◄الكل محتاج فقير، ينطق بلسان وجوده بكلمة الفقر والفاقة إلى الغني القدير وهو الله. فمن الذي يمد الوجود وجوداً ولولاه لما بقيت على قيد الحياة أو في دائرة الوجود، إنّه الغني المطلق الذي لا يحتاج إلى أحد والكل محتاج إليه وهو "الله عزّ وجلّ".
فأدنى تدبر في هذا العالم يوصلنا إلى نتيجة عقلانية وهي انّ كل الموجودات محتاجة إلى الله وهو الكريم الرؤوف القدير الرحيم. فإنّ الحركة المنطقية العقلائية للإنسان تحثه على الطلب من الله والتسليم له واستنزال المدد الغيبي الداعم للمؤمنين.
(يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ) (فاطر/ 15).
فالإنسان الحائر الباحث عن الحقيقة السائل عن طريق النجاة عندما يتوجه إلى الله.
وإذا بنسيم الرحمة يخاطبه بلسان (وَوَجَدَكَ ضَالا فَهَدَى) (الضحى/ 7).
وإذا باليد الرحمانية تمتد لإنتشال الإنسان من حيرته، وترسل إليه الرسول الأكرم (ص) ليدله على الطريق.
قال الرسول الأكرم (ص): "مَن عرف نفسه فقد عرف ربه".
فالإنسان الحائر يريد أن يصل إلى معرفة المحصلة والغاية والهدف الذي خلقنا الله تعالى لأجله.
قال أمير المؤمنين عليّ (ع): "رحم الله امرءً عرف من أين وفي أين وإلى أين".
وهذه المعرفة تؤثر على استراتيجية الإنسان في التعامل مع الواقع والتفاعل السلوكي مع الواقع ويبقى لهذا الإنسان خيارين:
· سلوكيات توصل إلى الهدف.
· سلوكيات تحرف عن الهدف.
والآثار السيكولوجية والنفسية والعاطفية لعدم الوصول للهدف تولد حسرة مرضية يصعب علاجها وخسارة في نيل المقاصد والفضائل.
قال أمير المؤمنين (ع): "العامل من دون بصيرة كالسائر على غير الطريق لا تزيده كثرة السير إلا بعداً".
الدوافع الفطرية للسلوك على المستوى النفسي والعقلي:
1- حب الاستطلاع وطلب العلم.
2- السعي لإمتلاك القدرة والسيطرة.
3- الحاجة للإرتواء العاطفي.
فكل إنسان منذ أن يولد يسأل:
1- كيف؟
2- لماذا؟
3- أين؟
4- متى؟
5- منذ متى؟
6- إلى متى؟
7- من؟
8- كم؟
9- وغيره...
فهو يريد أن يعرف كل ما حدث أمامه ويسأل عن سببه. وحتى ذلك الإنسان الذي يقمعه مجتمعه أو بيئته فلا يدعونه يتعلم ويسلك مدارج العلم والمعرفة، حتى هذا الإنسان لا يمكنه أن يقف ساكناً أمام حدوث ظاهرة غريبة أمامه. فأول شيء يحدث أمامه يدفعه إلى الإستفسار!
والإنسان دائم السعي لإمتلاك القدرة عبر جميع الأشكال كالمال والسلطة والجاه والعلم والمهارة.. فإنّ هذه حاجة لا ينفك الإنسان عن طلبها، فالراحة عنده هي للقيام مرة ثانية بنشاط أكبر لإمتلاك القدرة وإشباع حوائجه.
إنّ الإنسان ليصبو فطرياً وبشكل مطلق إلى نيل كل كمال وأنتم تعلمون جيِّداً أنّ الإنسان يميل إلى أن يكون قدرة مطلقة في العالم، ولو أمسك هذا العالم في قبضته وبسط سلطته، فإنّ قيل له أنّ هناك عالماً آخر غير هذا فإنّه يصبو فطرياً ليتسلط على ذلك العالم أيضاً، وهكذا، ومهما اكتسبت الإنسان من العلوم فهو يتوق أيضاً إلى كسب علوم أخرى إن أخبر بوجودها، ولهذا يجب أن تكون هناك القدرة المطلقة والعلم المطلق ليتعلق قلب الإنسان بهما وهذه القدرة المطلقة والعلم المطلق هما الله تعالى الذي نتوجه كلنا لوجوده حتى ولو لم نعرف ذلك.
فتفكر في هذا الكلام جيِّداً، هل أنك تذهب لسد حاجاتك إلى من لا يملكها، وتبحث في هذه الدنيا الفانية التي متاعها قليل وخطرها كثير، عما تصبو إليه فطرتك السوية. غنى الله مطلق وغنى الناس محدود... تصور لو كنت تحتاج إلى عشرين رغيفاً فلن تذهب إلى من لا يملك أكثر من خمسةِ أرغفة، لأنّك تعرف أنّه لا يشبع حاجتك، فكيف إذا كانت حاجاتك هي طلب الكمال من العلم والقدرة والاقتصاد...
وجاء في الحديث القدسي الشريف: قال تعالى: "يا ابن آدم أنا غني لا أفتقر أطعني فيما أمرتك أجعلك غنياً لا تفتقر، يا ابن آدم أنا حي لا أموت أطعني فيما أمرتك أجعلك حياً لا تموت، يا ابن آدم أنا أقول للشيء كن فيكون أطعني فيما أمرتك أجعلك تقول للشيء كن فيكون".
(فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ وَلا تَطْغَوْا إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) (هود/ 112).
وإنّ الميزان في أول السير هو القيام، سواء في الأعمال الشخصية والفردية أو النشاطات الاجتماعية.
فلا تجعل مشاريعك وأهدافك وغاياتك بعيدة عن الله سبحانه وتعالى.►
المصدر: كتاب التحفيز الإيماني
ارسال التعليق