إنّ من أجل الغايات التي تريد الرسالة الإسلامية تحقيقها هي تلك الغاية الإنسانية السامية وهي:
أن يكون للإنسان خلق كريم، وسلوك نظيف يليق بكرامة الإنسان، ويتفق مع ما خلق له من خلافة عن الله في الأرض. وهذه هي الغاية التي حاولها الفلاسفة والعلماء والمصلحون – عبر قرون مضت – ولم يبلغوا فيها شأواً، أو يصلوا إلى تحقيق هذا الأمل المنشود.
وعناية الإسلام، وحرصه على تحقيق هذه الغاية الخلقية النبيلة يقصد بها: إيجاد عناصر قوية، وأفراد صالحين؛ كي يستطيعوا أن يسهموا بقلوبهم، وعقولهم في ترقية الحياة، وإعلائها.
وليكونوا أهلاً لجوار الله، ورضوانه فيما وراء هذه الحياة.
إنّ المثل الأعلى للأفراد: هو الشرف والنزاهة، والاستعلاء على الهوى والشهوة، وعرفان الحقّ والواجب، والاستمساك بأهداب الفضيلة، والاندماج في جوّ روحي خالص بعيد عن نقائص المادة وشوائب الروح.
والمثل الأعلى للجماعة: هو التعاون، والإيثار، والتضحية، وإنكار الذات، والمحبة والمودّة، والصدق، والإخلاص، والأمانة، والوفاء، والتسامح، وسلامة الصدر.
وتحقق المثل الأعلى في جانبيه يثمر الحياة الطيبة، ويحقق المجادة، والسيادة والقيادة، والتمكين في الأرض.
وهذه هي إرادة الإسلام بالنسبة للأفراد والجماعات. قول الرسول (ص): "إنّما بُعِثتُ لأُتمِّمَ مكارِمَ الأخلاق".
وقد كان الرسول (ص) صاحب هذه الرسالة في الذروة من الأدب العالي، والخلق العظيم.. يقول الله تعالى: (وإنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ) (القلم/ 4).
وإنّما كان ذلك كذلك؛ لأنّه النموذج الخلقي الحيّ، والقدوة الطيبة للناس جميعاً.
قالت عائشة وقد سئلت عن خلق رسول الله (ص): "كان خلقه القرآن".
ما هو الخلق؟
النفس منشأة الفعل ومصدره.
فإذا كانت صالحة كان العمل صالحاً، وإذا كانت فاسدة كان العمل فاسداً كذلك.
يقول الرسول (ص): "إنّ في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كلّه، وإذا فسدت فسد الجسد كلّه. ألا وهي القلب".
فإذا كانت النفس منشأ الفعل ومصدره فإنّ الفعل ترجمة وتعبير عما تنطوي عليه.
ولما كانت النفس غيباً لا علم للإنسان به – كان الحكم على الفعل المشاهد المنظور، وكان هذا الظاهر دليل الباطن، وعنواناً له.
فإذا كان الفعل في الظاهر حسناً – كان الحكم على الخلق بأنّه حسن، وإذا كان الفعل في الظاهر سيئاً – كان الحكم على الخلق بأنّه سيِّئ.
وهذا هو معنى قول علماء الأخلاق في تعريف الخلق: إنّه حال نفسية تصدر عنها الأفعال بسهولة، فإن كانت الأفعال حسنة – كان الخلق حسناً، وإن كانت سيئة – كان الخلق سيئاً.
ضابط الفعل الحسن، والفعل السيِّئ:
والفعل الحسن هو الذي يوصف بأنّه خير.
والفعل السيئ هو الذي يوصف بأنّه شر.
والخير هو ما حبب الإسلام فيه ودعا إليه.
والشر هو ما حظره ونهى عنه.
وهذا مقياس صحيح تقاس به جميع الأفعال.
ويمتاز هذا المقياس بأنّه من الله، وهو لذلك كان مقياساً ثابتاً لا يختلف باختلاف الأشخاص، ولا باختلاف الظروف، والأحوال، والبيئات. بخلاف غيره من المقاييس التي كانت مثار خلاف كبير بين العلماء والتي ذهبوا فيها كلّ مذهب، ولم ينتهوا فيها إلى شيء يمكن أن يعتمد عليه.
النفس وإرادة الخير:
والنفس من حيث إرادتها الخير لا توصف بأنّها خيّرة، أو شريرة في مرحلتها الأولى، وإنّما هي قوة يمكن أن توجه إلى الخير، كما يمكن أن توجه إلى الشر.
يقول الله سبحانه: (وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا * قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا) (الشمس/ 7-10).
وإن كان بعض الناس يغلب عليه الخير، وبعضهم يغلب عليه الشر، فالناس معادن كمعادن الذهب والفضة. خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقهوا. كما يقول الرسول (ص).
المنهج الخلقي:
وقد رسم الله المنهج الخلقي للبشر، وأوضح معالمه، ودعا إليه، وحبب فيه. وهذا المنهج في كتاب الله وسنة رسوله (ص) ويمكن الرجوع إلى آية البر في سورة البقرة: (لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ...) (البقرة/ 177)، وآيات الوصايا في سورة الأنعام: (قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ...) (الأنعام/ 151)، والوصايا من سورة الإسراء: (وَقَضَى رَبُّكَ أَلا تَعْبُدُوا إِلا إِيَّاهُ...) (الإسراء/ 23)، وغير ذلك من الآيات التي وفت هذا الموضوع، وأفاضت فيه. وكلّها تدور حول فعل الخير، وترك الشر، ولا يتحقق هذا المنهج إلّا بالتربية الدينية. ►
المصدر: كتاب عناصر القوّة في الإسلام
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق