◄لأنّنا عاجزون عن معرفة أسرار الحب الإلهي، وسُبل اكتشافه، يتعيّن علينا أن نرجع إلى الخبراء في هذا الحُبّ، والأصلاء في عرفانه، إلى أهل الحُبّ الذين أحبّوا الله بصدقٍ وعُمق، فكانوا أولياءه، وأصفياءه، وأحبّاءه.
1- إعرف منزلته تعالى عندك:
قال الإمام جعفر الصادق (ع): "مَن أراد أن يعرف كيف منزلته عند الله، فليعرف كيف منزلة الله عنده، فإنّ الله ينزل العبد مثل ما ينزل العبد عن نفسه".
ومنزلة الله عندك تتجلّى في شكرك لنعمه، وذكره الدائم، واحترامه وتعظيمه، وأداء حقوقه، والعمل والسعي طلباً لمرضاته.
2- أنظر إلى قلبك:
عن الإمام محمّد الباقر (ع): "إذا أردتَ أن تعلم أنّ فيكَ خيراً، فانظر إلى قلبك، فإن كان يحب أهل طاعة الله ويبغض أهل معصيته ففيك خير، والله يُحبُّكَ، وإن كان يبغض أهل طاعة الله ويحبّ أهل معصيته فليس فيكَ خير، والله يُبغِضُكَ، والمرءُ مع مَن أحبّ".
والحبّ هنا ليس فقاعات عاطفية تظهر على السطح وفي بعض المناسبات، فيتحمّس لها المُحبّ، ثم لا تلبث أن تنطفئ، وليس هو مجاملات وجدانيّة يُطلقها الإنسان من غير أن يعي حقيقة معناها، فأنتَ حين تحبّ رسول الله (ص) لا تحبّه لحُسنه وجمال مظهره – وإن كان (ص) يُحَبّ لذلك بما وهبه الله تعالى من جمال الخِلقة والخُلق – بل لأنّك تعرف أنّه على خُلق عظيم، وأنّه رحمة الله الواسعة، وأنّه هادي الأُمّة ومُنجيها من الجهالة والضلالة، وأنّه دعا إلى الله على بصيرة، وأنّه لم يترك شيئاً يُقرِّبنا من الجنّة ويُبعدنا عن الجنّة إلا ونهانا عنه، باختصار نحبّه لأنّه أهل للحبِّ.
وهكذا هو حبّك لأهل طاعة الله، فقد تقرأ عن أحدهم ولم يعش في حياتك ولم ترَ صورته. لكنّ كماله الإنساني هو الذي يجتذبك إليه، حتى أنّك تختزن أفعاله وأقواله ومواقفه، وتحاول أن تُقلِّده أو تتأسّى به.
3- الاتِّعاظ والاعتبار:
قال الإمام علي (ع): "إذا أحبّ الله عبداً وعظهُ بالعِبَر".
سواء كان اعتباره بما جرى له في ماضي حياته، أو بما جرى لغيره من الأشخاص والأُمم، فالمؤمن يتّعظ من تجارب الآخرين، ويتعلّم منها، ولذلك فالتاريخ أحد المُعلِّمين وأحد كبار المؤدِّبين، ولذلك وعظنا الله في القرآن بقصص الماضين، لأنّ في قصصه عبرة.
إنّ أي مُحبّ لله تعالى عالماً ربّانياً أو إنساناً عاديّاً، هو محطّة اعتبار بالنسبة لي، فكما وصل يمكنني أن أصل والطريق مفتوحة إلى الله والإرتفاع في درجات حبِّه لكل طالب.
4- التفقّه في الدِّين:
وردَ عن الإمام علي (ع): "إذا أرادَ اللهُ بعبدٍ خيراً، فقّههُ في الدين، وألهمه اليقين".
وعبارة (أراد بعبدٍ خيراً) أي أحبّه، وإذا أحبّك الله فلتبغضك الدنيا بأسرها، ألم تقل (رابعة العدويّة):
فليتكَ تحلو والحياةُ مريرةٌ **** وليتكَ ترضى والأنامُ غَضابُ
ويا ليتَ بيني وبينك عامرٌ **** وبيني وبين العالمين خَرابُ
هذا في افتراض التزاحم بين غضب الناس ورضا الله، أو بين عمارة العلاقة مع الله سبحانه وخرابها مع الآخرين، وإلا فالإنسان الرباني المُحبّ لله والذي يحبّه الله عادةً ما يكون مُحبّاً ومحبوباً.
والمراد من التفقّه في الدين هو معرفة روحه وجوهره وأبعاد أحكامه ومفاهيمه ومناهجه وأخلاقه، والعمل – وفق القدرة والإستطاعة – بهديٍ من ذلك كلّه.
5- الصِّدق في القول والعمل والموقف:
وفي الخبر: "إذا أحَبّ الله عبداً ألهمه الصِّدق".
ومرّة أخرى ففهم كلمة (ألهمه) أي أحبه فأفاض عليه.
ولقد سُئل الإمام علي بن الحسين زين العابدين (ع) عن منزلة جدِّه الإمام علي (ع) عند الله، فقيل له: بِمَ نالَ جدّكَ تلك المنزلة؟ فأجاب: "بالصِّدق في المواطن"!
والمواطن كلمة جامعة، أي بشقّيها مواطن الشدة ومواطن الرخاء، فالصِّدق يجري فيه مجرى دمه، ويسلك به إلى ساحات حبّ الله وطاعته ورضاه بنور بصيرته، كما يهتدي إلى مقصده بنور بصره.
6- العبادة الحسنة المخلصة المؤثِّرة:
قال الإمام جعفر الصادق (ع): "إذا أحبّ الله عبداً ألهمه حُسن العبادة" و(حُسْن العبادة) يعني دوام الذِّكر والشكر لله، والتواضع لله، ونفع العباد.
7- التأسِّي بالنبي (ص) وبأخلاقه وهديه وسنّته:
قال الإمام علي (ع): "أحبُّ العباد إلى الله المتأسِّي بنبيِّه (ص)، والمُستَقصي أثره". أي السائر على أثره الصالح والمُتبع لسيرته الشريفة، والمُقتدي بسُننه الهادية، والآخذ بأخلاقه بقدر ما يُجسِّد منها في حياته ومواقفه.
8- الكفاف والعفاف:
قال الإمام الصادق (ع): "إذا أحبّ الله عبداً ألهمه الطاعة، وألزمه القناعة، وفقّهه في الدين، وقوّاه باليقين، فاكتفى بالكفاف، واكتسى بالعفاف".
من المهم هنا التنبه إلى أن حُبّ الله تعالى بعده مظاهراً وآثاراً، فالتوفيق إلى الطاعة وتزينها في القلب، ولزوم القناعة وعدم التكالب على فتات الدنيا ومتاعها الزائل الرخيص، وإدراك مفاهيم الدين وأحكامه، وتنوّر البصيرة باليقين، والإكتفاء من الدنيا بضروراتها وحاجاتها الأساسية، وارتداء ثوب العفاف كزينة للشاب والفتاة، والرجل والمرأة، كلّ ذلك من فيوضات وهدايا الحبيب إلى حبيبه.
9- الاستعمال (اتخاذه عاملاً من عُمّال الله):
عن النبي (ص): "إذا أراد الله بعبدٍ خيراً استعمله، قيل: كيف يستعمله؟ قال: يفتح له عملاً صالحاً بين يدي موته حتّى يرضى مَن حوله".
إنّ عامل الله هو الذي يسر الله بعمله، وهو ممن ينظر الله إليه، فإذا نظر الله إليه لم يُعذِّبه أبداً، فلندعوا في لحظات الصفاء والإخلاص أن يرزقنا الله أن نكون من عمّاله الذين يستعملهم في نفع عباده وأن يُشرِّفنا بخدمتهم.
10- التعسيل:
أثر عن رسول الله (ص) قوله: "إذا أرادَ الله بعبدٍ خيراً، عسّلهُ، قيل: وما عسّله؟ قال: يفتح له عملاً صالحاً قبل موته ثمّ يقبضه عليه".
أي أنّ آخر هداياه تعالى لمُحبِّيه أن يكتب لهم العاقبة الحسنة والنهاية السعيدة، فيموتون أن يُلاقون وجهه وهم على طاعةٍ من الطاعات.►
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(*) لابدّ من التنبيه هنا إلى أنّنا لا يمكن أن نفصل بين حبّ العبد لربّه وحب الله لعبده، فإذا أحبّ العبد ربّه أحبّه ربه، لا مُبادلة حبّاً بحبٍّ، بل بمضاعفة الإحسان والتوفيق له، فحركة الحب صاعدة من العبد إلى ربِّه ونازلة من الرب إلى عبده.
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق