• ٢٣ نيسان/أبريل ٢٠٢٤ | ١٤ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

القطاع الخاص في العراق بين وعود الخطط وإنكار السياسات

د. حسين أحمد السرحان

القطاع الخاص في العراق بين وعود الخطط وإنكار السياسات

قاد الاستهلاك غير المنظّم وغير الشفاف للموارد المالية المتأتية من القطاع النفطي إلى هدر تلك الأموال، من دون أن يستفيد منها الاقتصاد أو المواطن على حدٍّ سواء. وإنّ انخفاض أسعار النفط عالمياً في الوقت الراهن زاد الأمر تعقيداً في ظل إحراج الدولة بتوفير التمويل اللازم لتيسير نشاط القطاع العام الواسع، وفي ظل التناقض بين الهدف في تطبيق مبدأ «الدولة الصغيرة» أي محدودية دور الدولة في الاقتصاد، والواقع المتضمن قطاع عام واسع وما يتطلّبه من تمويل كبير، الأمر الذي أدّى لتراجع مقدرة الدولة على الإيفاء بالتزاماتها اتجاه الأفراد، لذا تطلّب الوضع البحث بالخيارات المطروحة للخروج من تلك الأزمة، أزمة الاختلال الهيكلي، بشكل ينّمي الناتج ويتجاوز اختلال هياكله ويعزز مساهمتها فيه للتخفيف من حدة عجز الموازنة العامّة وتوفير فرص العمل.

كذلك، ولعقود طويلة، كان القطاع العام هو المسيطر على جميع المهام الاقتصادية في البلد بغض النظر عن مستوى أدائه الذي لم يحقّق الإنتاجية التي تتناسب والتمويل الكبير الذي يستحوذ عليه في تخصيصات الموازنة ولأسباب عديدة سياسية اقتصادية وأمنية إلى إلخ. أمّا القطاع الخاص فقد كان ولازال أقل حظاً في التأثير على العملية الاقتصادية في العراق. ولكن هذا لا يعني عدم امتلاك أي منهما لمزايا تمكنه من التأثير في النشاط الاقتصادي وبسبب ذلك تظهر الحاجة هنا لعمل كلّ منهما إلى جانب الآخر، في ظل شراكة مشروطة تلبية للطموحات التنموية في البلد.

فضلاً عن ذلك، ولأنّ العراق في مرحلة الانتقال من حالة التدخّل الحكومي في النشاط الاقتصادي إلى آلية السوق، فقد أدركت الحكومات العراقية بعد 2003 ذلك وبمساعدة المؤسّسات الاقتصادية الدولة كصندوق النقد والبنك الدوليين. وفي ظل هكذا اختلال هيكلي، فإنّ الأمر تطلّب – ولازال - تفعيل دور القطاع الخاص. لذا تبنّت تلك الحكومات لخطط التنمية الوطنية وتخفيف الفقر وتضمنت إشارات لتعزيز دور القطاع الخاص، فضلاً عن وضع إستراتيجيات عدّة استهدفت تنمية دور القطاع الخاص في الناتج المحلي الإجمالي وتعزيز مساهمته في تكوين رأس المال الثابت وقدرته على خلق مزيد من فرص العمل. ولكن غالباً ما تأتي السياسات مناقضة وناسفة لهذه الخطط، ولذلك هناك عدم تناسب بين إستراتيجية الموازنة المالية العامّة للسنوات الماضية وتلك الخطط والإستراتيجيات.

بعد عام 2003 تم وضع إستراتيجية لثلاث سنوات (2007 -2010) لرسم ووضع الخطط التنمویة وبرامجها الاستثمارية، استندت على أربع دعامات أساسية للنشاط التنموي هي:

- تقویة أُسس النمو الاقتصادي.

- إعادة حیویة القطاع الخاص.

 - تحسین نوع الحیاة.

 - تقویة الحكم الصالح والأمین في البلد.

وقد ركّزت هذه الإستراتیجیة على جعل القطاع الخاصّ هو المحرك لفرص العمل والنمو الاقتصادي المتوازن وتعظیم واردات الدولة، وتناولت برامج للإصلاح الاقتصادي وخصخصة المنشآت والمصارف المملوكة للدولة وإعادة هیكلتها، مع تشجیع الاندماج بین المشاریع الاستثماریة القائمة والمضي في تنفیذ إجراءات الانضمام إلى منظمة التجارة الدولیة.

كما عدّت خطّة التنمیة الوطنیة (٢٠١٠ -٢٠١٤) القطاع الخاص شریكاً في عملیة التنمیة وتوقعت مشاركته بنسبة (٤٦%) من الاستثمارات المطلوبة لتحقیق رُؤى وأهداف الخطّة وقد تم تشخیص القطاعات والفعالیات التي یمكن للقطاع الخاص (المحلي والأجنبي ) للاستثمار فیها.

أعطت الأمانة العامّة لمجلس الوزراء هذا التوجه أهميّة كبرى من خلال تشكيل لجنة تضمّ عدد من الخبراء والمختصين من أجل أعداد مسودة لقانون الشراكة بين القطاعين العامّ والخاصّ وقد قامت بتضمين قانون الموازنة الفيدرالية مادّة تنصّ على عقد الشراكة بين القطاعين العامّ والخاصّ (موزانة عامي 2017 و2018). كشف الأمين العام لمجلس الوزراء، في كانون الأوّل 2017 مهدي العلاق، بحسب بيان للأمانة، عن انتهاء مجلس الدولة من تدقيق مشروع قانون الشراكة بين القطاع العامّ والقطاع الخاصّ وإحالته إلى مجلس الوزراء بعد تدقيق الدائرة القانونية في الأمانة.

ويشير البرنامج الحكومي إلى أنّ الحكومة الحالية تخطط لبدء الانتقال من الاقتصاد الريعي إلى الإنتاجي خلال دورتها المقبلة، وبما ينسجم مع إستراتيجية تطوير القطاع الخاصّ للسنوات (2014- 2030) المرحلة الثانية منها (2018 - 2022) وتنويع الموارد، وتقليل الاعتماد على النفط كمورد رئيس للإيرادات. وتضمّنت هذه المرحلة هدفاً أن يساهم القطاع الخاصّ بنحو 45% من الناتج المحلي الإجمالي وتوفير 35% من فرص العمل. وأن ينخفض معدل البطالة إلى 6%. وأن يتحسّن مناخ الاستثمار وتعزيز بيئة الأعمال في العراق ليتحسّن موقع العراق في تقرير ممارسة الأعمال السنوي الذي يصدّره البنك الدولي.

ولكي يتحقّق ذلك لابدّ أن يكون هناك دور واضح وبرنامج مرسوم لإشراك القطاع الخاصّ في إدارة الاقتصاد وصناعة القرارات الاقتصادية والتنموية ويأتي ذلك من خلال إعادة بناء الهيكل المؤسّسي والقانوني للقطاع الخاصّ في الجوانب التشريعية والتحفيزية والإجرائية وبما ينسجم ويتطابق مع ما ورد بمحاور البرنامج الحكومي ومراحل تنفيذ إستراتيجية تطوير القطاع الخاصّ للسنوات (2014 -2030) التي أطلقتها الحكومة في شباط 2015 على أن تبدأ فعلاً هذه البرامج فوراً بوضع آليات لإشراك القطاع الخاصّ الوطني في صناعة القرارات الاقتصادية وبشكل خاصّ تطوير القطاع المصرفي الخاصّ واستكمال بنائه بشكل متين ورصين وإعادة الثقة للتعامل معه وجذب الكتلة النقدية المكتنزة خارج النظام المصرفي والتي تشكّل بحدود 77% من الكتلة النقدية المتداولة وفق نظرة شاملة لتحفيز القطاعات الإنتاجية كافة ومنها بشكل أساسي في الزراعة، وأن تتبنى الحكومة وممثليات القطاع الخاصّ برامج ومساهمات وإجراءات تنفيذية محسوبة ومدعومة مادّياً وقانونياً، وأن تكون السنوات (2018 -2022) وهي المرحلة الثانية من الإستراتيجية فعلاً سنوات دعم وتفعيل وتطوير القطاع الخاصّ. كذلك لابدّ من الاستفادة من مكامن الإخفاق في المرحلة الأولى (2014 -2018) من الإستراتيجية المذكورة والتي لم تحقّق أهدافها.

ولكن مع كلّ تلك المتضمنات في الخطط والإستراتيجيات، إلّا إنّنا نلاحظ - وعبر الإحصاءات الرسمية - إنّه لم تحصل زيادة في نسبة مساهمة القطاع الزراعي في الناتج المحلي الإجمالي لا بل انخفضت تلك النسبة. إذ بقيت تلك النسبة متدنية وحتى أقل من مستوياتها في السنوات قبل دخول إستراتيجية (2014 -2030) حيز النفاذ والتطبيق. إذ بلغ (3.98%) عام 2015 وانخفض إلى (3.84%) عام 2016، وانخفضت تلك النسبة أكثر لتصل إلى (2.78%) عام 2017 (بالأسعار الجارية) وفقاً لإحصاءات مديرية الحسابات القومية في الجهاز المركزي للإحصاء في وزارة التخطيط.

وفي الوقت الذي يتطلّب من الحكومة الحالية أن تعمل وفق متطلّبات إستراتيجية تطوير القطاع الخاصّ المرحلة الثانية منها (2018 -2022)، فأنّها أخفقت في ذلك ولاسيّما في الإجراءات الخاصّة بتذليل العقبات الروتينية والمعقدة التي تقف أمام القطاع الخاصّ في مختلف المجالات. كذلك لم تورد في مشروع قانون الموازنة لعام 2019 نصوصاً واضحة في هذا الإطار. بل أوردت نصّاً خجولاً ومتردداً وغير واضح في المادّة 14 والتي تم رفعها من قبل مجلس النواب. الأمر الذي يدلل على أنّ صانعي السياسات في البلاد أبعد ما يكون عن الخطط والإستراتيجيات الموضوعة في مختلف القطاعات ومنها القطاع الاقتصادي.

 لذا وبعد إقرار قانون الموازنة يتطلّب الأمر أن تضع الحكومة خطّة إجرائية وبقدر حدود صلاحياتها لتذيل العقبات التي تقف بوجه القطاع الخاصّ. ولتوجه نحو تفعيل العمل بالقوانين ذات العلاقة بتطوير مساهمة القطاع الخاصّ في الناتج المحلي الإجمالي وفي تكوين رأس المال الثابت. وكذلك تقديم مشروع قانون الشراكة بين القطاعين العامّ والخاصّ الذي تم تدقيقه من قبل مجلس الدولة والموجود حالياً في الأمانة العامّة لمجلس الوزراء.

ارسال التعليق

Top