• ٢٣ تشرين ثاني/نوفمبر ٢٠٢٤ | ٢١ جمادى الأولى ١٤٤٦ هـ
البلاغ

الخلافات الزوجية: منزل مضاء إذن شارع مغرّد

تحسين يقين

الخلافات الزوجية: منزل مضاء إذن شارع مغرّد

تقديم المنزل على الشارع لن يغضب الشاعر، وهو من قال:

البيت أجمل من الطريق إلى البيت!

لنا أن نختار المنزل حبا بالشارع والوطن والعالم..

وللشاعر أن يقدم ويؤخر، له ما يريد ولنا.

بكلمة حب وحنان، يندفع ماء النبع المخبأ بين الصخور، فيعود الطير إلى شجره، والغائب الى بلده، والطفل إلى أمه وأبيه، والحبيب الى حبيب..فقط كلمة تكون من داخل القلب كفيلة بحلّ المشاكل، أو على الأقل بداية الحل. بكلمة، لعلها ابتسامة ودمعة، فلنا ما نخسره كثيرا في الفراق.

ونحن نفكّر بالنزاعات الدولية، ونزاعنا نحن بشكل خاص، لعلنا نفكّر بنزاعاتنا السياسية  والاجتماعية والفكرية والاقتصادية..

ونحن نفكّر بنزاعاتنا، لعلنا نفكر ببيوتنا، فهل أروع من "بيت مضاء" وشارع مغرّد"!

البيت- الأسرة، أن لم يكونا، فكيف يمكن أن نكون ويكون هذا العالم ببشره وشجره وعصافيره وقصائده والرسومات والأفكار؟

فالحديث عن الدنيا، الوطن، والطبيعة، هو حديث عن الأسرة، ولعلّ الاهتمام بالأسرة في أي مجتمع هو طريق حقيقي للحفاظ على المنجزات، والانطلاق لتحقيق الأماني والأحلام. فهل نحن بحاجة للتأكيد على ما مضينا به؟

إن لم تكن أسرة البيت حاضرة، فكيف سنحظى بمشهد منزل مضاء؟ وكيف سيكون الشارع مغردا إن لم تكن كل المنازل مضيئة؟

بل كيف لي أن أشعر بضوء بيتي وبيت هناك صار معتما، يوما أو بعض يوم؟!

بالإمكان دوما أن نبدع أكثر ما يكون، إن أردنا الاستجابة لطاقتنا الشعورية والفكرية، فكيف يمكن لنا فعلا أن نشعر بالسعادة ونستمتع بها، ونحن نرى من هم/ن محرومين منها؟

إذا شعر إنسان/ة بأنهما كانا قادرين على تقديم العون في حلّ مشكلة عائلية قبل أن تتسع ولم يفعلا ذلك، فسيعيشان العمر يلومان أنفسهما؛ فنحن حينما نسلك سلوك الضمير إنما ننحاز لأنفسنا واستقرارنا النفسي، حتى نشعر بالإنسانية مع أقرب الناس لنا مكانا وزمانا، فكيف إذا كان منا من يضيف على النار نارا، كيف سيمضي العمر إذن؟

كثيرا هي الكتب والبرامج عن الأسرة، وكثيرة مشاكل الأسر، وهي اليوم تزداد وتتعقد.  وتصبح معالجتها في ظل ثقافة الاستبداد صعبة، حينما يصرّ كل جانب أنه على الحق كله، وأن شريكه/ا على الخطأ كله، في سياق الثقافة المطلقة والجاهزة والمعلبة أيضا.

والمأساة أننا إنما نتحدث عن نزاعات بين الأعزاء والعزيزات، وبشكل خاص عمن كانت سماؤه في الهوى وسماؤها، والتي يجب صونها حتى لا تصير في الغرام جهنما، بالاقتباس من الشاعر المهجري ايليا ابو ماضي: قال: التي كانت سمائي في الهوى, صارت لنفسي في الغرام جــهنما، في سياق شكواه للزمان ومنه.

هي الخلافات الزوجية التي صارت تكثر، وتتعقد، في ظل أساليب تقليدية للحلول، فما العمل؟

العلم نور، ولكل غرفة باب أو أبواب، وكل باب ومفتاحه؛ فبالإضافة لأية جهود للتوفيق والحل، بما يضمن كرامة الطرفين، وعودتهما إلى "بيتهما المضاء" إن كان هناك مجال لذلك، لا بدّ من قراءات اقتصادية واجتماعية ونفسية، متداخلة أو كل على حدة.

من المهم معرفة أثر الحياة في هذا العصر على الزوجين، اللذين تعرضا لمعارف وأفكار لها علاقة بالمساواة والعدالة، والتملك والاحترام، في ظل استمرار جزء من السياقات التقليدية لعائلتيهما وللمحيط بشكل عام؛ فهناك طرفان، خصوصا المرأة-الزوجة، المدركة لحقوق الإنسان والمرأة، وهناك مجتمع الأهل بثقافته التقليدية، حيث ستصبح الأمور متناقضة ومعقدة، وليس من السهل حلها، إلا إذا تم الضغط على المرأة أو الرجل، أو كليهما، إرضاء للأسرتين، من جهة، واستجابة لحاجة الأطفال للوالدين معا.

أظن أن التاقض ما بين السياق الحقوقي المعاصر، والقديم هو بيت القصيد، فهل هناك من معالجة ما؟

بالإمكان جعل نقطة الضعف نقطة قوة، وبالإمكان تحويل التناقض إلى انسجام تصالحي من خلال جسر الفجوات من خلال الإنسانية.

وهذا يعتمد على طرفي النزاع، إن أرادا إصلاحا وتوفيقا، حيث أن الاحترام المتبادل هو مدخل لصون وصيانة البيوت والأسر. كما أن الوضوح والتفاهم خلال فترة الخطبة مهم، فالرومانسية وحدها لا تكفي للمستقبل.

الأهل والأصدقاء، ولجان الإصلاح العشائري ودوائر الإصلاح في المحاكم الشرعية، بحاجة للاستجابة للعصر، ولا بد من تحديث الأدوات، حتى تصبح جهود الإصلاح أكثر فاعلية، بل لا بد من الوقاية من خلال توعية المقبلين على الرابطة الزوجية، لتكون علاقتهما أكثر استقرارا.

من المهم أن يكون الأهل مدركين لتطورات العصر، وأن زمان الأبناء والبنات تغير، ومن المهم إدخال عناصر نسوية للجان الإصلاح العشائري، كذلك لا بد من تدريب دوائر الإصلاح في المحاكم على المفاهيم الحقوقية العصرية وبشكل النوع الاجتماعي، الذي يتحدث عن أدوار النوع الاجتماعي، وعدم الاستسلام للأدوار التقليدية.

أزعم أن التفكير الجدي في المشاكل والحلول، ودراسة الحالات الناجحة وغيرها، يمكن أن تقودنا إلى تبني أسلوب جديد ينسجم مع مضمون حياتنا اليوم وغدا. ويمكن أن يتم الدعوة للقاء يضم الشركاء في هذا المجال، من أجل إجراء دراسات، من أجل الوصول إلى توصيات ضرورية، يتم بناء تدريب عليها، حتى نخفف ما استطعنا من النزيف الاجتماعي-الاقتصادي في المجتمع.

"منزل مضاء إذن شارع مغرّد" هو هدفنا السامي، المستند لحلول تضمن كرامة الطرفين، وحقوقهما، أما العناد والاستبداد وتدخل الآخرين بما يعمّق الفجوات، أو بمن ينصف طرفا على حساب آخر، فلن يقود إلى تقريب وجهات النظر.

الزمان مناسب اليوم، لفحص إمكانياتنا في البحث عن حلول إنسانية للمشاكل والخلافات الزوجية، وكل في محيطه قادر أن يصنع شيئا جميلا.

في تراثنا الجميل نقول: "إن قسيت القلوب عليك بالمحننات"، علينا بها لا بالمقسيّات، أو المقسين. كلمة حسنة تفعل فعل السحر من أجل السلام الاجتماعي والذي هو سلام نفسي أيضا لنا جميعا.

-     الإنسانية منطلق ومخرج وطريق..

-     .................!

هما الهدف والطريق والأمل والسعادة، هما الحياة والمجتمع والوطن.

ليست القضية نصرا أو هزيمة ولا حربا، بل حبا:

"إنني أحلم بالزنابق البيضاء

بشارع مغرّد و منزل مضاء

أريد قلبا طيبا، لا حشو بندقية

أريد يوما مشمسا، لا لحظة انتصار"

وهذا ينطبق على كل النزاعات دولية كانت أو اجتماعية!

و"إن الوطن

أن أحتسي قهوة أمي..

أن أعود، آمنا مع، المساء"

قهوة الأم والشريكة والصديق، سلام النفس والأسرة والجماعة والمجتمع، ويكفينا ما بنا من احتلال ونفي لنا وإقصاء عن الأزمنة والأمكنة.

"أريد طفلا باسما يضحك للنهار"،  فكيف سيضحك الأطفال وقلوبهم مجروحة.

هذا ما نشده وتمناه العاقل الحكيم الإنسان حتى ولو كان جنديا، فما بال الأم والأب والأهل!

Ytahseen2001@yahoo.com

·      الشاعر المقصود هومحمود درويش، بقصيدتيه: فكر بغيرك، و" جندي يحلم بالزنابق البيضاء".

ارسال التعليق

Top