• ٢٠ تشرين ثاني/نوفمبر ٢٠٢٤ | ١٨ جمادى الأولى ١٤٤٦ هـ
البلاغ

موسكو اسطنبول تل أبيب دمشق وبالعكس

د. ماهر الجعبري

موسكو اسطنبول تل أبيب دمشق وبالعكس
     تسارعت الأحداث في تركيا خلال الأيام الماضية، باتجاهات سياسية وأمنية بدأت كأنها متوازية، وهي في واقعها متلاحقة تدور حول مركز الثقل في سوريا، وهذا تعليق سياسي يلخص تلك السياقات السياسية، حيث أعرب وزير الخارجية الروسي "سيرغي لافروف"، عن اعتقاده بإمكانية استئناف الحوار مع تركيا حول الأزمة السورية، وذلك في إطار تطبيع العلاقات بين البلدين. ونشرت تركيا بوست الخبر تحت عنوان "لافروف: التطبيع مع تركيا يوحد موقفنا من الأزمة السورية".

وجاء خبر إعادة تطبيع العلاقات بين تركيا وروسيا متلاحقا لخبر التطبيع بين تركيا وكيان يهود، ثم تبعهما حادث الاعتداء على مطار أتاتورك في اسطنبول، وتزامنت تلك الأخبار مع خبر: تركيا "تعدل" قواعد الاشتباك على حدود سوريا (العربية نت 28/6/2016).

 

وهي تحركات واتفاقيات تشير إلى تحضير تركيا لدور أكبر في التصدي لثورة الشام: إذ إن زيادة فعالية الدور التركي في الجهود العسكرية يقتضي فتح المجال للتنسيق العسكري والاستخباراتي مع روسيا، ومع كيان يهود. إضافة لذلك فلا بد للنظام التركي من الحذر من غضب الرأي العام الإسلامي، ومن ثم فهو بحاجة لمبررات أقوى للانخراط في "الحرب الأمريكية على الإرهاب"، من مثل جرائم القتل في المطار.

 

إن أمريكا التي تصارع ضد ثورة الأمة في الشام لم تستطع طوال سنوات الثورة الخمس من حصد نتائج تُسهم في حسم الموقف، كما تمكنت في بلاد "الربيع العربي" الأخرى، وقد فشلت هي وعملاؤها في إخضاع أهل سوريا - حتى اليوم - لتنفيذ مشاريعها والدخول في مشاركة سياسية مع النظام المستبد، كما حصل في مصر وتونس، بل ظلّت ثورة الشام عصية على أمريكا، ومفتوحة على تغيير جذري في سوريا، يقلب الطاولة على أمريكا وعلى كافة المستعمرين وعملائهم.

 

إن عمق المأزق الأمريكي في سوريا في ازدياد: إذ لم تتمكن إيران ولا روسيا (اللتان سخرتهما أمريكا لتكونا يديها اللتين تبطش بهما) من حسم الموقف عسكريا، وما زالت الإدارة الأمريكية (الديمقراطية) ترفض الانخراط العسكري المباشر في سوريا، ولذلك فهي لا شك تحتاج إلى أدوات أخرى تسخّرها إضافة لروسيا وإيران، لمساعدتها في الخروج من مأزقها في سوريا.

 

وروسيا تنظر لنفسها كشريك لأمريكا في سوريا (لا مجرد أداة مسخّرة)، وتعتبر نفسها لاعبا رئيسيا في حلها، ولذلك قال لافروف: التطبيع مع تركيا يوحّد موقفنا من الأزمة السورية. ولا يخفى عمق التنسيق بين روسيا ودولة الاحتلال اليهودي في المجال السوري.

 

كل ذلك يشير إلى أن خطورة تطبيع العلاقات التركية مع روسيا ومع كيان يهود لا تقتصر على الأبعاد الفكرية وعلى تحدي ثقافة الأمة الرافضة للتقارب والتعاون مع المستعمرين والمحتلين، بل تعدتها إلى ما بعدها من خطورة عسكرية على الثورة في سوريا، وخطورة توظيف تركيا لدور أكبر في العمل العسكري لمساعدة أمريكا في محاولة القضاء على الثورة من اجل دفع الحل السياسي، الذي يبقي على النظام السوري وعلى عمالته لأمريكا. لذلك لا عجب أنْ توقع البعض أن الخطوة التالية لأردوغان أنه سيصلي في دمشق، ولكن إلى جانب الرئيس السوري (على فرضية نجاج الجهود التركية في خدمة المشروع الأمريكي).

 

إن النظام التركي الذي يصافح الروس الذين يقصفون حلب بالفسفور الأبيض، ويصافح الصهاينة الذين قصفوا غزة بالفسفور الأبيض، ليجعل من نفسه جنديا في فسطاط المستعمرين، كما قبل أن يظل جنديا في حلف الناتو الذي يريق دماء المسلمين.

 

ولذلك حريّ بالثوار وبالمقاومين وبالحركات الإسلامية أن يحذروا مما يرتكبه هذا النظام من جرائم سياسية بحق الأمة ووعيها وثورتها، لا أن يبرروا تلك الجرائم تحت ادعاء مُسلّمة/فرضية باطلة يحاولون فرضها على عقول أتباعهم من أن أردوغان صاحب مشروع نهضوي يخدم الأمة! وإن ثورة الشام فاضحة كاشفة لن يطول بها الزمان حتى تكشف كل متآمر.

ارسال التعليق

Top