كما أنّ الحروب تنشب غالباً على الحدود بين الأقطار المتنازعة، كذا فإنّ الجلد يمكن أن يكون رمزاً لأرض المعركة التي تنشب فيما بين الانفعالات بعضها وبعض. والواقع أنّ العلاقة فيما بين الأمراض الجلدية وبين الصراع الداخلي لدى المرء، إنما هي علاقة معقدة. وثمة عدد كبير من تلك الأمراض يجب أن يتم علاجه بأساليب العلاج النفسي مثل التنويم والتدرب على الاسترخاء.
والجلد هو الحلة الوحيدة التي لا نخلعها عن أجسادنا. بيد أنّنا نحدث تغيرات في جلدنا حتى نتواءم مع حالتنا المزاجية، أو لكي نتكيف للموقف المتقلب وليس من شك في أنّ كلّ فعل يتسم بالحب أو الكراهية كما أنّ كلّ نشاط يمارسه المرء في العمل أو في اللعب، إنما يتضمن في الوقت نفسه تغيراً من الداخل في الجلد.
وليس من شك في أنّ أخصائيي الأمراض الجلدية يتذرعون بوسائل العلاج والتطبيب لمغالبة تلك الأمراض الجلدية. على أنّ وسائل العلاج الناجعة مع بعض المرضى قد لا تكون ناجعة بدرجة كافية إذا ما طبقت على سواهم ممن يصابون بنفس تلك الأمراض الجلدية. وهؤلاء المرضى الذين لا تفلح معهم وسائل العلاج يرتمون في حمأة اليأس هم والأطباء الذين يسهرون على علاجهم. والواقع أنّ كثيراً من تلك الحالات يمكن الإبلال منها بالعلاج النفسي.
بيد أنّ هناك عقبة خطيرة تتمثل في مقاومة المريض نفسه لفكرة أنّ أحاسيسه يمكن أن يكون لها دور هام تلعبه في إحداث الأمراض الجلدية. ولكن المعالجين النفسيين قد وقعوا على أنّ البعض من تلك الأمراض يستجيب للعلاج النفسي الذي يستخدم الأساليب العلاجية المقررة في الطب النفسي وفي التنويم وغيرهما.
وثمة في الواقع أسباب متباينة لنشوء الأمراض الجلدية. فالوراثة تلعب دوراً في بعض تلك الأمراض. وكذا فإنّ البكتريا والفيروسات والمهيجات الطبيعية والكيميائية تلعب دوراً هاماً في بعضها الآخر. ومهما كان السبب الذي يلعب دوراً في إحداث تلك الأمراض، فإنّ المشكلات الانفعالية قد تزيد من عدد مرات النوبات ومن شدتها. ولقد تكون تلك المشكلات الانفعالية وحدها هي السبب الأساسي في إحداث بعض الاضطرابات الجلدية.
على أنّ العلماء اكتشفوا أنّ العلاقة فيما بين الأمراض الجلدية وبين الانفعالات ليست علاقة بسيطة. ويبدو أنّ الناس عندما يتركون أنفسهم للمرور في خبرة الواقع الانفعالي لأحد المواقف الصعبة فإنّ الأعراض الجسمية لا تظهر لديهم في الغالب. وعلى العكس من هذا فإنّ أولئك الذين لا يتجشمون الألم الذي يحمله أحد المواقف الصعبة، إنما يكونون معرضين أكثر من غيرهم للإصابة بتلك الأعراض الجسمية. فلأنّهم لا يصيحون ولا يستنجدون لنيل المساعدة، أو لأنّهم لا يتذكرون الأحداث المؤلمة فيبدو أنّ أجسادهم تبدأ في اتخاذ دور احتجاجي بدلاً منهم.
وفي سبيل العثور على علاج يتسنى بواسطته التخفيف من الأثر الناجم عن التوتر الانفعالي في إحداث الأمراض الجلدية، فإنّ العلماء أخذوا في الإفادة من أساليب التنويم وغيرها لعلاجها. ولقد وجدوا أمامهم العديد من التقارير الناجعة. ففي بعض الحالات فإنّ المشتغلين بالتنويم قد أوحوا للمريض ببساطة بأنّ الحالة سوف تتحسن. وفي حالات أخرى فإنّ التنويم كان يستخدم كأداة للكشف عن الدعامات الانفعالية للمريض ولمساعدة المرضى على المرور بخبرة مشاعرهم مباشرة بدلاً من اجتيازها من خلال الجلد. ولسبب أو آخر فإنّ هذه التقارير لم تنشر على نطاق واسع، بل استخدمت في نطاق ضيق. وبذا فإنّ المراجع التي تعالج طب الجلد لا تتضمن سوى إشارات قليلة إلى فنون التنويم.
ولعلّ كتاب ميشيل سكوت (استخدام التنويم في الأمراض الجلدية وأمراض الحساسية) هو الكتاب الوحيد الطويل من هذا النوع. ولقد نفدت طبعته منذ أعوام، وهو عرض واضح وحيّ، كما أنّه يتضمن عرضاً لبعض الحالات المثيرة. ومن بين تلك الحالات حالة ضابط طيران بدأت تظهر على جبهته بثرات شخّصت بأنّها قوباء. وكانت تلك البثرات تنتشر لديه كلما طار فوق وادٍ ضيق معيّن. وفي أثناء تنويمه للعلاج حيث كان يتسنى تبادل الحديث بينه وبين المعالج، فإنّه تذكّر أنّ ذلك الوادي هو نفس الوادي الذي قتل فيه زميل له في حادثة ارتطام بالأرض. وكان من المفروض أن يقوم صاحبنا برحلة بطائرته فوق ذلك الوادي بدلاً من الطيار القتيل ولكنه مُنع من ذلك تحت وطأة المرض. ولقد استطاع أن يسترجع تدريجياً ذكرياته وانفعالاته المكبوتة، كما استطاع أن يسترجع مدى ارتباط تلك الذكريات بشعوره بالذنب والحزن. بيد أنّه عندما استطاع أن يحس بانفعالاته بشكل مباشر، فإنّه لم يعد بحاجة بعد ذلك للاستعانة لا شعورياً بالقوباء كوسيلة للإحساس بالمرارة ولم يعد يحس مرة أخرى بالألم الناجم عن موت صديقه المفجع.
وثمة صعوبة محددة جابهت الباحثين لدى محاولتهم وضع طريقة فعّالة في معالجة الأشخاص المصابين بأمراض جلدية حادة ومتكررة. فكثير منهم لا يوجهون إلى وسائل العلاج النفسي. ولقد يكونون على غير ألفة بالعلاج النفسي، أو قد يكونون غير واثقين في نجوع وسائله أو قد يخشون الخضوع لتلك الوسائل أو قد يقفون موقفاً معادياً للعلاج النفسي برمته. ولقد يكونون غير مستعدين لإدراك أنّ بعض الناس قد يشكلون هم أنفسهم التهديد الرئيسي لصحّتهم. وبالأسف فإنّهم يفقدون بذلك فرصة لعب دور فعّال في علاج أنفسهم. والخيار الوحيد الذي قد يتاح أمام هؤلاء المرضى هو ما إذا كانوا يتذرعون بالشجاعة للمرور بالخبرة النفسية المؤلمة، أو ما إذا كانوا يتعرضون للمعاناة بما يصابون به من أمراض جلدية.
الكاتب: يوسف ميخائيل أسعد
المصدر: كتاب شخصيتك بين يديك
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق