وحيث أنّه لا يمكن بحال من الأحوال أن تمنع أولادك من الدخول في هذا البحر الهادر فما العمل؟

مهمة الأب أن يتقن صنع السفينة لأولاده بشكل يأمن فيه عليهم من الغرق والهلاك، ويتم ذلك بتحصين الأولاد، وتربيتهم بنحو يعرفون الذي ينفعهم ويقدمون على فعله، ويعرفون الذي يضرهم فيجتنبونه.

 

خامساً: حب الاستقلال:

من حقّ الأب الشرعي أن يمنع أولاده من فعل بعض القضايا التي تضر بأنفسهم وبمستقبلهم ولكن ليس من الصحيح أن يتعسف في استعمال حقه بأن يفرض رأيه في كلّ شيء وفي مثل هذا السن يفكِّر الشاب أن يكون مستقلاً ويصبح رجل مكتملاً ومسؤولية الأب توجيه ولده ومساعدته في الاعتماد على نفسه وذلك باعطائه الثقة بنفسه.

 

سادساً: فترة الإنتماء والارتباط:

يقول العلماء في هذه الفترة تتجلّى الروح الجماعية أكثر من تجليها في أي وقت فهو بحاجة إلى أن ينتمي إلى جهة أو إلى طريقة أو إلى جماعة لذلك من المهم جدّاً توجيه الشاب في هذه المرحلة واستغلال هذه الروح في التجمعات النافعة مثل التجمعات الرياضية والأدبية والعلمية والاجتماعية المفيدة حتى لا ينتمي إلى جماعات الشذوذ وإلى عصابات الإجرام والمخدرات التي باتت تهدد المجتمع البشري من أقصاه إلى أقصاه.

إذ أن قضية الصداقة ليست مجرد لقاء اجتماعي بل هي قضية تأثير وتأثر، من هذا المنطلق تأتي مسؤولية الأب أن ينتقي لولده النماذج الصالحة والتجمعات الخيرة. وتسألني كيف؟

قد نقول إنّ الصداقة لا تفرض نفسها على الإنسان فرضاً فالولد هو الذي يختار أصدقاءه بنفسه. هذه الفكرة صائبة تماماً، ولكن يمكن للأب أن يهيئ الأجواء ويساعد ولده على أن يختار الأصدقاء الصالحين.

وهنا بعض الاقتراحات:

1-    القيام بزيارات برفقة أولادك إلى العائلات الطيبة والتي ترغب أن يصادق أبنائك أولادهم الطيبين.

2-    القيام بزهات وسفرات إلى أماكن جميلة أو القيام بزيارة الأماكن المقدسة كالمدينة المنورة والتشرف بزيارة الرسول الأعظم (ص) أو أداء مناسك العمرة في مكة المكرمة مصطحباً أبناءك برفقة العوائل الطيبة.

3-    اختيار المكان الصالح للبيت الذي تريد أن تقطنه أنت وأطفالك وتذكر دائماً أن شراء الجار قبل شراء الدار، فإنّ الإمام عليّ (ع) يقول: "سل عن الرفيق قبل الطريق وعن الجار قبل الدار".

4-    المراقبة والمتابعة. إذ لابدّ من أن تفتش عن الآثار الفكرية والسلوكية العالقة في أذهان أبنائك فتطرد الفاسد منها، وذلك عن طريق سؤال أحد أولادك عن زملائه في المدرسة وفي الشارع والنادي وحاول أن تعطي له فرصة التحدث بحرية عن زملائه وأصدقائه، ومن ثمّ واجبك التصحيح والتوجيه.

5-    من واجب الأب أن ينهي تلك الصداقات إذا وجد فيها إنحراف أو إغراء بالإنحراف ثمّ يوضع لولده أنّه لا مانع أن يكون له صداقات ولكن ليس مع فلان الصديق المنحرف، أو مع الجماعة الفلانية المنحرفة. فإذا فعلت ذلك فإنك تكون قد رسمت له معالم الطريق المستقيم الذي يجب أن يسير عليه وحينئذٍ إطمئن على ولدك ولا تخف عليه من عوامل التأثير الفاسدة في المجتمع.

 

سابعاً: الولاء لشخص يكبره:

يكون عند المراهق نوع من الولاء والإخلاص لشخص يكبره وبالذات الشخص الذي يحترمه ويقدره والشاب في هذه السن بحاجة إلى الاحترام والمداراة فإذا ما قوبل بعدم الاحترام في أسرته وقوبل بالإهمال الكلي من قبلها فإنّه يبدأ بالبحث عمن يقدم له الاحترام والتقدير.

وتبدو هذه الظاهرة عند البنات أكثر وضوحاً لذلك يلاحظ أنّ الكثيرات في هذه السن يخلصن إخلاصاً لبعض صديقاتهنّ اللاتي أكبر منهن سناً وقد يتجه شعور الإعجاب والحب والتقديس إلى مدرّسة من المدرّسات فتقلدها الفتاة في كل شيء حيث تقلدها في حركاتها وفي طريقة كلامها في زيها ولباسها وفي سلوكياتها أيضاً. وخطورة هذه الحالة حين تكون المدرِّسة أو الصديقة غير ملتزمة بالقيم الدينية والأخلاقية.

 

ثامناً: مرحلة نمو وإعداد:

تعتبر فترة المراهقة مرحلة نمو وإعداد لمرحلة أكثر مسؤولية، وأكثر عطاء في حياة الإنسان – الفرد والمجتمع – تلك هي مرحلة الشباب.

فمن المهم أن يتعلم الفرد ما يعينه على مواجهة الحياة ومتطلباتها. ويساعده على تنظيم أمور معاشه وبناء حياته ومستقبله.

والحقيقة أنّ الحياة في جوهرها جد، فلا يحصل الإنسان فيها على شيء إلا بالكد والعمل والاجتهاد يقول الله تعالى: (وَأَنْ لَيْسَ لِلإنْسَانِ إِلا مَا سَعَى) (النجم/ 39).

بالرغم من ذلك نرى كثيراً من الناس يأخذون الحياة هزلاً فتراه غير جاد بما يرتبط بدراسته وبحياته ومستقبله وعادة ما تكون هذه حالة الشباب في بداية شبابهم ولذلك ترى هذا النوع من الناس يضيع أوقاته في اللعب واللهو ويصرف عمره في القلق وتوتر الأعصاب.

لكنه سرعان ما يواجه الحقيقة المرة حينما يجد نفسه بلا طعام ولا كساء ولا مأوى، ولا زوجة ولا مستقبل، والإنسان الذي يريد أن يلهو ويضحك في البداية فإنّه يندم ويبكي في النهاية.

هناك نوع آخر من شبابنا مبتلون بداء العجز والكسل والبطالة تراهم يلعنون الدهر ويتهمون كلّ شيء بفشلهم إلا أنفسهم، في الحديث: "إني لأبغض الرجل – أو أبغض للرجل – أن يكون كسلاناً عن أمر دنياه ومن كسل عن أمر دنياه فهو عن أمر آخرته أكسل".

وعادة الذين لا قيمة لهم في الحياة، هم أولئك الذين عاشوا على سفاسف الأمور وقضوا حياتهم في المكان الفارغ وفي الكلام غير لائق.

لذلك ليس غريباً أن تسمع أن شخصاً ارتكب جريمة جنسية أو جريمة سرقة أو جريمة قتل، أو أن شخصاً أصيب بمشكلة نفسية أو أدمن على المخدرات وكل ذلك بسبب الفراغ السلبي الذي هو بيئة جيدة لنمو الأفكار الشيطانية الهدامة.

تقول الطبيبة يسرى أمين: إنّ الفراغ إذا رافق فترة الشباب المملوءة بالطاقة والحيوية كان الانحراف نتيجة له. لذا لابدّ من استثماره بهواية مفيدة أو دراسة محببة. وينقسم الفراغ إلى قسمين داخلي وخارجي:

داخلي: وهو أن يحس الإنسان أنّه يعيش بدون معنى أو هدف وهو أكثر خطورة لأنّه ينعكس في شكل حالات مرضية.

الخارجي: لا يجد الإنسان ما يشغله... وهذا النوع أقل خطورة وأكثر انتشاراً، وخطرته تتمثل في أنّ السواد الأعظم من الشباب لا يجدون ما يشغلهم فيجتمعون في شلة معينة وهذه التجمعات بداية لنمو الأفكار المؤدية للانحراف كالسرقة والمخدرات والقمار والمعاكسات.

وكما يقول الشاعر أبو العتاهية:

علمت يا مجاشع ابن مسعدة...

أنّ الشباب والفراغ والجدة...

مفسدة للمرء أي مفسدة...

وقال آخر... وأسباب البلاء من الفراغ.

ولكي نجعل أنفسنا على طريق الخلاص والنجاح لابدّ أن نعمل ما يجب علينا فعله، وأن لا نؤجل عمل اليوم إلى الغد، والمهم أن نعيش حياتنا بجد، ونستثمر أوقاتنا بطريقة إيجابية.

يقول الإمام عليّ (ع): "الفرصة تمر مرّ السحاب فانتهزوا فرص الخير".

ويقول أيضاً (ع): "الفرصة سريعة الفوت وبطيئة العود".

ويقول أيضاً (ع): "إضاعة الفرصة غصة".

والذي يضيع الفرص لا يحصد إلا الندم.►

 

المصدر: كتاب كيف نربِّي أبناءنا

ارسال التعليق

Top