• ٢٩ آذار/مارس ٢٠٢٤ | ١٩ رمضان ١٤٤٥ هـ
البلاغ

دور الصلاة في تحقيق السلام الروحي

دور الصلاة في تحقيق السلام الروحي
◄- ماذا يمكن أن نجنيه من صلاتنا اليومية؟

    إنّ تكبيرة الإحرام (الله أكبر)، تختزن في داخلها شحنات هائلة ضدّ الكثير من المضعِفات أو المثبِّطات والمخوِّفات.

    وإنّ (سورة الفاتحة)، بما تحتوي من مضامين الإرتقاء إلى مقام الخطاب مع صاحب الجلالة (الله تبارك وتعالى) تفتح دروباً واسعة وآفاق رحبة أوسع لما تتصوّر، خذ مثلاً واحداً فقط:    (اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ) (الفاتحة/ 6-7).

    إنّك هنا تنفتح على طريق الخير والإستقامة والصّلاح ليس في بدء الإسلام بل من فجر الخليقة.. لأنّ نقطة البداية فيه من هناك.. إنّك تطلب الإلتحاق والإنخراط في الطائفة المؤمنة التي أنعم الله عليها بإيمانها حتى حازت مقام القُرب منه منذ آدم (ع) وحتى آخر إنسان صالح على هذه الأرض.

    وإنّك عندما تقول وأنت راكع: "سُبحان ربِّي العظيم وبحمدِه".. تعيش محلِّقاً في أجواء العظمة المتعالية على كلّ الصغائر. إرتباط بالعظمة في أعظم مصادرها.

    وحينما تسجد لتقول: "سُبحان ربِّيَ الأعلى وبحمدِه".. تترامى في العلوِّ المعنوي، الذي لا تطالُ أجنحة غير المؤمنين ذُراه.. فأنتَ (الأعلى) لأنّك مرتبطٌ بـ(الأعلى).

    وهكذا في كلّ فصلٍ من فصول صلاتك ودعائك وأذكارك.. هناك إنفلات من (المحدود)، وسباحة في فضاء (المطلق).. هناك تمزيقٌ لشرنقة المادّة للتحليق في سماوات الروح.. لذلك كانت ركعتان يصلِّيهما المُصلِّي لا يحدّث نفسه فيهما عن شيء من الدنيا، كافيتان بأن تُحدثا إنقلاباً نفسيّاً هائلاً من جنبات روحه وشفاء نفسه.. جرِّب ولا تيأس.. وحين تتمكّن من أداء هاتين الركعتين، ستجد أنّك في عالم آخر، أنّك مخلوق آخر.. وما يُقال عن الصلاة يُقال عن سائر العبادات.

    تؤكِّد دراسات روحيّة حديثة على أنّ الإنسجام أو التجانس مع المصدر، قادر على أن يهبك بلا حدود!!

    إنّ هذا والذي تقوله ثقافتنا من أنّ الإرتباط بالمصدر هو إرتباط بفيض العطاء الدائم المتّصل الذي لا تنفدُ خزائنه واحد: تأمّل في (الفيض المعنوي اللامحدود) في نماذج أو عيِّنات من النور المبين: (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا) (لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا) (العنكبوت/ 69).

    (وَلَوْ أَنَّهُمْ آمَنُوا وَاتَّقَوْا) (البقرة/ 103)، (لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالأرْضِ) (الأعراف/ 96). (فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ) (إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا) (نوح/ 10). (يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا) (وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ) (وَبَنِينَ) (وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ) (نوح/ 11-12). (وَاتَّقُوا اللَّهَ) (وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهَ) (البقرة/ 282).

    "عَبدي أطِعني تكُن مثلي" "تقل للشيء: كُن فيكُون"... إلخ.

    إنّ الذين تحدّثوا عن (الواقي المقدّس) لم يتحدّثوا عن خرافة، فبعض ممّا هو قابل للإحتراق حينما لا يحترق في النار التي تلتهم كلّ شيء.. لم يكن شيئاً مسحوراً! تذكر أنّ الطاقة المنخفضة، عندما تواجه طاقة أكثر ارتفاعاً يحدث لها تحوّل تلقائي، فلو لم يحدِّثنا القرآن عن سلامة يونس (ع)، ونجاته من بطنِ الحوت، أما كنّا اعتبرناها قصّةً من وحي الخيال ونسج الوهم، والإعجوبة الأكبر ليس في نجاة يونس (ع) فقط، بل بإمكانية نجاة كلّ اليونسيِّين الذين إذا كانوا في قلب الحوت.. قلب الموت.. قلب النهاية.. قلب التيه.. قلب المجهول، قلب الخطر الهائل، وحملوا معهم المصباح الذي حمله يونس.. مصباح النجاة.. الواقي المقدس: (فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لا إِلَهَ إِلا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ) (الأنبياء/ 87).

    أتاهم النِّداء الحاني.. والوعد الصادق.. والنجاة الممتدّة قوارب نجاة وأخشاب إنقاذ عبر العصور (وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ) (الأنبياء/ 88)!!. وعدٌ صادقٌ غير مكذوب.. ومَن أصدقُ من الله قيلا؟!

    هل تأكّدت الآن أنّنا لا نُطلقُ الكلمات جزافاً، وأنّ الذين يتحدّثون اليوم عن الإمساك بمقبض الحافلة، أدركوا – مبكِّرين أو متأخِّرين – أنّك بدون المقبض.. تتأرجح.. تترنّح.. ثمّ لا تلبث أن تنكبّ على وجهك: (وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ) (ق/ 16)، (فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ) (البقرة/ 186)! (أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ) (النمل/ 62)... "كُن لما لا ترجو أرجى منكَ لما ترجو"!! والقائمة طويلة والمؤدّى واحد.►

ارسال التعليق

Top