• ١٩ نيسان/أبريل ٢٠٢٤ | ١٠ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

12 خطوة نحو المودّة والتعاون والثقة (ج 1)

12 خطوة نحو المودّة والتعاون والثقة (ج 1)

 

التكلُّم بإيجاز، التكلُّم ببطء، الإستماع بعمق، إظهار التقدير والبقاء إيجابياً، مراقبة كلامنا الداخلي وتشجيع الصمت الداخلي، دراسة تعابير الشخص الآخر الوجهية، وإيماءاته الجسدية، والتغيرات في طبقة صوته ومحاكاتها لبناء تجاوب (رنين) عصبي، التركيز على قِيَمك الداخلية وتطبيقها في كل محادثة بينما تبقى مسترخياً وحاضراً قدر الإمكان، هذه هي العناصر الإثنا عشر التي يجب أن تشملها في حياتك إذا أردت بناء علاقات مُثمِرة، وذات معنى، وجديرة بالثقة، وطويلة الأمد مع الآخرين. إذا تجاهلت أيّاً منها، فإنّ الأبحاث تقترح أنّ تواصلك سيكون رديئاً وسيزداد احتمال تصادمك مع الآخرين.

سواء أكنّا نتحدّث مع صديق، أو حبيب، أو زميل عمل، وسواء أكنّا نتحدّث إلى ولد، أو شخص غريب، أو شخص يعاني من مرض عاطفي أو معرفي، فإنّ استراتيجيات التواصل هذه ستضمن أفضل حوار ممكن. عندما نختار كلماتنا بعناية، وننسِّقها مع العناصر أعلاه، فسنعزِّز بذلك استيعاب المستمع بطريقة تُشجِّع التعاطف وتزيد التعاون الودّي. ولكن الكلمات التي نتكلّمها ونستمع إليها لا تمثِّل إلا جزءاً صغيراً فقط من عملية التواصل. إنّ طريقة تفوّهنا بهذه الكلمات وطريقة استماعنا إليها هي التي تُحدِث كل الفرق في العالم. من أجل تحسين مهاراتنا التحادثية، علينا القيام بعدّة أشياء: أوّلاً: علينا أن نُميِّز أنّ الطريقة التي نتكلّم بها عادةً غير ملائمة، ومليئة بأنماط معتادة اكتُسِبت في الدرجة الأولى في مرحلتّي المراهقة والرُّشد المبكرة. ثانياً: علينا أن نعيق عمداً عادات التكلُّم والإستماع تلك، مرة بعد أخرى. ثالثاً: علينا أن نستبدل أساليب التواصل القديمة تلك بأخرى جديدة فعّالة، وهذا يتطلب تدريباً تجريبياً، والتدريب يستغرق وقتاً. ستكون بضع جولات من الممارسة كافية لإعطائك ما يكفي من التجربة لإستيعاب هذه الإستراتيجيات وشملها في محادثاتك في البيت وفي العمل. هذه الإستراتيجيات ستُحسِّن بشكلٍ ملحوظ قدرتك على التعاطف مع الآخرين. واستناداً إلى دراساتنا البحثية لأنواع مماثلة من التمارين، يجب أن تكون قادراً على تغيير تركيب ووظيفة المناطق الرئيسية في دماغك المرتبطة بالإدراك الإجتماعي المُحسَّن، والمعرفة المُعزَّزة، والسيطرة الأكبر على العواطف، في غضون ثمانية أسابيع أو أقل. ستعيد فعلياً تنظيم الشبكات العصبية في دماغك للتواصل بشكلٍ فعال أكثر من الآخرين.   -         العناصر الإثنا عشر للتواصل العاطفي: في هذا الفصل، سنستعرض بصورة عامة الدليل المؤيّد لكلّ من هذه الإستراتيجيات التي نريد منك أن تمارسها عند التحدُّث أو الإستماع إلى الآخرين. الخطوات الست الأولى تمهيدية. إنّها الأمور التي ستقوم بها قبل أن تدخل غرفةً وتنهمك في الحديث مع شخص آخر، ومن الأفضل أن تنفذها بهذا الترتيب: 1-   استرخ. 2-   ابقَ حاضراً (في اللحظة الحالية). 3-   شجِّع الصمت الداخلي. 4-   زِد الإيجابية. 5-   تأمّل قِيَمك الأعمق. 6-   حاول الوصول إلى ذكرى سارّة. تُحدِث هذه الخطوات حالةً داخلية من الإدراك الشديد والهدوء، وهو أمرٌ أساسي للإنهماك في أكثر أوجه التواصل حسماً. 7-   راقِب التلميحات غير اللفظية. إذا لم تكن واعياً للتغيُّرات الدقيقة في نبرة صوت الشخص الآخر، وتعابيره الوجهية، وإيماءاته الجسدية، فمن المرجَّح أنّك ستغفل عن دلالات هامّة تخبرك بما يفكِّر فيه الشخص الآخر حقيقةً أو يشعر به. لن تعرف إذا كان الشخص يفهمك، أو حتى إن كان منتبهاً لما تقول. ثمّ عندما تنهمك في الحوار، عليك أن تلتزم بصورة ثابتة بالعناصر الخمسة التالية: 8-   أظهِر التقدير. 9-   تكلّم بحرارة. 10-                      تكلّم ببطء. 11-                      تكلّم بإيجاز. 12-                      استمع بعمق. كم من الناس يُطبِّقون هذه التقنيات بإتقان على أساس يومي؟ أقل بكثير ممّا نتمنّى. الأمر مثل فقدان الوزن: جميعنا نعرف ما هو المطلوب، ولكننا ننزلق بسهولة إلى عاداتنا القديمة. إنّها الطبيعة البشرية، ويتطلّب الأمر الكثير من الطاقة العصبية لإعاقة سلوك قديم. من أجل بناء عادة جديدة، علينا أن نكرِّر أيّ سلوك جديد نريده مئات ومئات المرّات. وفي النهاية، سيصبح طبيعة ثانية لنا. في البداية، خذ بضعة أنفاس عميقة واسترخ بينما تجلب انتباهك الكامل وإدراكك بصورة واعية إلى اللحظة الحالية.   الخطوة 1: استرخ يُعتَبر الإجهاد الآن القاتل الأوّل في العالَم. فالإجهاد يولِّد النزق (حدّة الطبع)، والنزق يولِّد الغضب، والغضب يذهب بقدرة الإنسان على التواصل والتعاون مع الآخرين. ولهذا قبل أن تدخل في محادثةٍ مع أيّ أحد، خذ 60 ثانية للقيام بأيّ شكلٍ من تمارين الإسترخاء التالية: أوّلاً: حدِّد أجزاء جسمك التي تشعر بتشنّج فيها. في مقياس من 1 إلى 10 – حيث 10 تعني "متشنِّج للغاية" – عيِّن رقماً للإشارة إلى حالة الإسترخاء أو التشنُّج لديك. دوِّن رقمك على ورقة. للثلاثين ثانية التالية، اشهق ببطء إلى أن تُكمِل العدّ إلى الرقم 5، ثمّ ازفر ببطء مُكمِلاً العدّ إلى الرقم 5. كرِّر هذه العملية ثلاث مرّات. والآن، تثاءب، إن أمكن، لبضع مرّات، ولاحِظ إن كان مستوى استرخائك قد ازداد. عيِّن له رقماً من 1 إلى 10، ودوِّنه على ورقتك. الآن، تمطَّط ببطء بأي طريقة تُشعِرك بالراحة والسرور، وانظر إن كنت تستطيع أن تغمر نفسك كلّياً في إحساس كلّ تمطُّط. ابدأ بعضلات وجهك، بأن تقبضها، ثمّ تبسطها، ثمّ انتقل نزولاً إلى كتفيك وعنقك، مُحرِّكاً رأسك بلطف من جانب إلى جانب، ومن الأمام إلى الخلف. اقبض كتفَيك إلى أذنَيك، ودعهما تتدليان، دافعاً إيّاهما للأسفل تجاه الأرض. الآن، شد جميع العضلات في ذراعَيك ورجلَيك. أبقها مشدودة بينما تعدّ إلى 10، ثمّ أرخها بينما تهزّ يديك وقدميك. خذ بضعة أنفاس عميقة أخرى، واستَرح. مرّةً أخرى، عيِّن رقماً لحالة استرخائك ودوِّنه على الورقة، ملاحِظاً كم تحسَّنت. هل يمكن لتمرين وجيز كهذا أن يُغيِّر دماغك فعلياً بطرق ستُحسِّن مهاراتك التواصلية بشكلٍ محسوس؟ نعم! أظهرت عدّة دراسات (FMRI) أنّ تمرين استرخاء مدّته دقيقة واحدة سيزيد النشاط في مناطق مختلفة من القشرة الدماغية، وهي مناطق أساسية للغة، والتواصل، والإدراك الإجتماعي، وتنظيم المزاج، واتخاذ القرار. إذا زِدت من مدّة تمرين الإسترخاء هذان فإنّ أجزاء إضافية من الدماغ ستُنشَّط وتساعدك على أن تصبح أكثر تركيزاً وانتباهاً في العمل. ستنخفض مستويات الكورتيزول، ما يعني أنّ مستوياتك من الإجهاد البيولوجي ستقلّ. يُظهِر البحث أيضاً أنّ مجرّد مراقبة أنماط تنفُّسك الطبيعي سيُغيِّر دماغك بطرق إيجابية. وإذا نسّقت تنفُّسك مع شخص آخر، فإنّ هذا سيساعد كليكما على الشعور بمزيد من الهدوء والإهتمام تجاه بعضكما. في ختام كتابه انكشاف العواطف (Emotions Revealed)، كتب بول إكمان (خبير التمييز الوجهي): "لم أستطع أن أفهم سابقاً لماذا ستنتفع حياتنا العاطفية من تركيز إدراكنا على التنفّس"، ثمّ تراءى له الجواب فجأة: "إنّ تعلُّم تركيز الإنتباه على عملية تلقائية لا تتطلّب مراقبة واعية يحدث فيك القدرة على التنبُّه لعمليات تلقائية أخرى.. نحن نُطوِّر ممرّات عصبية جديدة تتيح لنا فِعل ذلك. وإليك خلاصة الكلام: تنتقل هذه المهارات إلى عمليات تلقائية أخرى، لينتفع منها إدراكُ السلوك العاطفي، ثمّ إدراكُ الدافع، في بعض الناس". في المحادثات الساخنة، فإنّ الشخص القادرة على البقاء هادئاً، هو المستفيد الأكبر. ولهذا، تعلَّم كيف تركِّز على استرخائك وتنفُّسك عند مناقشة قضايا صعبة.   الخطوة 2: ابقَ حاضراً (في اللحظة الحالية) عندما تركِّز باهتمام على تنفُّسك واسترخائك، أنت تشدّ انتباهك إلى اللحظة الحالية. عندما نصبح مستغرقين كلّياً في شيء بسيط مثل التنفُّس، أو في إرخاء جزء محدَّد من جسمنا، فإنّ الكلام الداخلي للوعي اليومي يتوقّف، على الأقل لحظياً، وهذا يتيح لك أن تصبح مدركاً للأشياء الدقيقة التي تحدث مباشرةً حولك. ستسمع أصواتاً نادراً ما كنت تلاحظها، وستشعر بإحساسات أكثر في جسمك، وإذا جلبت هذا الحضور إلى المحادثة، فستسمع بمزيد من الوضوح نبرات الصوت الدقيقة التي تعطي معنىً عاطفياً لكلمات المتكلِّم. إليك هذا التمرين الصغير، المُبتدَع من قِبَل إكهارت تولي، والذي يمكنك أن تُجرِّبه حالاً لتختبر قوّة اللحظة الحالية. ابدأ بالتركيز على يدك اليمنى، واسأل نفسك هذا السؤال: "كيف يمكنني أن أعرف حقاً، في هذه اللحظة بالذات، أنّ يدي موجودة؟"، كلّما فكّرت في هذا السؤال أكثر بينما تركِّز على يدك، ستبدأ بالشعور بالمزيد من الأحاسيس. إذا لم تشعر بأيّ فرق بعد دقيقة أو اثنتَين، ضمّ أصابع يدك ببطء شديد على شكل قبضة، وأبقِ قبضة يدك مُحكَمة لمدة 30 ثانية. ثمّ افتحها ببطء شديد على مدى الثلاثين ثانية التالية. انتبه لكل إحساس في كلّ إصبع وفي راحة يدك. ستلاحظ أنّ عقلك، في هذه الحالة العميقة من التركيز، قد أصبح صامتاً، وإذا أُتيح لنا أن نقيس ضغط دمك في هذه اللحظة، فسنجده قد انخفض. إنّ الإسترخاء والحضور في اللحظة الحالية مفيد لقلبك. استمر في التركيز على يدك، وانظر إن كنت تشعر بتلك الحيوية، كما يُسمِّيها تولي، في يدك الأخرى. باستخدام هذه التقنية، يمكنك أن تجلب ذلك الإدراك المعزَّز إلى كل جزء من جسمك، وقتما تشاء. إذن، ما المانع من جلب تلك الحيوية إلى محادثاتك مع الآخرين؟ باستخدام تقنية (FMRI)، يمكنك فعلياً أن تراقب كيف يُغيِّر هذا الإدراك اللحظي وظيفة الدماغ بينما يعزِّز إدراكنا لعالمنا الداخلي والخارجي. يتحوّل وعينا اليومي إلى إدراك ماورائي Meta-awareness يتيح لنا أن نختبر فهماً أكبر ومُوحَّداً أكثر للعالم. إذا جلبنا هذا الإدراك اللحظي إلى محادثاتنا مع الآخرين، سنختبر التفاعل بوضوح أكبر، وسنكون أقلّ احتمالاً لأن نُربَك بالحالة العاطفية للشخص الآخر. سنشعر بألمه ونستجيب بتعاطف لأنّنا استطعنا أن نحافظ على استرخائنا. إنّ البقاء حاضراً في اللحظة الحالية له تأثير جانبي مثير للإهتمام: بما أنّك أقل احتمالاً لأن تتحكّم باتّجاه المحادثة، فقد يقود هذا إلى حوارات غير متوقّعة. إذا انتاب الحزن أيّاً منكما، وبقيت أنت في اللحظة الحالية، ستركِّز المحادثة على تلك المشاعر وسيتلاشى الموضوع السابق. إنّها تجربة حميمية للغاية، وبالتالي هي ملائمة جدّاً للمحادثات مع أفراد العائلة والأصدقاء، ولكن في مكان العمل، من الضروري أن تبقى مُركِّزاً على موضوع المحادثة المحدَّد. ومع ذلك، فإنّ البقاء في اللحظة الحالية سيتيح لك أن تُميِّز بسرعة ما إذا كانت المحادثة قد بدأت تنحرف عن الموضوع الأساسي.   الخطوة 3: شجِّع الصمت الداخلي بالنسبة إلى معظمنا، فإنّ الحفاظ على استرخائنا والبقاء في اللحظة الحالية يحدث فقط لفترات وجيزة من الوقت، يتم بعدها مقاطعة هذه الحالة بكلامنا الداخلي. تُظهِر الأبحاث أنّ بإمكانك أن تكبح هذه الأفكار والمشاعر المُلهِية، ولكن عليك أن تتدرّب على فِعل ذلك مرّةً بعد أخرى إلى أن تكتسب السيطرة على أفكارك ومشاعرك. كلّما فكّرت عمداً في أن لا تفكِّر، استطعت أن تُحرِز سيطرة اختيارية على شلال الدماغ العفوي من المعرفة والكلام الداخلي. فكما وجد الباحثون في جامعة إموري، يمكن حتى لكبح الأفكار أن يحمي دماغنا و"أن يُقلِّل الإنحدار المعرفي المرتبط طبيعياً بالشيخوخة". نحن بحاجة تحديداً إلى تطوير مهارة البقاء صامتين كي نتمكّن من الإنتباه بشكلٍ كامل لما يقوله الشخص الآخر. لا شعورياً، سيعرف الشخص الآخر متى ما شُتِّت انتباهنا بالكلام الداخلي، وسيؤدِّي إدراكه لعدم اهتمامنا هذا إلى الإبتعاد عنّا. وبالتالي، فإنّ الصمت، في التواصل الفعّال، ليس عدوّك، بل هو صديقك. يجد العديد من الناس صعوبة في تعلُّم كيفية البقاء في حالة من الصمت الداخلي، لأنّ الفصّين الصدغيَّين في الدماغ مُصمَّمان للإستماع بصورة ثابتة إلى شيء. وهناك دائماً شيء يُحدِث درجةً معيّنة من الصوت. إليك هذه التقنية التي نستخدمها نحن ومعلِّمون آخرون لنُرِي الشخص كيف يُشجِّع حالةً أعمق من الصمت. ستحتاج إلى جرس، والذي، عند قرعه، سيستمرّ في الرنين لمدّة 15 إلى 30 ثانية على الأقل. إذا ذهبت إلى الموقع http://www.mindfulnessdc.org/bell/index.html، يمكنك أن تُفعِّل جرس تيقّظ نموجياً لهذا التمرين. اضغط الزر كي تقرع الجرس، ثمّ ركِّز بشدة على الصوت. بينما تتلاشى النغمة، ستلاحظ أنّ عليك أن تنتبه أكثر إلى استماعك، ثمّ عندما يختفي الصوت، استمر في الإستماع بعمق إلى الصمت، الذي ستجد أنّه مليء بتنوّع من الأصوات الدقيقة. ربّما أصبحت مدركاً لصوت تنفُّسك، وهذا صوت ممتاز لتُركِّز عليه، مزوِّداً دماغك بفوائد جوهرية. اقرع الجرس مجدداً، واستمع بتركيز أكثر ممّا فعلت في المرّة السابقة. تابِع لعدّة مرّات بينما تدرِّب نفسك على تمييز حالة الإدراك الخاصة التي يُحدِثها التمرين فيك. هذه هي حالة التنبُّه التي نودّ منك أن تستخدمها عند الإستماع إلى شخص آخر يتكلّم. سيساعدك جرس التيقُّظ على الإنترنت أيضاً في التدرُّب على تمرين التواصل التعاطفي الموصوف في الفصل التالي.   الخطوة 4: زِد الإيجابية قبل أن تبدأ أي محادثة، قمْ بعملية جرْد عقلي لمزاجك. هل تشعر بالسعادة أو الإكتئاب، بالتعب أو التيقُّظ، بالقلق أو الهدوء؟ إنّ أي أفكار أو مشاعر سلبية لديك ستعرقل عمل تلك الأجزاء من دماغك المرتبطة بمعالجة اللغة، والإستماع، والكلام. تُظهِر الأبحاث أنّ الخطوات الثلاث السابقة تُعتَبر كافية بشكل عام للقضاء على أي مشاعر أو أفكار سلبية. ولكن إذا كانت تلك الأفكار لا تزال موجودة، فانظر في الخيارات التالية: كرِّر التمرين أعلاه، أو انظر في تأجيل الإجتماع، خصوصاً إذا كان مرتبطاً بالعمل. عندما يحسّ زملاؤك، أو موظّفوك، أو رئيسك في العمل بإنهاكك أو إجهادك، سيعرفون أنّك لا تملك القدرة على إجراء حوار مُثمر وذي معنى. إذن، ما الداعي إلى المخاطرة؟ وحتى إذا كنت تشعر أنّك هادئ ومسترخ، اسال نفسك هذا السؤال: "هل أنا متفائل تجاه هذا الإجتماع والشخص الذي أنا على وشك أن أتحدّث معه؟" إذا كانت الإجابة "لا" – إذا كنت تشعر بأي درجة ملحوظة من الشك، أو القلق، أو الإحباط، أو حتى بشعور غضب خفيف – فسيكون عليك، إن أمكن، أن تؤجِّل حوارك إلى موعد لاحق. وإذا كنت لا تستطيع أن تؤجِّل الحوار، فخذ بضع دقائق على الأقل للتركيز على فكرة أكثر إيجابية لأن أي حالة سلبية يمكن أن تولِّد دفاعيةً متبادلة وانعدام ثقة. إليك شيءٌ يمكنك أن تفعله عندما تكون لديك مخاوف بشأن اجتماع قادم. تدرَّب ذهنياً على ما تظن أنّه يمكن أن يحدث. أجرِ محادثة خيالية مع الشخص الذي تريد أن تتحدّث إليه، كما لو كنت ممثلاً يقرأ من مخطوطة، وانظر كيف يمضي الحوار. عندما تقوم بهذا، يصبح من السهل اكتشاف العبارات التي قد تتفوّه بها، والتي يمكن أن تُضعِف قصدك وهدفك. إذا رأيت أنّك لا تزال تشعر بالضيق أو القلق، فخذ المحادثة الوهمية إلى المستوى الثاني وتخيَّل كيف سيستجيب الشخص الآخر إذا أخبرته بحقيقة شعورك في هذه اللحظة. إذا لم يجعله ذلك يبتسم، أو تدمع عيناه – إذا لم يجعله ذلك يشعر أنّك تحترمه – فستعرف مسبقاً أنّ المحادثة ستفشل على الأرجح. كي تجعل أي محادثة ناجحة ومُرضِية فعلاً، عليك أن تُولِّد إيجابيةً نابعة من القلب، لنفسك وللشخص الآخر. وكما تقول باربارا فردريكسون، وهي بروفيسورة متميِّزة في علم النفس في جامعة كارولينا الشمالية، فإنّ الإيجابية هي حقّنا المُكتَسب بالولادة "وهي تأتي بأشكال ونكهات متعددة": "فكِّر في الأوقات التي تشعر فيها أنّك محبوب من قِبَل الآخرين ومرتبط بهم، عندما تشعر أنّك عابث، أو مُبدع، أو سخيف؛ عندما تشعر أنّك سعيد ومتناغم مع محيطك؛ عندما تتأثّر روحك بالجمال المطلق للوجود؛ أو عندما تشعر أنّك مُنشَّط ومُثار بفكرة أو هواية جديدة. تسود الإيجابية في كل مرّة تلمس فيها العواطف الإيجابية – مثل الحب، والفرح، والإمتنان، والمتعة، والإلهام – القلب وتفتحه". عيّنت فردريكسون واحداً من أهمّ العوالم لتوقُّع النجاح في العلاقات الشخصية والمهنية على حدّ سواء. يُعرَف هذا العامل باسم نسبة 3 إلى 1، وهو عبارة عن مقارنة عدد الأفكار الإيجابية والأفكار السلبية التي تولِّدها عنما تنهمك في محادثة مع أحدهم. إذا أظهرتَ أقل من 3 أفكار أو تصرّفات إيجابية لكل تصرّف أو فكرة سلبية، فمن المرجَّح أنّ التفاعل أو العلاقة ستفشل. ترتبط هذه النتيجة ببحث مارسيال لوسادا الخاص بفِرَق الشركات، وبحث جون غوتمان الخاص بالأزواج. أدرك كلٌّ من فردريكسون، ولوسادا، وغوتمان أنّه إذا أردتَ لعلاقاتك الشخصية أو المهنية أن تزدهر، فإنّ عليك أن تولِّد خمس رسائل إيجابية على الأقل لكل قول سلبي تتفوّه به (على سبيل المثال، لقد خيّبتَ أملي أو ليس هذا ما رجوتُه هما تعبيران سلبيّان، وكذلك العبوس أو أي إيماءة دالّة على الإزدراء). والشخص الذي تقلّ نسبة الإيجابية لديه عن 3 إلى 1، يُرجَّح أن يكون مصاباً بالإكتئاب. عند التحضير لحوار جدّي، نحن نقترح أن تستخدم خيالك لتتصوّر وتتدرّب على محادثة تكون مليئة بالإيجابية، واللطف، والتفاؤل. وجد الباحثون في جامعة بوردو أنّه عندما تدخل أي محادثة متفائلاً، فمن المرجح أن تكون أنت والمستمع على حدٍّ سواء أكثر رضاً بالمخالطة. وإذا تصوّرت عمداً نجاحاً مستقبلياً، فسيعزِّز هذا من دافعك لبلوغه. هذا البحث جوهري: يمكن للتخيّلات الإيجابية أن تُضعِف الحالة السلبية للعقل، بينما ستعمل التخيّلات السلبية على الإحتفاظ بالمزاج السلبي أو تعزيزه. والواقع أنّ للتخيّلات الذهنية الإيجابية، لدى مقارنتها بأشكال أخرى من المعالجة اللفظية، تأثيراً أكبر في تخفيف القلق، بينما ستعمل التخيّلات السلبية على تضخيمه. يطرح هذا سؤالاً مثيراً للإهتمام: هل تستطيع أن تُنشئ عشوائياً موقفاً تفاؤلياً بمناورة أفكارك الخاصة؟ يجيب الباحثون في جامعة توليدو على هذا السؤال بنعم، وتستطيع حتى أن تنسى الذكريات السلبية من مرحلة الطفولة بإعادة كتابة الحدث وتخيُّل نتيجة أو حلّ مختلف. ولهذا، اسعَ جاهداً لتملأ نفسك بالمشاعر والأفكار الإيجابية قبل الدخول في أي محادثة. مع ذلك، وكما يشير مارتن سليغمان، مؤسِّس علم النفس الإيجابي، فإنّ "مجرّد تكرار العبارات الإيجابية لنفسك لا يُحسِّن المزاج جداً". بدلاً من ذلك، ووفقاً لما يقوله سليغمان، عليك أن تغرس التفاؤل في دماغك "من خلال قوّة التفكير غير السلبي". وهذا يعني أنّك ستحتاج إلى أن تُعيِّن شعورياً، ثمّ تستأصل، المعتقدات السلبية التي خُزِّنت لا شعورياً في الذاكرة الطويلة الأمد. بإمكانك أن تبدأ هذه العملية بسؤال نفسك: "أين الدليل الذي يدعم خوفي أو اعتقادي السلبي؟" ستجد غالباً أنّ مخاوفك تستند إلى رؤية مُبالَغ فيها للوضع. إذا أخذت لحظة لجذب نفسك إلى اللحظة الحالية، فإنّ هذه الأصوات السلبية تفقد قوّتها. مع الوقت، ستتمكّن من تحويل نظرة يائسة ومتشائمة إلى أخرى واقعية ومتفائلة. لن يقضي هذا كلّياً على فترات الإكتئاب، والقلق، وانعدام الثقة بالذات، ولكنه سيقلِّل بصورة هائلة عدد مرّات الحدوث. وهذا سيُحسِّن كلّ بُعْد من أبعاد علاقاتك مع الآخرين.   الخطوة 5: تأمَّل قِيَمك الأعمق في الفصل السابق، استكشفنا بشمول القوّة التحويلية لمعرفة قِيَمك الداخلية، ومن أجل تحديد النبرة الملائمة لأي محادثة، هناك قيمتان أخريان يجب توجيه الإهتمام إليهما بوعي: "ما هي قيتمي العلاقية (الإرتباطية) الداخلية الأعمق، بالنسبة إليّ بشكل عام، وتحديداً بالنسبة إلى الشخص الذي أنا على وشك أن أتحدّث معه"؟ و"ما هي قيمتي الداخلية الأعمق في ما يتعلّق بالتواصل، بالنسبة إليّ، وبالنسبة إلى المحادثة التي أنا على وشك الدخول فيها؟" ستشكِّل هذه القيم الثلاث معاً أفضل سيناريو ممكن عندما يتعلّق الأمر بمعالجة المشاكل وبلوغ الأهداف التي تريدها. قلّة من الناس يتّخذون الغضب والعنف قيمةً لهم، ولكنّ الأبحاث تؤكِّد أنّ الناس اللاألوفين وأولئك ذوي السلوك اللاإجتماعي والمنحرف تتمثّل قيمتهم الأعلى في الربح المادي والمتعة اللحظية. وأحياناً يكون المال والمتعة قيمتهم الوحيدة. من الواضح أنّ مثل هؤلاء الناس يفشلون في العلاقات التي تتطلّب ثقة، ونزاهة، وصدقاً، ولطفاً، وإنصافاً، وهي قِيَم تُعتَبر أساسية في العمل والحب. إذا كانت قِيَمنا الشخصية، والعلاقية، والمهنية لا تتراصف مع تلك للشخص الذي نتعامل معه، فإنّ المتاعب سترِد حتماً. يقترح هذا أنّنا يجب أن نسأل الآخرين عن قِيَمهم الداخلية بأسرع وقت ممكن. ولكن هناك صعوبة مخبوءة: يبرع الناس غير الألوفين في قراءة عقول الآخرين، ويمكنهم أن يخبروك، بمنتهى الدقّة، بما ترجو سماعه. بإمكانهم أيضاً أن يخفوا تلميحات الخداع غير اللفظية، ولهذا من الصعب جداً اكتشافهم. مع ذلك، عادةً ما يتصرّف الناس بطريقة غير عقلانية إلى حدٍّ ما عندما يغضبون. ومثل الناس غير الألوفين، لا يعود بالإمكان التوقع بإنفعالاتهم، ما يجعل إجراء حوار بنّاء معهم أمراً صعباً. إذن، كيف تتواصل بتعاطف مع الناس الغاضبين، محافظاً على ولائك لقِيَمك الداخلية الخاصة؟ الأمر صعب، ولكن غير مستحيل. يجب أن تُعيِّن معاناتهم وألمهم المستتر، ومن ثمّ تتحدّث إليه. عليك أن تنظر إلى ماوراء الغضب. عندما تفعل هذا، كما يمكن للناس التعاطفيين للغاية أن يفعلوا، يُرجَّح أنّك ستستجيب لأيّ تعبير غاضب بابتسامة خفيفة. نموذجياً، عندما يثور الغضب، يجب التوقُّف والدعوة إلى استراحة. ولكن قد لا تتمكّن من القيام بذلك أحياناً. في حالات كهذه، قد تستفيد إذا ركّزت على السؤال التالي: "ما أكثر ما أقدِّره في هذا الشخص؟" ثمّ تحدّث إلى تلك الصفات المميّزة في ذلك الفرد. ولكن إذا شعرت أنّك على وشك أن تفقد صبرك أو أعصابك، فانظر في إخراج نفسك من المحادثة بأسرع وقت ممكن. دع الشخص الآخر يعرف أنّك ستكون سعيداً لإستئناف الحوار عندما تهدأ الأمور. قد تدخل محادثةً وأنت هادئ، ولكنّ سلبية الشخص الآخر تملك قوة أكبر، لأنّ الأجزاء البدائية من دماغك ستستحثّ نمط البقاء الدفاعي والعدواني. سيجرّك الشخص الآخر، وستتلاشى إيجابيتك. ماذا ستفعل حينها؟ تفيد الأبحاث أنّك تستطيع أن تكبح عمداً الأفكار السلبية وتفرض عشوائياً سلسلة من الأفكار الإيجابية، على نفسك وعلى الشخص الآخر. ثبت أنّ هذه التقنية فعّالة أكثر من الإستراتيجيات الأخرى المستخدَمة في تدريب إدارة الغضب.

تذكَّر: كلّ تفاعل لفظي يقتضي ضمناً نيّةً موجّهة الهدف من قِبَل المتكلِّم. لجعل أي محادثة متوازنة وعادلة، يجب على كلا الطرفين أن يكونا واضحَين وصريحَين بشأن القِيَم، والنوايا، والأهداف، لأنّ هذا سيجعل عملية التواصل فعّالة أكثر.

يتبع...

ارسال التعليق

Top