• ١٩ نيسان/أبريل ٢٠٢٤ | ١٠ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

قُبلات الترحيب بين الرفض والقبول

قُبلات الترحيب بين الرفض والقبول
                             علامة تعبير عن الاهتمام أم عادة سيئة؟ في هذا الموضوع، نُسلِّط الضوء على ظاهرة تَبادُل قُبلات الترحيب عند التقاء الناس بعضهم بَعضاً، والتي تنتشر في المجتمع العربي، والعديد من المجتمعات الأخرى. قد يَنْظُر البعض إلى الموضوع بشكل عادي. لكن، لو دقّقنا قليلاً، سرعان ما نتساءل عن أسباب شُيوع استخدام القُبلة، كوسيلة للسلالام في مجتمعاتنا، حيث يتمادى الناس رجالاً ونساءً في تبادلها كلما التقوا، بحيث لا يكاد اثنان منهم يتصافحان، إلا وتكون حاضرة على الوجنَتين. وإذا كان تبادل القبلات يُعدُّ أمراً طبيعياً بين الزوجين، ووسيلة للتعبير عن العواطف الجيّاشة بينهما، فما الذي حوّلها إلى طريقة لتبادل التحية في مجتمعاتنا، في حين أنها منبوذة في العالم الغربي، خصوصاً تقبيل الرَّجل للرجُل، الذي نرى فصوله تتوالى لدينا بين فرد وآخر، بمناسبة ومن غير مناسبة، في الفرح والحزن، وحتى في السلام العادي؟ وبغض النظر عن أصل حكاية عادة التقبيل وصوابيّة استخدام القبلة في السلام من عدمه، فإنّ ثمّة دراسات تُشير إلى أنّ التقبيل يُعدُّ وسيلة سريعة وفاعلة لانتقال الأمراض الشائعة، كالزكام والإنفلونزا وغيرهما، ما دَفَع البعض إلى المطالبة بمنعها والتوقف عن استخدامها، كوسيلة لتبادُل التحيّة. وهو ما وَلَّد ردود فعل بين مُؤيِّد ومُعارِض.   - تعبير عن الحب: تعليقاً على مَن يوزع القبلات على كل مَن يراهُ، سواء أكان يعرفه أم لا، ثمّ يُعاود الكرَّة مَرّة أخرى، عندما يغيب عمّن قبّلهُ ساعات عديدة، يقول عبدالرحمن نورالدين (ساعي بريد)، إنّه يرى في ذلك "نوعاً من التعبير عن ما يُكنّهُ ذلك الشخص من حُب للآخرين"، لافتاً إلى أنّ "بعض الناس يُعبرون عن ذلك الودّ بواسطة الشد على اليد عند السلام، في حين أنّ آخرين يعبّرون عن مودّتهم بالعناق، والبعض الآخر يعبّر بالقبلات والكلمات الحارّة، وأنّه من النوع الذي يقبّل مَن يلتقيه، كنوع من إظهار المحبّة والتقدير للشخص الذي يُقبّله".   - عادة وعُرْف: أما محمد زين العابدين (مهندس زراعي)، فيرى "أنّ القبلة أصبحت بمثابة عُرف في المجتمع العربي". ويقول: "على الرغم من أنها عادة رذيلة، إلا أننا لا نستطيع أن نمنع الناس منها، لأنّ العُرف والعادة أقوى من القانون". ويقول ياسر مدحت (مهندس): "لا مانع من تبادل القبلات عند المصافَحة، كنوع من إظهار الودّ والمحبّة.. لكنني شخصياً، أفضّل أن تكون القبلة على كتف المتلقّي بدلاً من وجهه". بدوره، يُشير أحمد عبدالرحمن (مدير إداري)، إلى أنّ "القبلة تُعتَبر عادة رذيلة ينبغي الابتعاد عنها نهائياً". ويقول: يكفي السلام باليد والتحية الحارّة، خاصة أنّ بعض الأفراد قد يكونون أصحاب رائحة عَرَق نَفّاذة، أو لديهم رائحة فم غير مُحَبَّبة، كما أنّ آخرين قد يأكلون أطعمة ذات روائح قوية، مثل البصل والثوم أو السمك. فعلى الرغم من ذلك، يقوم هؤلاء الأشخاص بتبادل السلام الحار، الذي لا يخلو من القبلات".   - عادة سيئة: وفي سياق تعليقها على الموضوع، تقول استشارية العلاقات الزوجية د. حنان أبوالخير: "ليسَ للقبلة أي فوائد طبّية ولا نفسية، إلا إذا كانت بين الزوجين. أمّا عَدَا ذلك، فهي عادة سيئة، خاصة عندما تكون بين رجل وآخر، أو حتى بين امرأة وأخرى". وتشير إلى أنّه "يُمكن أن نتغلب على هذه العادة في مجتمعنا الشرقي، من خلال استبدالها بالاستقبال الحار والكلمات أو بمجرد السلام، وهذا ما مُتَّبَع في كل مجتمعات العالم". وتشير رئيسة قسم الأمراض العصبية والنفسية في "كلية طب قصر العيني" سابقاً د. ثناء محمد علي، إلى أنّ "القبلة تُعبّر عن الحميمية والتعاطُف، خاصة وقت الشدة، مثل العَزاء أو الفراق أو عند اللقاء، وخاصة بعد طول غياب أو في المناسبات التي تعبّر عن الفرح، مثل الخطبة وعقد القِران". وتؤكد د. ثناء "أننا لا نستطيع أن نمنع القبلة، لأنها عادة متجذرة في مجتمعنا الشرقي". ولكنها تحذر من أنّها "قد تكون ممنوعة تماماً عندما يكون هناك مُصاب بمرض ناقل للعدوى، ويجب أن يكون المصاب أميناً في هذه الحالة". أما في ما يتعلق بالطفل، فتلفت إلى أنّه "يجب أن يكون المقبِّل نفسه بعيداً، وتكون القبلة على رأسه فقط".   - تُقوّي جهاز المناعة: في المقابل، تَعتبر الخبيرة النفسية في "المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية" د. عزة كريم "أنّ القبلة تُقوّي جهاز المناعة، وتجعل الإنسان أقل توتراً وعصبيّة. بالتالي، تُقلل الأمراض الناتجة عن ضغوط العصر، مثل القلق والاكتئاب والضغوط الاقتصادية والاجتماعية، التي ينتج عنها الكثير من الأمراض العضوية". وتضيف: "لذلك، فإنّ القبلة مطلوبة طبّياً واجتماعياً نفسياً، ولكنني أرفض انتشارها خارج نطاق الأسرة، وإطلاق هذه المشاعر باندفاع، كما يحدث في مجتمعنا المصري، حيث نرى شخصاً يلتقي آخر لا يعرفه، فيقوم باحتضانه وتقبيله". وتتابع: "كما أنني أرفض تبادل القبلات بين أفراد الأسرة، إذا كان أحدها مريضاً بمرض ناقل للعدوى، وأنصح الأفراد بأن يكون سلامهم بواسطة اليد فقط".   - مسألة ضمير: وتقول رئيسة "مركز البحوث الاجتماعية والجنائية" د. نسرين البغدادي: "إنّ عادة التقبيل عند السلام، هي ما يُميّز الشعوب العربية بصفة عامة، والشعب المصري بصفة خاصة"، لافتةً إلى أنّها "تُعبّر عن الدِّفء وما يُكنّه الشخص المقبل للآخر، من تقدير ومحبة". نسرين البغدادي: "إنّ عادة التقبيل عند السلام، هي ما يُميّز الشعوب العربية بصفة عامة، والشعب المصري بصفة خاصة". وتضيف: "لكن، لا يخلو هذا الأمر من سلبية تتمثل في تكرار القبلة مرات عديدة في السلام الواحد، بحيث إنّ عددها قد يصل إلى 4 مرات". وتشير إلى أنّ "هناك شقاً سلبياً آخر، يتمثل في نشر الأمراض والأوبئة من خلال تبادل القبل. وفي هذه الحالة، لابدّ أن يكون عند المقبِّل ضمير، فلا يجب أن يقبل أي شخص عندما يكون مريضاً أو يحمل مرضاً يسهل انتقاله عن طريق القبلات". وتضيف د. نسرين: "قد تكون القبلة عند السلام غير صادقة في بعض الأديان، حيث يكون الشخص الذي يقوم بتقبيلك لا يكنّ لك أي مشاعر حُب أو ودّ، لكنه يخفي مشاعر الحقد والكره والخداع عن طريق القبلة". وتقول: "في النهاية، وسواء شئنا أم أبينا، لقد أصبحت القبلة عادة تُميّز الشعب المصري عن غيره من الشعوب، ولا بأس بها إذا كانت في حدود ومن دون مُبالغة باليد فقط، خاصة بين الأصدقاء والغُرباء".   - لا ضَرر ولا ضِرار: في مُوازاة ذلك، وفي ما يتعلق بموقف الإسلام من القبلة، يقول الأستاذ في "جامعة الأزهر" د. عبدالمقصود باشا: "إنّ الإسلام لم يُحرّم القبلة بين الزوجين". ويضيف: "لقد قال رسول الله (ص): "لا ترتموا على أزواجكم كالبهائم وليكن بينكم وبينهنّ رسول". قالوا وما الرسول يا رسول الله؟ قال: "القُبلة". ويتابع: "إذا كانت القبلة بين الأفراد تأتي تعبيراً عن الشوق والمحبّة مثلاً بين الصديق وصديقه، فلا بأس بها. ولكن، إن كان في ذلك سبب لنقل الأمراض، فلا داعي لها". ويشير إلى أن "هناك وسائل كثيرة للتعبير عن ذلك من مصافحة وكلام جميل، والقاعدة الأساسية في الدِّين أنّه لا ضَرَر ولا ضِرَار".   - قبلات سينمائية: يحكى ان أول قبلة في الأفلام العربية كانت في فيلم "العزيمة" (1939) للمخرج كمال سليم، وكانت بين حسين صدقي وفاطمة رشدي. أما أكبر عدد قبلات في فيلم مصري فكان في فيلم "أبي فوق الشجرة" بين عبدالحليم حافظ ونادية لطفي. وقد أحصى الجمهور عدد القبلات التي قيل إنها وصلت إلى ثمانين قبلة. أما القبلة التي أثارت زَوبعة من التعليقات، فكانت في فيلم "صراع في الوادي". وكانت فاتن حمامة ترفض منطق القبلات تماماً. وفي مشهد لها مع عمر الشريف يصوّره بعد إصابته بعيار ناري بحيث يُغمى عليه، وتأتي إليه فاتن التي من المفروض أنها ستحضنه فقط، إلا أنها انكبَّت عليه وقَبلته، ما أذهل الجميع بمن فيهم يوسف شاهين. فقد كانت قبلة حقيقة وطلبت فاتن بعدها الطلاق من زوجها عزالدين ذوالفقار، وتزوجت عمر الشريف. أما أشهر القبلات في تاريخ السينما المصرية، فكانت بين كمال الشناوي وتحية كاريوكا، إذ استغل كمال الشناوي تصوير أحد المشاهد، ليقوم بتقبيل تحيّة تقبيلاً جنونياً.   - قبلات ودراسات: أجرت "جامعة نورث كارولينا" دراسة أكدت فيها "أنّ العناق الحميم وتبادل القبلات، يُفيدان الصحة النفسية عند النساء، لأنّهما يؤديان إلى إفراز هُرمون "أوكستوسين"، الذي يُعرف بهرمون الارتباط الذي يقلل من ضغط الدم العالي، ما يؤثر إيجابياً في عضلة القلب". وقد أكد العلماء "أنّ القبلة، وإلى جانب أنها سلوك رومانسي، فهي تعبّر عن الحب وتحرّك عضلات الوجه، كما أنها تُطيل العمر، لأنّها عامل مهم في تخفيض التوتر وضغط الدم". أما الباحثون في "جامعة نيويورك"، فقد أجروا دراسة على ألف طالب، توصلوا من خلالها إلى أنّ النساء يُعوّلن كثيراً على القبلة. أما الرجال فلا يعيرون القبلة اهتماماً.   - أطول قبلة في التاريخ: أطول قبلة في التاريخ كانت بين Eddy Leaven & Dolphin Chris عام 1984 في شيكاغو. وقد استمرت 17 يوماً و10 ساعات ونصف الساعة. غير أنّ الموقع الإلكتروني لـ"موسوعة غينيس للأرقام القياسية"، يَذْكُر أنّ أطول قُبلة كانت بين مارك وروبرتا جريزوورلد عام 1998، وقد دامت 29 ساعة.   - أشهر قبلة: أشهر قبلة تاريخية هي: قبلة اللورد نيلسون لليدي هاملتون في ليلة رأس السنة للعام 1800. فقد كانت قبلة بين قرنين هما الثامن عشر والتاسع عشر، وكانت القبلة على ظهر سفينة في عُرض البحر.

ارسال التعليق

Top