المجتمع الصالح المتآزر في وحدة بنيه وتكاملهم وتعاونهم لما فيه خير المجتمع وصالحه العامّ، كالجسد الواحد في تعاضده وتكامله، قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): «مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى». إنّ التعاضد والتكافل الإنساني هو مسؤولية مشتركة وخلّاقة في جميع المجتمعات الإنسانية. كما أنّ العالم بكلّ ثقافاته ومستوياته يحثّ على ضرورة التواصل الإنساني عبر التكافل الاجتماعي، بما يؤدِّي إلى تقليل الفوارق بين الأغنياء والفقراء، وكذلك إعالة المحتاجين، وسدّ حاجتهم، بما يكفل لهم حياةً كريمةً وعزيزة، تسدّ عنهم ذلّ السؤال، وتكفيهم وطأة الفاقة.
وفي الإسلام الحنيف، كانت الدعوة إلى التكاتف والتكافل من المبادئ الأساسية التي نادى بها الدِّين، فكان الحضّ على إيجاد التعاون بين أفراد المجتمع في كلّ أمرٍ فيه خير وصلاح للمجتمع ولبنيه، في مواجهة الظروف الصعبة، وتعقيداتها القاسية. ذلك لأنّ الخير وحده هو الذي يؤدِّي إلى استقرار المجتمع وسلامة بنائه، وبعده عن أيّ خلل اجتماعي يؤدِّي إلى فرقة أبنائه، أو إلى شيوع مشاعر الكراهية والحقد والحسد والبغضاء. قال الله عزّوجلّ: (وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُواْ اللهَ إِنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) (المائدة/ 2). وفي الأحاديث الشريفة أحاديث كثيرة تحثّ على التعاون المثمر المفيد، الذي ينقذ من شدّة، ويفرج عن كربة، ويسعف من حاجة، ويغني عن عوز. وقد بيّن النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) أنّ إدخال السرور على قلب المسلم يعدّ من أحبّ الأعمال إلى الله عزّوجلّ، بأن تكشف عنه غمّاً، وتغطّي عنه دَيناً، أو تدفع عنه جوعاً.
إنّ الدعوة إلى التعاون بين أفراد المجتمع، يجب أن تأتي مصحوبةً بأدبٍ إنساني يجب أن يُراعى ويتّبع، وهو أدب يتعلّق بالجانب النفسي عند مَن يُقدّم إليه العون، فليس العون مجرّد عونٍ مادّي يزيل الحاجة، ويكشف الغمّة، وإنّما هو في الوقت نفسه يتّصل بالكرامة الإنسانية التي يجب أن تُصان، وأن يظلَّ صاحبها مرفوع الرأس بعيداً عن مشاعر الإذلال والإهانة. وأخيراً، لابدّ من تنمية روح المبادرة لدى أفراد المجتمع، لأنّ روح المبادرة هي من القضايا التي تحتاج إلى اهتمام خاصّ، ولاسيّما في أوقات الأزمات، إذ يبحث الناس عمّن يقودهم، أو يجمعهم على عمل الخير للوصول إلى قاعدة العدالة في المجتمع الواحد الموصوف بالمتماسك. وهنا تبرز أهميّة الإنسان الصالح الواعي والمشارك، كما يبرز شعوره بالمسؤولية، ووعيه بضرورة المواجهة المشتركة للأزمة. ولذا، فإنّ من الحيويّ أن يشعر كلّ مَن حولنا بأنّنا نملك طاقة الريادة والمبادرة إلى عمل شيء يعود بالخير والنفع العامّ، ويخفّف من حدّة الأزمة الجاثمة. ولو أنّ الواحد منّا أعطى كلّ يوم نصف ساعة من وقته للتفكير والعمل في مسألة من مسائل الشأن العامّ، لوجد أنّه بات محوراً ورائداً لأعمال خير كبيرة، كما أنّه يشجّع كثيرين من إخوانه على أن يسلكوا المسلك نفسه.
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق