◄وللرضا ثمرات إيمانية كثيرة وافرة تنتج عنه، يرتفع بها الراضي إلى أعلى المنازل، فيصبح راسخاً في يقينه، ثابتاً في اعتقاده، وصادقاً في أقواله وأعماله وأحواله.
وليعلم أنّ رضاه عن ربه – سبحانه وتعالى – في جميع الحالات، يثمر رضا ربه عنه، فإذا رضى عنه بالقليل من الرزق، رضى ربه عنه بالقليل من العمل، وإذا رضى عنه في جميع الحالات، واستوت عنده، وجده أسرع شيء إلى رضاه إذا ترضّاه وتملَّقه. ولذلك انظر للمخلصين مع قلة عملهم، كيف رضى الله سعيهم؛ لأنّهم رضوا عنه ورضى عنهم، بخلاف المنافقين، فإنّ الله ردَّ عملهم قليلهُ وكثيرهُ؛ لأنهم سخطوا ما أنزل الله وكرهوا رضوانه، فأحبط أعمالهم.
فالرضا يوجب له الطمأنينة، وبرد القلب، وسكونه وقراره وثباته عند اضطراب الشُّبَه والتباس القضايا وكثرة الوارد، فيثق هذا القلب بموعود الله وموعود رسوله (ص)، يقول بلسان الحال: (هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا) (الأحزاب/ 22)، والسخط يوجب اضطراب قلبه، وريبته وانزعاجه، وعدم قراره، ومرضه وتمزقه، فيبقى قلقاً ناقماً ساخطاً متمرداً، فلسان حاله يقول: (مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلا غُرُورًا) (الأحزاب/ 12).
والرضا يُخلِّص العبد من مخاصمة الربّ تعالى في أحكامه وأقضيته.
والرضا يفتح له باب السلامة، فيجعل قلبه سليماً، نقيّاً من الغش والدَّغَلِ والغِلِّ، ولا ينجو من عذاب الله إلّا مَن أتى الله بقلب سليم، وهو السالم من الشُّبه، والشك والشرك.
وسلامة القلب وبِره ونصحه: قرين الرضا.. وكذلك الحسد: هو من ثمرات السخط. وسلامة القلب منه: من ثمرات الرضا. فالرضا شجرة طيبة، تُسقى بماء الإخلاص في بستان التوحيد، أصلها الإيمان، وأغصانها الأعمال الصالحة، ولها ثمرة يانعة حلاوتها.
ومَن ملأ قلبه من الرضا بالقدر، ملأ الله صدره غنىً وأمناً وقناعةً، وفرغ قلبه لمحبته والإنابة إليه، والتوكل عليه. ومَن فاته حظَّهُ من الرضا، امتلأ قلبه بضدِّ ذلك، واشتغل عما فيه سعادته وفلاحه.
والرضا يثمر الشكر الذي هو من أعلى مقامات الإيمان، بل هو حقيقة الإيمان فإنّ غاية المنازل شكر المولى، ولا يشكر الله من لا يرضى بمواهبه وأحكامه، وصّنعه وتدبيره، وأخذه وعطائه، فالشاكر أنعم الناس بالاً، وأحسنهم حالاً.
والرضا يخرج الهوى من القلب، فالراضي هواه تبع لمراد ربه منه، أعني المراد الذي يحبه ربه ويرضاه، فلا يجتمع الرضا واتباع الهوى في القلب أبداً، وإن كان معه شُعبة من هذا، وشُعبة من هذا، فهو للغالب عليه منهما.
إن كان رضاكم في سهرى *** فسلام الله على وسنى
(وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى) (طه/84)
إن كان سرَّكم ما قال حاسدنا *** فما لجُرحٍ إذا أرضاكمو ألم[1]
والرضا يثمر للعبد محبة الله – جلّ وعلا – ورضوانه... وهي أعظم وأجلُّ النِّعم في الدنيا والآخرة.
والرضا أعظم دليل على حُسن ظنِّ العبد بربه – جلّ وعلا –.
والرضا يجعل المؤمن في راحة نفسية وروحية دائمة.
والرضا يخلص العبد المؤمن من الأزمات النفسية؛ لأنّه يشعر بالرضا التام عن قضاء الله – جلّ وعلا – وقدره.
والرضا دليل على كمال الإيمان في قلب العبد المؤمن.
ومن ثمرات الرضا الفوز بالجنّة، والنجاة من النار.
فأسأل الله – جلّ وعلا – أن يملأ قلوبنا رضاً وأن يرضى عنا رضاً لا يسخط بعده أبداً.
رضا الله عن العبد أكبر من نعيم الجنّة:
إنّ من لوازم الإيمان أن يرضى العبد بقضاء الله وقدره خيره وشره وأن يعلم أنّ الأقدار لا تكون حسب رغباته وأهوائه وإنما تكون بحسب حكمة وتقدير الخالق – جلّ وعلا – ... ونحن لسنا في مقام الاقتراح ولكننا في مقام العبودية والتسليم.. ولذا ينبغي علينا أن نرضى ونسلم بقضاء الله – جلّ وعلا – في جميع أحوالنا.
فالرضا ثمرة من ثمار المحبة، وهو من أعلى مقامات المقربين وحقيقته غامضة على الأكثرين، وهو باب الله الأعظم، ومستراح العارفين، وجنة الدنيا، فجدير بمن نصح نفسه أن تشتدَّ رغبته فيه، وأن لا يستبدل بغيره منه.
ورضا الله عن العبد أكبر من الجنة وما فيها؛ لأنّ الرضا صفة الله والجنة خلقه، قال تعالى: (وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ) (التوبة/ 72)، بعد قوله: (وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) (التوبة/ 72)، وهذا الرضا جزاء على رضاهم عنه في الدنيا، ولما كان هذا الجزاء أفضل الجزاء، كان سببه أفضل الأعمال.►
المصدر: كتاب لا تحزن وابتسم للحياة
[1] - "مدارج السالكين" (2/216-219) بتصرف شديد.
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق