◄«مسَجلي.. اعملي مس كول.. بشوفك على الماسنجر.. لازم يكون في بينا كونتاكت.. ابعتلي إيميل...» وغيرها الكثير من المفردات والمصطلحات التي أصبحنا نردّدها في اليوم الواحد عشرات المرات، ليس فقط من باب البرستيج الاجتماعي، بل لأنّها تعكس في واقع الأمر صورة لحياتنا نحن الشباب اليوم. فالموبايل والـMP3 والـ MP4والإنترنت وغيرها الكثير من وسائل التكنولوجيا الحديثة أصبحت عناصر أساسية لاغنى عنها تسم حياتنا العملية والشخصية على حدٍّ سواء.
فكم منّا يشعر بالإرباك والضياع وعدم القدرة على التركيز عندما ينسى لسبب ما هاتفه المحمول بعيداً عنه، بحيث لا نتمكّن من استعادة توازننا النفسي والعاطفي إلّا عندما نستعيد دفئه بين أيدينا مجدداً! وكم من ساعات نقضيها بلا توقف أمام شاشات الكمبيوتر، على الماسنجر وفي غرف الدردشة وسماعات الموسيقى الحديثة تصم أذاننا وتعزلنا عن كلّ ما يحيط بنا وكأنّ العالم بأسره أصبح مختزلاً بمجرد شاشة تبلغ في أفضل الأحوال 14 إنشاً!.
نعم تؤثر وسائل التكنولوجيا الحديثة على حياتنا اليومية وترسم بتردداتها إيقاع يومنا، فهي أصبحت شديدة الالتصاق بنا أو بالتعبير الأدق أصبحنا نحن شديدوا الالتصاق بها والتماهي مع وسائلها المتعدّدة.. فلماذا يحدث هذا وكيف؟ وما هي تبعاته علينا كأفراد وعلى محيطنا الاجتماعي؟
خير جليس في الأنام.. النت:
نظراً لكون غالبية الشباب اليوم يتعاملون مع الأجهزة التقنية بأسلوب يبتعد عن تعقيدات المصطلحات وخلفياتها، ونظراً لما تملكه وسائل التكنولوجيا الحديثة من قدرة على التأثير في أوساط الشباب، فقد دفعت هذه العلاقة المتشابكة والشائكة في نفس الوقت كلّ من شركة مايكروسوفت، وشبكة إم تي في، وتلفزيون نيكلوديون إلى رعاية دراسة تهتم بهذا الموضوع. أُجريت الدراسة على عينة تتكون من 18 ألف فرد ينقسمون إلى شريحتين عمريتين، الأُولى (8 – 14) سنة، والثانية (14 - 24) سنة، وذلك في 16 دولة حول العالم منها بريطانيا والولايات المتحدة والصين واليابان وكندا والمكسيك. وذكرت الدراسة أنّ المعدل العالمي لعدد الأفراد المسجلين في قائمة الاتصال الخاصّة بالهاتف الجوال هو 94 فرداً، وفي قائمة الاتصال الخاصّة بالماسنجر 78 فرداً، وفي قائمة الاتصال الخاصّة بمواقع الشبكات الاجتماعية 86 فرداً. كما تناولت تأثير 21 وسيلة تقنية على الشباب وصغار السن، بدءاً من الإنترنت والتلفزيون وصولاً إلى ألعاب الفيديو وأجهزة MP3. بحيث جاءت مشاهدة التلفزيون على رأس قائمة الاختيار بنسبة 85%، بينما جاء سماع الموسيقى في المرتبة التالية بنسبة 70%، ثمّ ممارسة ألعاب الفيديو بنسبة 67%، أمّا البقاء أونلاين على الإنترنت فحاز على نسبة 50%. وكشفت الدراسة عن اختلافات في الأرقام الواردة في نتائج الدراسة نتيجة اختلاف الثقافات، فعلى سبيل المثال جاء الاختيار الأوّل للأطفال والمراهقين الصينيين في فئة (8 – 14) سنة في البقاء أونلاين مفضلين ذلك على مشاهدة التلفزيون.
ولأنّنا في مجتمعنا العربي والمحلي نفتقد مع الأسف لمثل هذه الدراسات الإحصائية الهامّة، فإنّ الالتقاء بالشباب والتحدّث معهم عن دور وسائل التكنولوجيا الحديثة على حياتهم يبدو الوسيلة الوحيدة الفعّالة للتعرّف أكثر على طبيعة العلاقة التي تربط الشباب بأجهزة التكنولوجيا الحديثة، خاصّة وأنّ الدراسات والأبحاث تظهر أنّ المراهقين والشباب هم الأكثر استخداماً للتكنولوجيا وأنّهم الأكثر قدرة على استيعابها، كما تؤكّد أنّهم «لا يستطيعون التخلي عنها» وأنّها «مهمّة» جدّاً بالنسبة لهم!.
يقول سامر السيِّد (طالب جامعي): «طبعاً وسائل التكنولوجيا الحديثة أصبحت عنصراً أساسياً في حياتنا، خاصّة تلك الأجهزة التي تحمل الصفة الشخصية من الخلوي إلى الكمبيوتر المحمول. فأنا لا يمكن أبداً اتخيل حياتي من دون وجود الموبايل والإنترنت والـMP3 وحتى ألعاب الفيديو التي أقضي أمامها ساعات طويلة مع أصدقائي.. في الماضي كانوا يقولون أنّ الكتاب خير رفيق، واليوم مع تطوّر التكنولوجيا أعتقد أنّ الإنترنت هو الرفيق الأفضل. فأنا أقضي على النت حوالي الخمس ساعات يومياً فهو مصدر واسع وشامل للمعلومات حيث حوّل العالم إلى قرية صغيرة.. صحيح أنّ أوقات جلوسي مع أُسرتي قلّ تدريجياً ولكنني اليوم أمتلك أصدقاء في مختلف أنحاء العالم أتواصل معهم بشكل مستمر بالرغم من البحور والقارات التي تفصلنا».
الأمر لا يختلف كثيراً عند هدى (طالبة جامعية) التي تقضي ما يزيد عن الست ساعات خلف الشاشة تتصفح الإنترنت، تقول هدى: «إنّ عالم الإنترنت فتح أمامي أفاقاً واسعةً من الأفكار والمعلومات الهائلة التي قد احتاج إلى إضافتها في رسالة الماجستير التي أعدّها في التاريخ وبصراحة كنت مشغولة تماماً قبل ذلك بكيفية توفير المصادر حتى جاءت رحمة الإنترنت». ولا يتوقف الأمر عند ذلك، بل تمضي هدى أوقاتاً أُخرى على جوالها ترسل رسائل sms إلى أصدقائها أو إلى القنوات الغنائية الفضائية، فهذه أيضاً «وسيلة حديثة وطريقة للتواصل والتسلية» على حدِّ تعبيرها.
محمّد (18سنة) يرى نفسه مغرماً بالإنترنت إلى حدِّ الإدمان، حتى أنّه ينسى تناول وجبات الأكل وحتى الدراسة، هدفه هو بناء علاقات مختلفة وكسب أكبر عدد من الأصدقاء يومياً، فضلاً عن تحميل أجدد الأفلام والأغاني. أمّا رضوان (17سنة)، طالب بالصف الثالث ثانوي فالإنترنت أتاح له فرصة التعرُّف على حياة غير مقيّدة وأفكار غير تقليدية «أعتقد أنّني أمتلك حرّية أكبر في التعرُّف على أصدقاء جُدد والتعبير عن أفكاري دون خجل أو خوف على النت، في حين لا أمتلك نفس المقدار من الشجاعة للتعرُّف أو الحديث بشكل مباشر مع المحيطين بي».
يُذكر أنّ الدراسة التي أعدّتها مايكروسوفت تشير إلى أنّ المواقع الترفيهية (الفنّية ومواقع الدردشة والمحادثة) تحتل المرتبة الأُولى من حيث المتابعة لدى الشباب، تليها المواقع الرياضية، ثمّ مواقع المناقشة، فمواقع خدمات البحث.. وتحتل المواقع الإخبارية السياسية والاقتصادية مراتب متدنية في سُلّم زيارات الشباب.
موبايل واحد لا يكفي:
باسل عبدالخالق (مهندس اتصالات) يرى: «أنّ أجهزة التكنولوجيا الحديثة من الخلوي إلى الإنترنت كلّها أصبحت عناصر أساسية في حياتنا اليومية العملية وانسحبت بالتالي على حياتنا الشخصية.. بالطبع لهذه الأجهزة فوائد وسلبيات أيضاً، فهي أجهزة وُجِدت لفائدة الإنسان ولمساعدته في التواصل بفاعلية أكبر. ولكن إذا أساء استخدامها انقلبت ضده. فالهاتف الخلوي اليوم لم يعد مجرّد أداة اتصال خاصّة مع وجود الكثير من الميزات التكنولوجية الإضافية الحديثة فيه (الكاميرا، راديو ومشغل موسيقى وحتى إمكانية تصفح للإنترنت).. فالخلوي اليوم هو رفيقي الذي لا يفارقني إلّا على باب الحمام».
ولأنّ ابتكارات التكنولوجيا لا تتوقّف على مدار الساعة، فإنّ حمى تغيير الموبايل أصبحت شديدة الانتشار بين الشباب بحجة مواكبة كلّ جديد. فهذا الموبايل كاميراته أكثر دقة، وذاك الموبايل ذاكرته أوسع والأخر «ميتالك» في حين أنّ الثالث يحتوي لعبة جديدة! ويؤكّد جلال (صاحب محل بيع لأجهزة الخلوي) أنّه يحصل بشكل شهري على أنواع جديدة من أجهزة الخلوي لتلبية رغبات الشباب الذي يرغب معظمه بتغيير موبايله بشكل شبه شهري وتجريب موديلات جديدة وأنواع مختلفة من الأجهزة. أمّا عن أسباب انتشار ظاهرة تغيير أجهزة الخلوي عند الشباب يقول جلال: «أعتقد أنّ الملل من الجهاز والرغبة بتجريب الجديد هو من أهم أسباب تغيير جهاز الخلوي، خاصّة وأنّ معظم الشباب الآن يبحثون عن الأجهزة غريبة الشكل».
إلّا أنّ الظاهرة الأغرب اليوم، هي انتشار محمولين بدل الواحد في أيدي الشباب الذكور تحديداً. فلم يعدّ جهاز خلوي واحد كافي، بل لابدّ من حمل اثنين مع علبة السجائر طبعاً ولا مانع من حمالة مفاتيح فاخرة زيادة في البرستيج الاجتماعي. يقول عمّار ( 26 سنة): «وجود هاتفيين خلويين أمر طبيعي وليس برستيج فقط، فالأوّل للعمل والثاني لحياتي الشخصية.. الأمر قد يكون بالفعل ملفتاً للنظر خاصّة عندما أذهب مع أصدقائي للسهر في أحد المقاهي، فيكون مجموع الأجهزة الموضوعة على الطاولة ضعف عددنا في معظم الأحيان. ولكن الهاتف الثاني أصبح ضرورة لا غنى عنها».
ربّما يكون لعمّار أسبابه الخاصّة والمقنعة لحمل جهازين خلويين في وقت واحد، ولكن السؤال الذي يطرح نفسه هل يجد عمّار وأصدقاءه متسعاً من الوقت للدردشة والحديث مع بعضهم البعض وكلّ منهم مشغول بالردّ على هاتفه الخلوي وإرسال رسالة على جواله الثاني، بحيث لا يكاد أحد منهم يرفع رأسه بعيداً عن شاشة جهازه لرؤية صديقه الجالس إلى جواره على بُعد أقل من ربع متر فقط!.
نِعمة أم نقمة:
مع زيادة تأثير التكنولوجيا بنواحيها المختلفة على حياة المراهقين والشباب عموماً، تدعو معظم الدراسات الحديثة هؤلاء الشباب إلى الابتعاد، ولو مؤقتاً، عن التكنولوجيا الحديثة، مشيرين إلى أنّهم بحاجة إلى استراحة قصيرة بين الحين والآخر لاستعادة روحهم والاستمتاع بممارسة الحياة الطبيعة والعودة إلى الواقع بعيداً عن الفضاء الإلكتروني. تقول ميشيل ويل، المؤلفة المشاركة في كتاب «الإجهاد التكنولوجي: كيفية التعامل مع التكنولوجيا في العمل وفي المنزل وفي اللعب»: «إنّ الانهماك في عالم التكنولوجيا أشبه بـ(الضياع في الفضاء)، فالمرء يضيع في عالم الإنترنت والألعاب والمحادثة». قد قامت ميشيل، مع زميلها لاري روزن، بتأليف الكتاب بعد أن لاحظت طول الفترة الزمنية التي يقضونها أمام أجهزة الكمبيوتر، ومدى الإجهاد الذي يتعرّضون له بسبب التقنية التي يفترض أنّها تطوّرت لجعل الحياة أسهل.
من جهة أُخرى، يقول العالم النفسي ديف غرينفيلد، المتخصص في قضايا التكنولوجيا الفائقة، أنّه: «يجب أن نمتلك التكنولوجيا، لا أن تمتلكنا». لكن غرينفيلد نفسه وقع أسيراً للتكنولوجيا، حيث يحمل الهاتف الخلوي بانتظام ويستمع إلى الموسيقى عبر مشغلات MP3 ويستخدم جهاز النداء الآلي والأجهزة المساعدة الرقمية، وغيرها، لذلك فهو يدرك تماماً مدى سيطرة التكنولوجيا عليه. لقد دخلت التكنولوجيا الحديثة وملحقاتها بقوّة في حياة الصغار والكبار وأوجدت لنفسها مساحات كبيرة في حياتنا وهذه حقيقة لا يستطيع أحد أن ينكرها، نظراً لما تمتلكه من إمكانات لا حدود لها في خلق التواصل.
وعلى الرغم من كون التواصل هو أساس الحياة الاجتماعية للإنسان إلّا أنّ الباحث الاجتماعي طلال الزين يؤكِّد وجود تأثيرات سلبية على الحياة الاجتماعية للشباب من جرّاء إدمان استخدام هذه الوسائل التكنولوجية الحديثة: «إنّ إدمان الشباب على استخدام وسائل التكنولوجيا الحديثة، الاتصالية منها تحديداً، يؤثر بشكل غير مباشر على الحياة الاجتماعية لهؤلاء الشباب. فاستخدام الإنترنت أصبح بديلاً للتفاعل الاجتماعي الصحّي مع الرفاق والأقارب وأصبح همّ الشاب قضاء الساعات الطويلة في استكشاف مواقع الإنترنت المتعدّدة، ممّا يعني تغيراً في منظومة القيم الاجتماعية للأفراد بما يعزّز الاستخدام المفرط القيم الفردية بدلاً من القيم الاجتماعية ويعزّز الرغبة والميل للوحدة، بما يقلل من فرص التفاعل والنمو الاجتماعي نظراً لتحوّل هذه الوسائل إلى «الصديق الوحيد المقرّب»، فهي تقوم بمصاحبتهم يومياً وتسدّ أوقات الفراغ والوحدة عندهم، خاصّة وأنّ جزء كبير من هذه الوسائل الحديثة يعتمد فكرة بناء عالم افتراضي خاصّ (الألعاب، الدردشة على الإنترنت) يتحوّل فيه الشباب مع كثرة الاستخدام إلى مجرّد عبد للآلة تقطع معه المسافات الوهمية وهو جاثم في مكانه دون حراك، تقوده إلى عالم الخيال والشخصيات الوهمية ليصحو من غفوته لاحقاً ويرى أنّه لا يزال جالساً وحيداً مكانه».
حديث الأستاذ الزين تؤكّده دراسة حديثة أعدّها الدكتور نورمان سارتوس رئيس الجمعية العالمية للطب النفسي، تؤكّد أنّ ثورة التكنولوجيا الحديثة وظهور الحاسوب والإنترنت والجوال والفيديو تفرز أمراضاً نفسية عديدة منها الاكتئاب والقلق والاضطرابات العصبية وذلك لدورها في عزلة الإنسان وانطوائه وإنهاء علاقته وترابطه الأُسري.
ويشير الأُستاذ الزين إلى نقطة أُخرى شديدة الأهميّة وترتبط بطبيعتها تحديداً بمجتمعاتنا العربية، «إنّ دخول التكنولوجيا في مجالات الحياة الواسعة أصبح عاملاً مساعداً في تقوية الفجوة بين الأجيال فيما يتعلّق بثقافة الحوسبة والاتصال مع العالم الخارجي.. لا بل أنّ الكثير من الناس الذين لا يتمتعون بميزة استخدام هذه الوسائل أصبحوا عرضة للاتهام بالتخلُّف والغباء ممّا يساعد على تطوير نموذج من الصراع الاجتماعي والثقافي بين الأجيال أو شرائح المجتمع أو بين الصغار والكبار أو الأبناء والآباء».
في النهاية، قد لا يسعنا نكران جدية الدراسات العلمية وخطورة نتائجها.. كما أنّ حديث الأُستاذ الزين يبدو منطقياً، ولكن ما العمل وجميعنا يجمع اليوم على استحالة الاستغناء عن أي من وسائل التكنولوجيا الحديثة إن لم يكن يطالب بالمزيد! ربّما لا يكون الموبايل والإنترنت والستلايت مثاراً لمشكلة في حدِّ ذاتهم، وإنّما المشكلة قد تكون في طريقة التعامل مع هذه الوسائل، التي تحوّلنا مع كثرة الاستخدام الغير موظف إلى مهوسين وأشباه مدمنين. فهل نمتلك ما يكفي من الحكمة والتعقل للحفاظ على دورنا كمُستَخْدِمين وليس كمُستخْدَمين، فنمتلك التكنولوجيا نحن قبل أن تتملكنا هي؟!.►
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق