◄التوكل حسب ما ورد في بعض المفاهيم اللغويّة، هو عبارة عن:«إظهار العجز والاعتماد على الغير، وعند أهل الشرع: هو الثقة بما عند اللَّه تعالى، واليأس مما في أيدي الناس، ويقال: المتوكل على اللَّه يعلم أن اللَّه كافل رزقه وأمره فيركن إليه وحده ولا يتوكل على غيره».
«يقال... وكلت أمري إلى فلان أي ألجأته إليه واعتمدت فيه عليه».
فالتوكل هو الاعتماد على الغير، وبين الاعتماد على المخلوق والاعتماد على الخالق فرق كبير، وبين الوثوق بالفقير والوثوق بالغني المطلق مساحة واسعة.
فالتوكل على اللَّه هو سبيل الراشدين، وديدن العقلاء والمؤمنين، وهو الطريق الطبيعي المنطقي، باعتبار أن اللَّه تعالى هو المتصف بكل الصفات الكماليّة، فهو الخالق والقوي والغني والرحيم إلى آخر صفاته وأسمائه الحسنى.
يقول العلامة الطباطبائي (قده):« إنه تعالى متصف بصفات كريمة يؤمن معها أن يستغش عباده المتوكلين عليه المسلمين له أمورهم؛ فإنه رؤوف بعباده رحيم غفور ودود كريم حكيم عليم، ويجمع الجميع إنه أرحم الراحمين، على أنه لا يغلب في أمره ولا يقهر في مشيئته، وأما الناس إذا آمنوا على أمر واطمئنَّ إليهم في شيء فإنهم أسراء الأهواء وملاعب الهوسات النفسانية، ربما أخذتهم كرامة النفس وشيمة الوفاء وصفة الرحمة، فيحفظوا ما في اختيارهم أن يحفظوه ولا يخونوه، وربما خانوا ولم يحفظوا؛ على أنهم لا استقلال لهم في قدرة ولا استغناء لهم في قوة وإرادة ».
التوكل والأسباب الطبيعية
وهل إن الاعتماد على اللَّه تعالى يعني ترك الأسباب الطبيعية في الحياة؟ وهل معنى ذلك أن لا يتعامل الإنسان مع الناس، وينزوي في زاوية بيته منعزلاً عن حركة الحياة ونشاطها؟
بالطبع لا، ليس المراد بالتوكل على اللَّه ترك الأسباب؛ فإن الإنسان عليه أن يسير وفقاً للأسباب التي وضعها اللَّه تعالى، ولكن مع هذا عليه أن يستشعر في نفسه أنه ضعيف ولا استقلال له في إدارة أموره، وأن الأسباب العادية باستقلالها لا تقوى على إيصاله إلى ما يبتغيه من المقاصد، بل عليه أن يلتجىء في أموره إلى وكيل يصلح شأنه ويدبر أمره أحسن تدبير، فذلك الوكيل هو اللَّه تعالى، العالِم بكل تفاصيل الكون، المطلع على عباده، مسبب الأسباب، ومقلِّب القلوب، القاهر الذي لا يقهره شيء، الغالب الذي لا يغلبه شيء، يفعل ما يشاء ويحكم بما يريد.
التوكل دعم للروح
إنّ التوكل على اللَّه، قوَّة للنفس، ودع قو للروح، وإصلاح لقلب الإنسان وحياته.
يقول العلامة الطباطبائي (قده) في هذا المجال:«إن مضي الإرادة والظفر بالمراد في نشأة المادة (في الحياة) يحتاج إلى أسباب طبيعية وأخرى روحية، والإنسان إذا أراد الورود في أمر يهمّه وهيّأ من الأسباب الطبيعية ما يحتاج إليه لم يحل بينه وبين ما يبتغيه إلا اختلال الأسباب الروحية (النفسيّة) كوهن الإرادة والخوف والحزن والطيش والشره والسفه وسوء الظن (والتشائم) وغير ذلك، وهي أمور هامة عامة، وإذا توكل على اللَّه سبحانه وفيه اتصال بسبب غير مغلوب البتة، وهو السبب الذي فوق كلّ سبب قويت إرادته قوّة لا يغلبها شيء من الأسباب الروحية المضادة المنافية فكان نيلاً وسعادة».
ثمرة التوكل
القوّة: فعن رسول اللَّه (ص): «من سرّه أن يكون أقوى الناس فليتوكل على اللَّه».
عن الإمام علي (ع):«أصل قوّة القلب التوكل على اللَّه».
التفاؤل: عن رسول اللَّه (ص) :«الطيرة شرك، وما منّا إلا، ولكن اللَّه يذهبه بالتوكل» ويقصد بالطيرة بفتح الياء هو التشاؤم بالشيء.
الأمل: عن الإمام علي (ع): «الثقة باللَّه أقوى أمل».
الراحة والسرور: وعنه أيضاً (ع) :«الاتّكال على اللَّه أروح».
وعنه (ع): «من وثق باللَّه أراه السرور، ومن توكل عليه كفاه الأمور».
وعنه (ع): «ليس لمتوكل عناء».
الكفاية والرزق: عن رسول اللَّه (ص) :«من توكل على اللَّه كفاه مؤنته ورزقه من حيث لا يحتسب».
بقاء الغنى والعز: عن الإمام الصادق (ع) :«إن الغنى والعزّ يجولان، فإذا ظفرا بموضع التوكل أوطنا».►
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق