• ٢٦ كانون أول/ديسمبر ٢٠٢٤ | ٢٤ جمادى الثانية ١٤٤٦ هـ
البلاغ

الغاز المصري وآفاق التطبيع مع إسرائيل

الغاز المصري وآفاق التطبيع مع إسرائيل
حاولت الحكومات المصرية المتعاقبة تطبيع العلاقات مع إسرائيل بعد عقد اتفاقيات كامب ديفد الموقعة عام 1979. ورغم النجاح الرسمي الجزئي في التطبيع المعبر عنه بتوقيع اتفاقات لتصدير النفط والغاز من مصر إلى إسرائيل بأسعار زهيدة جدًّا، فإنه لم يحصل تطبيع شعبي حقيقي حيث رفض الشعب المصري تداول السلع المصنعة إسرائيليا ناهيك عن رفضه استقبال سياح يهود وعدم التعاطي معهم سواء في الفنادق أو في الشقق السكنية المخصصة للتأجير. وتجدر الإشارة إلى أن التطبيع الاقتصادي بين مصر وإسرائيل كان قرارًا سياسيا بامتياز. ومن أوجه التطبيع الاقتصادي اتفاقية تصدير الغاز المصري إلى إسرائيل الموقعة عام 2005. حقائق حول اتفاقية الغاز
يتم بموجب الاتفاقية تصدير 1.7 مليار متر مكعب سنويًّا من الغاز الطبيعي إلى إسرائيل لمدة عشرين عاما بثمن يتراوح بين 70 سنتًا و1.5 دولار أميركي للمليون وحدة حرارية، مع أن سعر التكلفة يصل إلى 2.65 دولار. وقد حصلت إسرائيل على إعفاء ضريبي لمدة ثلاث سنوات استمرت حتى عام 2008. وقد أثارت الاتفاقية المذكورة حفيظة أعضاء في مجلس الشعب المصري آنذاك. ويمتد طول أنابيب الغاز مسافة مائة كيلومتر، من العريش في سيناء إلى ساحل مدينة عسقلان بجنوب فلسطين المحتلة على البحر الأبيض المتوسط. وقامت شركة غاز شرق المتوسط بتنفيذ الاتفاق المشار إليه. والشركة هي شراكة بين رجل الأعمال المصري حسين سالم الذي يستحوذ على النسبة الكبرى من أسهم الشركة المذكورة، ومجموعة ميرهاف الإسرائيلية، فضلاً عن شركة أمبال الأميركية الإسرائيلية، وشركة بي تي تي التايلندية، ورجل الأعمال الأميركي سام زيل. وفي الوقت الذي كانت فيه مصر تصدر الغاز بأسعار أقل من التكلفة عانى المصريون خاصة في السنوات الأخيرة من نقص أسطوانات الغاز التي يستخدمونها لتلبية حاجتهم من الغاز نظرًا لعدم وصوله إلى كافة مناطق الجمهورية. وأدى هذا النقص إلى تضاعف أسعار هذه الأسطوانات عدة أضعاف، إضافة إلى صعوبة الحصول عليها. وقد وجهت انتقادات متلاحقة لوزارة البترول المصرية لتصدير الغاز بأقل من الأسعار عالميا في حين يعاني المصريون من أزمة طاقة وبشكل خاص الغاز. تداعيات إلغاء تصدير الغاز
بعد قرار "الشركة القابضة للغاز" في مصر، في يوم الأحد 22/4/2012 إنهاء التعاقد مع شركة "شرق البحر المتوسط للغاز" بسبب إخفاق الشركة في الوفاء بالالتزامات التعاقدية في العقد الخاص بتصدير الغاز إلى إسرائيل برزت أسئلة عديدة حول مستقبل التطبيع الذي يعتبر قرارًا سياسيًّا بامتياز. وقد أكدت الردود الإسرائيلية الغاضبة ذلك، حيث أكدت القناة الثانية في التلفزيون الإسرائيلي أن إلغاء مصر لاتفاق تصدير الغاز "يُعد ضربة لمعاهدة السلام المبرمة في عام 1979 بين القاهرة وتل أبيب". وفي مقابل ذلك رأت شخصيات عربية أن قرار مصر يعتبر قرارا صائبا يعزز ويؤكد دور مصر الوطني والقومي الرائد في دعم القضايا العربية وفى مقدمتها القضية الفلسطينية. ولم تخف المؤسسة الإسرائيلية خوفها من القرار المصري الأخير بوقف انسياب الغاز باتجاه إسرائيل، حيث أشار عضو الكنيست الإسرائيلي اليمينى ميخائيل بن آرى إلى ضرورة التعامل مع مصر كحركة إرهابية، وعدم اعتبارها دولة ذات سيادة، والدعوة إلى إعادة احتلال شبه جزيرة سيناء. وتبع ذلك تصريح لقائد الجيش الثاني في مصر يؤكد فيه قدرة مصر على حماية سيناء من أي عدوان. واللافت أن المؤسسة الإسرائيلية تلمست التداعيات المحتملة للثورة المصرية منذ الأيام الأولى لانطلاقها، حيث تحدثت صحيفة يديعوت أحرنوت الإسرائيلية عن مستقبل منطقة الشرق الأوسط بعد انطلاق انتفاضة مصر، وأكدت أن إسرائيل ستصبح "جزيرة منعزلة في محيط من الكراهية"، وأن "شرق أوسط جديدا" يتشكل بعد ثورة مصر "غير ذلك الذي تمناه الحالمون عندما أطلقوا إلى هواء العالم العبارة المذكورة". وأضافت الصحيفة "في الشرق الأوسط كل شيء يمكن أن يحصل، وكل شيء يمكن أن ينقلب رأسا على عقب في غضون يوم، أو في غضون ساعة، علينا أن نكون جاهزين كل يوم لكل شيء". وبالفعل قد يكون قرار وقف تصدير الغاز المصري إلى السوق الإسرائيلية انقلابًا وفق التصور الإسرائيلي المذكور. الثورة المصرية نقطة البداية
وبالعودة إلى الخطاب الإعلامي الإسرائيلي إزاء التداعيات المحتملة للثورة المصرية فإن كبير المعلقين في صحيفة "يديعوت أحرونوت" ناحوم برنياع، أشار أكثر من مرة إلى أن الجماهير المصرية التي نزلت إلى الشارع منذ يوم 25 يناير/كانون الثاني 2011 طالبت بالخبز والعمل ونظافة اليد والديمقراطية، ومن أجل هذه الحقوق الأساسية هم مستعدون للوقوف أمام الدبابات وخراطيم المياه وفي وجه دروع الشرطة. وذهب المحلل السياسي في صحيفة "إسرائيل اليوم" الإسرائيلية دان مرغليت إلى أبعد من ذلك قائلاً إنه "سيكون هناك انعطاف في اتفاق السلام، وفي أفضل الأحوال فإن التغييرات ستكون هامشية، لكنها لن تتوقف عند هذا الحد، بل سيتدهور الوضع خلال بضع سنوات إلى تبني موقف متطرف تجاه إسرائيل، ولن يكون هذا بإلغاء اتفاق السلام وإنما بالمس بمستوى العلاقات الدبلوماسية". وتابع قائلا إن «الشرق الأوسط، وإسرائيل بداخله، يستيقظ على عهد انعدام اليقين، وبالتأكيد على أيام مخيفة وحالة جهوزية في ما يتعلق بتأثير شعلة القاهرة على الاستقرار، ربما في عدة مراكز عربية في إسرائيل وفي المدن الفلسطينية وفي الضفة الغربية". ومن ناحيته، يرى الكاتب في صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية عاموس هرئيل أن "انهيار النظام القديم في القاهرة كان له تأثير سلبي كبير في وضع إسرائيل الإقليمي، وقد يعرض في الأمد البعيد تسويتي السلام مع مصر والأردن للخطر". واعتبر الكاتب المذكور أن من شأن هذه التطورات أن تفقد إسرائيل حليفيها، الأردن ومصر، اللذين يرى أنهما "أكبر كنوز إسرائيل الإستراتيجية بعد تأييد الولايات المتحدة". وأضاف أن "هذا الأمر قد يوجب تغييرات في الجيش الإسرائيلي ويثقل على المستوى الاقتصادي أيضا". وفي هذا الاتجاه أكدت صحيفة "غلويز" الاقتصادية الإسرائيلية أن وزارة البنية التحتية في إسرائيل أجرت مناورات استعدادا لحالة طوارئ في حال انقطاع إمدادات الغاز المصري إلى السوق الإسرائيلية. وفي هذا السياق يشار إلى أن أربع شركات إسرائيلية وقعت في ديسمبر/كانون الأول 2010، عقودا لشراء الغاز المصري على مدى عشرين عاما بقيمة قدرت بنحو ستة مليارات دولار. واللافت أن انسياب الغاز من مصر إلى إسرائيل يعتبر أحد أوجه التطبيع الاقتصادي الرسمي مع مصر، في وقت غابت فيه مؤشرات حقيقية حول التطبيع الشعبي، على الرغم من مرور أكثر من ثلاثة عقود على الاتفاقات المصرية الإسرائيلية. ويبدو أن القرار المصري المتعلق بعدم تصدير الغاز إلى إسرائيل مؤخرًا سيجعل مستقبل التطبيع الرسمي مع مصر على صفيح ساخن، ناهيك عن كونه مادة دسمة لمراكز البحث الإسرائيلية والإعلام الإسرائيلي والمؤسسة الإسرائيلية بشكل عام. ومن شبه المؤكد أن استقرار الأوضاع في مصر بعد تشكيل نظام سياسي يعبر عن إرادة الشعب المصري وثورته سيحدث متغيرات سياسية متسارعة وعندئذ ستصبح الاتفاقات المصرية الإسرائيلية على كف عفريت قد يطيح بها لاحقًا.  

ارسال التعليق

Top