• ٢٠ تشرين ثاني/نوفمبر ٢٠٢٤ | ١٨ جمادى الأولى ١٤٤٦ هـ
البلاغ

الشباب وتحمل المسؤولية

الشباب وتحمل المسؤولية
◄لا يختلف اثنان في أنّ الشباب هم الركيزة الأولى لتشييد أواصر الحضارات البشرية ولا يراود أي إنسان ريب في فضل الشباب في الاتقاء والتقدم الحضاري الذي أحرزه العالم اليوم.

فإذا رأينا أُمّة قد بدأت عليها مسحة العطاء والابتكار فذلك يرجع في المقام الأوّل إلى الجهود والأعمال الدائبة التي بذلتها تلك الفئة، وحينما نشاهد أُمّة تتلاعب بها غيرها من الأُمم وتعتبرها لقمة سائغة في ثغرها فمَرَدُّ ذلك في المقام الأوّل أيضاً إلى التقاعس واللامبالاة من لدن هذه الفئة، فمصير الأُمم تحت كتف الشباب.

إنّنا لا يمكننا أن نتحقق من أمر مستقبل البشرية على الأرض إلّا إذا اتجهنا بأنظارنا إلى هؤلاء الذين سيتحملون عبء تشكيل هذا المستقبل وصناعته.. فالشباب الذي تحمل في الماضي عبء كلّ كفاح خاضته البشرية.. هو وحده الذي يتحمل في الحاضر وسيتحمل في المستقبل هذا العبء الكبير.

لذلك فالشباب في أشد الحاجة اليوم إلى توضيح مقومات تأمين حياته الحالية والمستقبلية على أساس من تجارب الماضي وخبراته فهو يتطلع إلى تثبيت ضمانات الحرية والعدالة حتى يستطيع أن يؤدي دوره بكفاءة في كافة مجالات النشاط الإنساني، وحتى يظهر مِنْ بين جموعه العاملة.. القائد الكفء.. والرائد الواعي.. والموجه الذي يفهم عن حقّ كلّ متطلبات واحتياجات المستقبل.

ويحتاج عالمنا اليوم إلى كلّ جهد منطلق وكلّ حماس ثائر وكلّ قدوة خلّاقة يبذلها الشباب في كلّ ميدان حتى يتحقق التقدم المادي والمعنوي الذي يتتطلع إليه الإنسانية في كلّ مرفق من مرافق حياته وفي كلّ ناحية من نواحيها.

ولهذا فإنّ مهمة إعداد الشباب ورعايته والأخذ بيده إلى طريق تَفَهُم القيم الإنسانية في جوّ يسوده الود والاحترام المتبادل والتفاهم المثمر هي مسؤولية الدول والقائمين عليها.

ولذلك تولي الدولة اهتماماً كبيراً برعاية الشباب ووضعت لرعايته الخطط الطموحة، وجندت لها الإمكانات اللازمة، إيماناً منها بأنّ الشباب هم رجال الغد القادرون على البناء والعطاء الحاملون راية العلم والتقدُّم لإعلاء أوطانهم ورفعتها، وعلى أكتافهم يرتفع البناء ويتم الإنماء ويعم الرخاء فالشباب هم رأس مال أي أُمّة عرفت طريقها إلى النموّ، وبقدر استثمار تلك الثروة البشرية بقدر ما تنجح جهود التنمية التي يتوقف نجاحها على وعي الشباب وإدراكهم لمسؤولياتهم.

ولن تنجح خطط الصناعة التي تهتم بها الدول الإسلامية الآن إلّا بسواعد الشباب الذي يجب أن يُعدوا إعداداً نفسياً واجتماعياً وصحياً وعقلياً لمواجهة تحديات الصناعة والتكنولوجيا الحديثة وتطور الميكنة.

لقد أصبحت القوى المحركة للشعوب المتحررة والراغبة في التحرر على حد سواء في كافة أنحاء الأرض الآن مؤمنة إيماناً تاماً بأنّ تحرر الإنسانية من ريقة الفقر والمرض والجهل في داخل بلادها لا يتخذ سوى طريق واحد هو التحرر أوّلاً من ربقة الاستعمار وسيطرته وتحكمه، وذلك التحرر إنّما يتحقق عن طريق القوى المحركة والمنفذة لكلّ آمال وأماني ومطامع الشعوب.

القوى المنتجة العاملة في كلّ ميدان من الميادين النظرية والعملية، وهي التي يُطلق عليها اسم واحد نظراً لما تتصف به في أرجاء الأرض وبين مختلف شعوب العالم من صفات موحدة هذا الاسم هو الشباب، فهو قلب الشعوب النابض وأمل الأُمم في السلام والتعاون وفي التحرر والحرية والنموّ والرقي. إنّ مدنية العصر الحديث قد أوجدت مِن أسباب التقارب والاتصال بين الشباب في مختلف الدول وفي كلّ ميدان من ميادين النشاط والعمل ما كان سبباً في إيجاد علاقات دائمة ومتجددة بين الشباب أفراداً وجماعات، بل ومنظمات وجمعيات، متغلبة بفضل الوسائل الحديثة على كلّ العقبات التي كانت تحول دون اتصالهم في الماضي من حدود وعوائق مصطنعة.

لهذا كان لابدّ من العمل الجاد لتغيير عقلية الواضعين لهذا القيود والمسببين لهذه العثرات، وهم أنفسهم من الشباب أو مروا بمرحلة الشباب حتى تستطيع القوى العاملة أن تحقق السلام والمحبة وأن تقضي على الأثرة والأنانية والاستغلال والسيطرة والتعاظم وأن تحيي الأمل في النفوس وأن توطد علاقات الود والحب التي يجب أن تسمو إليها الصلاة الإنسانية المهذبة، وأن تعلّم الشباب في كافة أنحاء الأرض أن يتعاونوا على الخير للجميع، وألا يعيشوا ليأخذوا فحسب وإنّما ليأخذوا ويعطوا في نفس الوقت لكي تعيش الدنيا كلّها في ودٍ وتعاطفٍ وإخاءٍ وانسجامٍ وسلامٍ.

إنّ الدول المختلفة صغيرها وكبيرها تعطي لشبابها ما عندها.. ليجيء اليوم الذي يعطي فيه الشباب لأُمّته وللإنسانية كلّ ما عنده من طاقات العمل والفكر والفداء، ويوم يتحقق هذا البذل من ناحية الشباب عن وعي وصدق وفهم للأمور والأوضاع في داخل البلاد وفي خارجها.. فإنّنا لابد وأن نجني ثمرة طيبة.. نعم إنّ الشباب وحده هو القادر على تحقيق هذه الأماني كلّها إذا أُعطيت له الفرصة المناسبة لينتقل من مرحلة النظريات إلى مرحلة التنفيذ والعمل.

إنّ للشباب مكانة عظيمة في المجتمع الإسلامي؛ فشباب اليوم هم رجال المستقبل الذين سيحملون مسؤولية الإسلام كاملة، فهم المعلق عليهم الآمال والمنتظر منهم مثل ما ينتظر الزارع من زرعه، وهم أمل الحاضر والمستقبل، وهم المرجو منهم النهوض بحياة الشعوب الإسلامية، والابتعاد بها عن مواطن الزلل، وذلك حين يصبحون أكفاء قادرين على تحمل المسؤولية.►

 

المصدر: كتاب الشباب واستثمار وقت الفراغ

ارسال التعليق

Top